«ليالي النحس» في لبنان بإنتظار «ليالي الأنس» من فيينا!

ياسين شبلي

أخيرا.. وبعد أخذ ورد، وشد وجذب داخلي وخارجي، إستقال وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي من منصبه، على خلفية الأزمة التي نشبت مع المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، من جراء تصريحات أدلى بها قبل تسلمه منصبه الرسمي، بخصوص الحرب في اليمن وتوصيفه لها بالعبثية وبأنها عدوان على اليمن وشعبه.

في الشكل تأتي هذه الإستقالة إستجابة لطلب فرنسي، الأمر الذي جعلها تبدو وكأنها “مكرمة” سياسية، منحت من قبل محور إيران للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عشية زيارته للمملكة العربية السعودية، وفي ظل إستئناف محادثات فيينا بين إيران ودول 1+4، وكذلك بعد إتصال بينه وبين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وهما اللذان يعتبران بمثابة “القابلة السياسية”، التي وُلدت الحكومة اللبنانية الحالية على أيديهما، بعد إتصال أول بينهما تم في لحظة دولية وإقليمية مواتية، بعد تعثر في التشكيل دام حوالي سنة. وهي بدت من جهة أخرى وكأنها نجاح للرئيس ماكرون، الباحث عن أي إنجاز يذكر، بعد الضربات التي تلقاها مؤخرا سواء في صفقة الغواصات مع أستراليا، أو توتر العلاقات مع بريطانيا بسبب موضوع الهجرة، حيث فشل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة اللبنانية، فضلا عن البطريرك الماروني بشارة الراعي، في إنتزاعها من الوزير قرداحي بداعي أنها لن تكون بلا ثمن سياسي، وهو ما يحاول اليوم فريق وزير الإعلام – نيابة عن حزب الله وبدفع منه – أن يسوقه في الإعلام للحفاظ على ماء الوجه، خاصة بعد البيان السعودي – الفرنسي الذي أعقب زيارة ماكرون للمملكة، والذي هو في الحقيقة تكرار لمواقف سابقة ومعروفة، ولم يحمل أي جديد يذكر، بإستثناء الإتصال الهاتفي الذي أجراه كل من الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو أمر قد لا يتعدى المجاملات البروتوكولية، وسقفه إن كان هناك من تطور، لن يتجاوز عودة العلاقات بين لبنان والسعودية إلى نقطة الصفر، بعد أن كانت قد تدنت إلى ما دونه.

تأتي استقالة قرداحي إستجابة لطلب فرنسي، الأمر الذي جعلها تبدو وكأنها “مكرمة” سياسية، منحت من قبل محور إيران لماكرون

تأتي هذه الإستقالة التي يفترض أنها أنهت، إحدى الأزمتين اللتين تعيقان إجتماع مجلس الوزراء المعطل منذ حوالي الشهرين، لتتوج جملة من التحركات الداخلية والخارجية للمسؤولين اللبنانيين، التي أعقبت إندلاع أزمة طلب الثنائي الشيعي، كف يد المحقق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، التي بدورها تسببت بأحداث الطيونة التي أسفرت عن مجزرة، أعادت إلى اللبنانيين ذكريات الحرب الأهلية، وما تلاها من خطاب تصعيدي لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، حمل إتهامات صريحة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالإسم، بالتسبب بأحداث الطيونة، مرفقة بتهديدات وحديث عن مئة ألف مقاتل، ومن ثم إستدعاء جعجع للتحقيق الأمر الذي خلَّف جوا من التوتر، إستدعى تحركا من قبل البطريرك بشارة الراعي بإتجاه الرئيس نبيه بري، حيث تمت تسريبات عن وجود مشروع حل، يقوم على”مقايضة” التحقيق مع جعجع بملف المحقق العدلي طارق البيطار، وهو الأمر الذي سارعت إلى نفيه دوائر بكركي، ليبقى الوضع على ما هو عليه من تعطيل لمجلس الوزراء، وجمود في الوضع السياسي الذي ترك تأثيراته كالعادة على سعر صرف الليرة أمام الدولار، خصوصا مع إنفجار أزمة تصريحات وزير الإعلام، وما سببته من ردة فعل سعودية وخليجية تجاه لبنان الأمر الذي فاقم الأوضاع سوءا.

الجمود السياسي، لم يخرقه سوى حديث الإنتخابات النيابية

هذا الجمود السياسي، لم يخرقه سوى حديث الإنتخابات النيابية، التي أجرى مجلس النواب بعض التعديلات على موعدها وقانونها المتعلق بتصويت المغتربين، الأمر الذي لم يرق لكتلة “لبنان القوي”، التي قدمت الطعون بهذا الشأن، وساندتها بموقفها هذا دوائر القصر الجمهوري، التي أخذت بملاحظاتها بالنسبة للمواعيد “لأسباب مناخية.

كما خرق هذا الجمود زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى غلاسكو لحضور قمة “المناخ” – ما قصة لبنان مع المناخ ؟! – وإجراء بعض الإتصالات بخصوص الأزمة مع دول الخليج، وكذلك تصريحات رئيس الجمهورية عن عدم تسليمه البلد للفراغ بعد إنتهاء مدة ولايته، وعن أن موقع الرئاسة والرئيس لن يكون بعده كما كان قبله، وهي التصريحات التي أثارت القلق، وأعادت اللبنانيين إلى أحداث العام 1988، وما تلاه من عدم تسليم للسلطة، الأمر الذي دفع الرئيس للتوضيح، بأن هذه التصريحات قد فُهمت على غير مقصدها.

ثم جاءت “إحتفالات” عيد الإستقلال وخلوة الليموزين التي جمعت الرؤساء الثلاثة، وأستكملت بإجتماع بعبدا الذي أشيعت بعده أخبار عن مبادرات لكسر الجمود، ومن ثم جاء خطاب أمين عام حزب الله الذي خلا من أي جديد، سوى تكرار الحديث عن ممارسات القضاء، وإظهار عدم الرضا عن سير الأمور بقضية أحداث الطيونة، وكذلك عن قضية المازوت الإيراني وكيفية توزيعه على أبواب الشتاء، وعن بيعه بفارق مليون ليرة عن سعر السوق، ما حدا ببعض الظرفاء – الخبثاء للتندر بعبارة “من سيربح المليون” نسبة لبرنامج جورج قرداحي الشهير، ربطا للأحداث بعضها ببعض.

الشعب اللبناني المتضرر من هذا الوضع، أن يشرب من بحر ” قزوين ” أو بحر العرب أو ربما بحر المانش

بعد ذلك جاءت زيارة الرئيس ميقاتي للفاتيكان، التي إختلط فيها الشأن الرسمي بالشخصي، نظرا للوفد العائلي الكبير المرافق الذي لفت الأنظار، ومن ثم زيارة رئيس الجمهورية لدولة قطر، وكان اللافت فيها الصورة التي ظهر بها الرئيس في حديثه لقناة “الجزيرة” بخصوص قضية قرداحي والأزمة مع السعودية ودول الخليج، والتي بدا فيها مترددا في إبداء أي رأي بخصوص هذه القضية الحساسة والدقيقة، كذلك قوله بأنه قد يبقى في منصبه، إذا ما طلب منه ذلك المجلس النيابي، في تلميح يكاد يكون تصريحا عن رغبته ربما بتمديد ولايته الرئاسية.

كل هذه التحركات والخطابات، كانت بمثابة حركة بلا بركة، وملهاة للناس ولعب في الوقت الضائع، بإنتظار نتائج محادثات فيينا، التي بدأت على وقع بعض المتغيرات في المنطقة، بدءا بنتائج الإنتخابات العراقية، التي أكدتها مفوضية الإنتخابات بعد إعادة الفرز، والتي لا يزال أنصار إيران يطالبون بإلغائها ويهددون بالتصعيد، وصولا إلى المتغيرات الميدانية في اليمن حيث الكفة تميل في الأيام الأخيرة، كما يبدو لصالح التحالف العربي، عبر تكثيف الضربات الجوية من دون أي رد تقريبا من الحوثي، كما كان يحدث سابقا، ولا زالت مأرب تقف سدا منيعا أمام تقدمه، مع تكبيده خسائر فادحة في الأرواح تحدثت بعض التقارير عن تخطيها ال 15 ألف قتيل في الشهور القليلة الماضية. في هذه الأجواء تأتي إستقالة الوزير قرداحي وما سمي “مبادرة ماكرون” لرأب الصدع مع السعودية ودول الخليج – وما أكثر مبادراته – لتدخل في نفس السياق من التحركات الهادفة، لتمرير الوقت من دون أي أفق جدي لنجاحها قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في محادثات فيينا حيث الحراك الحقيقي، بإستثناء ربما أنها قد ترفع أسهمه قليلا في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، بعد الصفقات التي خرج بها من زيارته للخليج، علها تعوض قليلا مما فاته من صفقة الغواصات الأوسترالية، ليبقى الوضع على ما هو عليه من حيث أن تخصيب اليورانيوم مستمر في إيران، ومحاولة توضيب ملفات المنطقة مستمر في فيينا، والتعطيل مستمر في لبنان بإنتظار أن تهل تباشير “ليالي الأنس” من فيينا ، وعلى الشعب اللبناني المتضرر من هذا الوضع، أن يشرب من بحر ” قزوين ” أو بحر العرب أو ربما بحر المانش، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

السابق
فيديو مؤثر للحظة تحرير مخطوف من الجنوب.. بعد ضرب وتعذيب وحشي!
التالي
«الثنائي» يَسترضي محازبيه بمشاعات الدولة..وتمييز وإجحاف ضد البقاعيين!