حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: العودة الايرانية الى «بيت الطاعة» الأمريكية!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يأت القرار الايراني بتحديد موعد العودة الى مسار فيينا، لاعادة احياء الاتفاق النووي والتفاوض مع مجموعة 4+1، بناء على قناعة ايرانية بعد توفر الشروط المساعدة التي تسمح للنظام باتخاذ هذه الخطوة التي طالما لعب على عامل الوقت في تأجيلها، ومحاولة ابتزاز الاطراف المشاركة الاخرى لتحقيق ما يمكن توظيفه في الداخل، على انه  انتصار سياسي للحكومة الجديدة، ينسجم مع السقوف العالية التي وضعتها للعودة الى طاولة التفاوض. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران واذربيجان تلعنان.. «الشيطان»!

يمكن القول ان القرار الايراني بتحديد موعد التاسع والعشرون من الشهر الجاري (29 نوفمبر) لاستئناف مفاوضات فيينا، جاء بعد القمة الرباعية التي جمعت قيادات الترويكا الاوروبية (المانيا وفرنسا وبريطانيا) مع الرئيس الامريكي جو بايدن في روما، في الطريق الى قمة المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، وهي القمة التي ضيقت مساحات الخلاف بين الاعضاء الاربعة في الاتفاق النووي، وموقفها في التعامل مع الملف النووي الايراني. ما ولد قناعة لدى القيادة الايرانية بصعوبة الاستمرار في اللعب، على هامش التمايز النسبي بين الموقفين الاوروبي والامريكي من مسألة المفاوضات، وما تعتبره طهران حقا مكتسبا في العودة الامريكية الكاملة، الى ما قبل اعلان انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق، والغاء جميع العقوبات التي فرضت ما بعد تاريخ 4 نوفمبر 2018، الذي تزامن مع احتفالات ايران بمناسبة احتلال السفارة الامريكية في طهران عام 1979. 

ولد قناعة لدى القيادة الايرانية بصعوبة الاستمرار في اللعب، على هامش التمايز النسبي بين الموقفين الاوروبي والامريكي من مسألة المفاوضات

الرسالة الامريكية الاوروبية للقيادة الايرانية كانت واضحة في مضمونها، اما العودة الى طاولة التفاوض ووقف عملية التسويف والمماطلة وتضييع الوقت، من خلال اللعب على عامل تحديد موعد العودة، واما ان تواجه موقفا موحدا تصعيديا، يعيد نقل الملف الى مرحلة اكثر تعقيدا، وقد تكون الامور فيه مفتوحة على جميع الاحتمالات، وفي مقدمها حشد اجماع دولي وتفاهم امريكي اوروبي على اعادة الاتفاق الى مجلس الامن، لتفعيل العقوبات الدولية تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة. بالاضافة الى تفعيل العمل بالخطة (B) التي طالما جرى الحديث عن تفاهم حولها في الاشهر الاخيرة بين واشنطن وتل ابيب، والتي قد تتضمن اعطاء ضوء اخضر لعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية، لوقف التقدم الحاصل في عمليات تخصيب اليورانيوم، الذي بلغ مستويات متقدمة تجاوزت نسبة 60  في المئة، واقتربت كثيرا من البعد العسكري. 

الرسالة الامريكية الاوروبية للقيادة الايرانية كانت واضحة في مضمونها اما العودة الى طاولة التفاوض واما ان تواجه موقفا موحدا تصعيديا

طهران التي قررت العودة الى مفاوضات فيينا، اتخذت هذا القرار وهذه الخطوة في وقت بات واضحا، ان الطرف الامريكي لم يقدم لها اي تنازل في اطار المطالب والشروط، التي وضعتها من اجل العودة الى طاولة التفاوض، أي ان الادارة الامريكية التي ابدت رغبتها “العارمة” في اعادة احياء الاتفاق النووي، لم تقدم اي تنازل لطهران من اجل الوصول الى هذا الهدف.

فالرئيس الامريكي جو بايدن الذي رسم الاطار المقبل للمفاوضات وهدفها، في اعادة ضبط الانشطة النووية الايرانية، ووقف المسار التصاعدي لانشطة تخصيب اليورانيوم من اجل فرض امر واقع، يضع ايران على عتبة التحول الى قوة عسكرية نووية، و لم يعط اي ضمانات سبق ان طالبت بها طهران، بعدم العودة الى سياسة الانسحاب من الاتفاق، او سياسة العودة الى فرض عقوبات اقتصادية، مدعوما بموقف واضح من الكونغرس الامريكي، الذي رفض اعطاء مثل هذه الضمانات، في حين لجأت الخزانة الامريكية الى فرض المزيد من العقوبات، على القطاع العامل في تصنيع الطائرات المسيرة الايراني. 

الادارة الامريكية التي ابدت رغبتها “العارمة” في اعادة احياء الاتفاق النووي لم تقدم اي تنازل لطهران

وتحديد موعد العودة لاستئناف المفاوضات، اسقط ايضا الذرائع التي تحدث عنها وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان قبل ايام، عن حالة الانسداد التي وصلت اليها مفاوضات فيينا قبل اربعة اشهر، ولا بد من البحث عن مسار جديد لاعادة احياء التفاوض، وان هذا المسار يبدأ بخطوة امريكية تفرج بموجبها عن مبلغ 10 مليار دولار من الاموال الايرانية المجمدة، ثم انتقل للحديث عن مسار تفاوضي جديد ينطلق من مقر الاتحاد الاوروبي في بروكسل، التي زارها مساعده للشؤون السياسية وكبير المفاوضين الجدد علي باقري كني، واجتمع مع مفوض العلاقات السياسية في الاتحاد الاوروبي، اذ سرعان ما جاء الرد عليه من الحليف المفترض الروسي، على لسان المندوب الدائم في الامم المتحدة ميخائيل اوليانوف، الذي تساءل عن اي انسداد  يتحدث عنه الوزير الايراني؟

العودة الايرانية الى طاولة فيينا جاءت من دون الحصول على اي تعديل في الموقف الامريكي فضلا عن عدم تحقيقها الشرط المسبق بتعهد امريكي بالغاء جميع العقوبات

بالاضافة الى رفض الحلفاء الذرائع الايراني حول النتائج التي انتهت اليها مفاوضات فيينا، وما تم الاتفاق عليه من آليات لرفع جزء من العقوبات، تمسك الطرف الامريكي عبر الترويكا الاوروبية، بالعرض الذي قدمه لكبير المفاوضين السابق عباس عراقتشي، حول العقوبات التي سترفع وحصريتها بعنوان العقوبات النووية، والابقاء على العقوبات المتعلقة بعناوين الارهاب وحقوق الانسان، حتى وان كانت قد فرضت في الادارة السابقة وبعد الانسحاب من الاتفاق النووي. ما يعني ان العودة الايرانية الى طاولة فيينا، جاءت من دون الحصول على اي تعديل في الموقف الامريكي، فضلا عن عدم تحقيقها الشرط المسبق بتعهد امريكي بالغاء جميع العقوبات، والابقاء على هذا الامر والتقدم فيه رهنا بمسار التفاوض والنتائج التي ستنتج عنه، خصوصا وان واشنطن لن تكون على استعداد لتقديم اي تنازل في هذا السياق، ما لم تعد الامور الى طبيعتها ما قبل عام 2018، بما في ذلك العودة الى التفاوض المباشر بين الطرفين، سواء كان في اطار مجموعة 5+1 او في اطار ثنائي، يفتح الطريق امام البحث لاحقا في مختلف الملفات الاخرى غير المطروحة على طاولة فيينا النووية، بما فيها ملفي النفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي. 

السابق
جرعة دعم من الأمم المتحدة للحكومة ميقاتي.. اليكم التفاصيل
التالي
عبدالله بو حبيب… ودبلوماسية الممانعة