حان الوقت لإطلاق المقاومة السلمية!

توفيق الهندي
المنطقة، دولاً وشعوباً وأنظمة ومنظمات، حبلى بالتناقضات العدائية. تعيش حالة من التوازن غير المستقر (position d’équilibre instable) داخل الكيانات على تنوعها، وفيما بينها.

المشاكل التي تعاني منها غالبية هذه الكيانات، هي مشاكل وجودية من الصعب حلها عبر التفاوض والديبلوماسية والتسويات والتفاهمات الآنية المؤقتة، أو من خلال حروب منخفضة الكثافة (low intensity war)، وإن حصلت لن تدوم طويلاً، أي أن المنطقة مقبلة عاجلاً وليس آجلاً على حرب (أو حروب) عنيفة حاسمة لهذه التناقضات.

وفي كلتا الحالتين، إذا حسمت مفاوضات فيينا بالإتفاق أو عدمه، لن تتخلى الجمهورية الإسلامية في إيران عن علة وجودها (تصدير ثورتها إلى العالم)، كما عن جيشها الموكل إليه هذه المهمة (فيلق القدس)، ولا عن جبهتها العريضة (محور المقاومة)، علماً أن المكون الرئيسي للفيلق والمحور هو حزب الله، وقائدهما غير المعلن هو السيد حسن نصر الله. مما يضع لبنان في عين العاصفة، ويلقي الضوء على حالة الإحتقان القصوى في الميادين والمستويات كافة.

وبإستذكار ما حدث مع الإحتلال السوري، لن تنتج الحركة السيادية الإستقلالية السلمية جلاءّ لسوريا من لبنان، إلا عند تغيير ميزان القوى العسكري الإستراتيجي في المنطقة، من خلال الوجود العسكري الأميركي الضخم في العراق، وقرار الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي (القرار 1559) بحسم الوضع في لبنان، أي عند تقاطع المصلحة السيادية اللبنانية مع المصلحة الدولية والإقليمية الإستراتيجية.

تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني لا يؤدي تلقائياً إلى تحريره من الطبقة السياسية المارقة القاتلة

لذا، يجب على أحرار لبنان العمل الجدي، وليس الصوري، على تنشيط الحركة السيادية اللبنانية السلمية، بعيداً عن التمحور حول القيادات الرئيسية الثلاث ل 14 آذار المنتهية الصلاحية، ودون مهاجمتها إلا إذا أخطأت، علماً أنها ساهمت من خلال سياسة التسويات الدونية مع حزب الله، بوصول الوضع في لبنان إلى هذا الدرك.

إقرأ أيضاً: الليرة..أقلّ ما خسره لبنان في أزمته الشاملة!

إن تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني، لا يؤدي تلقائياً إلى تحريره من الطبقة السياسية المارقة القاتلة، كما يعتقد البعض عن حسن نية أو سوء نية. فهذه الطبقة السياسية لها جذورها في البنى السياسية الإجتماعية اللبنانية (مزيج هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية، على حد توصيفها من آخر متصرف للبنان، أوهانيس باشا قيومجيان). وبالتالي، التخلص منها يتطلب العودة إلى إعتماد سياسة شهابية متجددة في التوقيت المناسب بعد التحرير، لإعادة إحياء الدولة وتنظيف مؤسساتها كافة من أوساخها وفسادها، كما يتطلب إطلاق السهام عليها وعدم امتهانها حاضراً، وذلك تحضيراً لمرحلة ما بعد التحرير.

بالمقابل، إن إقتلاع هذه الطبقة أو مكونات منها، أو إضعافها عبر سياسات القضم التدريجي (ولا سيما عبر الإنتخابات)، لن يؤدي إلى تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني ولن يسهم في تحريره، طالما ميزان القوى العسكري-الأمني الإستراتيجي لا يسمح بذلك، لا بل قد يصب في هذه المرحلة في سياق سياسة غربية، تنحو إلى الإتفاق مع إيران وبالتالي مسايرتها، ولا سيما في لبنان، ولو أدت هذه السياسة إلى نتائج عكسية على الغرب، في مرحلة لاحقة وأجبرته على المواجهة مع إيران، ولا سيما المواجهة العسكرية.

تنشيط الحركة السيادية اللبنانية السلمية بعيداً عن التمحور حول القيادات الرئيسية الثلاث ل 14 آذار المنتهية الصلاحية

فإن إعطاء الأولوية لقضية التحرير من الإحتلال الإيراني، يجب أن لا يحول دون التحضير لمرحلة لاحقة عنوانها “التخلص من الطبقة السياسية المارقة القاتلة”، لكي لا يبقى لبنان و اللبنانيين رهينة رعونتها وفسادها ولكي لا تتجدد المأساة، إن تمكنت هذه الطبقة السياسية اللعينة من العودة بالإمساك بالسلطة.

معركة أحرار لبنان مزدوجة، معركة تحرير وتغيير، وإن كانت الأولوية في هذه المرحلة تذهب للتحرير.

السابق
الليرة..أقلّ ما خسره لبنان في أزمته الشاملة!
التالي
«حزب الله» عند «فتح» في «الرشيدية»..أكثر من تعزية؟