عبدالله بو حبيب… ودبلوماسية الممانعة

مكرم رباح

أثناء كتابتي رسالة الماجستير، كنت أقصد في كل صباح منزل معلمي المتفرع من شارع بلس في رأس بيروت حيث أقضي يومي على طاولة الطعام أكتب أطروحتي واستفيد من توجيهاته.

في أحد تلك الصباحات دخلت منزل كمال الصليبي، أحد أبرز المؤرخين العرب، ووجدته غاضباً على غير عادته بسبب مقابلة صباحية لصديقه السفير السابق اللبناني الى واشنطن عبدالله بو حبيب كانت بثت عبر شاشة قناة “المنار” التابعة لـ”حزب الله” وقام خلالها بو حبيب بالدفاع عن النائب آنذاك ميشال عون مستميتاً بالمغالاة في تبرير حلف عون الأقلوي مع “حزب الله” الذي وفق معلمي كان يشكل خطراً على الكيان اللبناني وعلى فكرة لبنان التعددية. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: العودة الايرانية الى «بيت الطاعة» الأمريكية!

غضب الصليبي لم يكن عادياً، بخاصة أن علاقته ببو حبيب ابن بلدة رومية المتنية تعود الى انتساب الأخير لرابطة الطلاب اللبنانيين في الجامعة الأميركية التي أسسها الصليبي وأشرف عليها وتمكن من خلالها، برفقة حفنة من الطلاب الشجعان، من رفع راية السيادة اللبنانية بوجه يسار اعتَبر آنذاك السيادة بدعة ومؤامرة صهيونية هدفهما ضرب المقاومة الفلسطينية. فما كان من الصليبي إلا أن هاتف بو حبيب ووبّخه على كلامه الذمي محذراً إياه من تبعات هذه العقلية المدمرة التي من شأنها تعريض الصليبي كمسيحي عربي لخطر الانقراض، طالباً منه عدم التواصل معه مجدداً. غضبُ معلمي هذا عاد إلى ذاكرتي وأنا أستمع الى وزير الخارجية اللبناني الحالي عبد الله بو حبيب في الدردشة التي جمعته مع الصحافة حول الأزمة الدبلوماسية المستمرة حيث لم يبخل باستكمال ما بدأه زميله وزير الإعلام جورج قرداحي من مواقف مؤذية بحق المصلحة الوطنية اللبنانية.

كلام الوزير بو حبيب خلال الست دقائق التي أصبحت في متناول العامة أكدت صحة الاتهامات الخليجية التي دفعت بالسعودية والامارات والبحرين والكويت إلى سحب سفرائها من لبنان، كما أكدت المؤكد أن لبنان الدولة هو مستعمرة إيرانية يغطيها أناس من أمثال نجيب ميقاتي وجورج قرداحي وبو حبيب. كلام بو حبيب يتجاوز زلّة اللسان بل يؤكد عقلية  قديمة لشخص عمل الى جانب الرئيس الراحل بشير الجميل ثم في إدارة الرئيس السابق أمين الجميل الذي عُيّن سفيراً للبنان في واشنطن في فترة حرجة من تاريخ لبنان قبل أن ينقلب على الدولة ويتمسك بالسفارة اللبنانية في واشنطن تحت ذريعة أن الجنرال عون كان آنذاك الممثل الشرعي في وجه الياس الهراوي الذي “اغتصب السلطة بقوة الاحتلال السوري”.

بو حبيب الذي أخرج بالقوة من أميركا عام 1990، أعاد تكوين حياته السياسية كمحلل يدّعي معرفة العقلية الأميركية في التعاطي مع المنطقة. عبدالله بو حبيب يرى في حلف الأقليات والبندقية الإيرانية وسيلة للوصول الى كرسي بعبدا، لينتهج الدرب السيئ نفسه الذي انتهجه ميشال عون في السابق. تصريحات بو حبيب الأخيرة جعلت من تهريب المخدرات، التي يصنّعها نظام الأسد ويصدرها “حزب الله” عبر المرافئ اللبنانية، خطيئة سعودية، مدّعياً “أن الإدمان على المخدرات وطلبها هما السبب الأساسي في العرض والتهريب … وأنّ تصرف الدول الخليجية مبالغ فيه ويستند إلى تعنّت سعودي غير مبرر” متجاهلاً التضامن الخليجي الواضح.  أما ختام غزوته الكلامية، فكان نكراناً للمساعدات التي قدمتها السعودية ودول الخليج للبنان خلال العقود الماضية زاعماً أن هذه الدول اكتفت بإعطاء الأموال للأحزاب في حين أن الدولة اللبنانية التي يمثلها الدبلوماسي الأرعن تتلقى المساعدات من الاتحاد الأوروبي.

الجحود ونكران الجميل هما من الخطايا الكبرى عند العرب وبو حبيب كما حال جبران باسيل وحسن نصر الله يبغضون مدينة بيروت التي بناها رفيق الحريري من مصادر عدة، لعل القسم الأكبر منها أتى من البلدان العربية الشقيقة. المعضلة الآن لم تعد تكمن في الأزمة الدبلوماسية او تهافت الشتامين على منابر الممانعة، بل هي أعمق من ذلك في وجود حكومة شكلها برنار ايميه لتكون حاضنة لأيتام ميشال سماحة الذين يعرضون خدماتهم كما فعل بو حبيب عندما حض الأميركيين على إرسال 100 ألف من مشاة البحرية لاقتلاع “حزب الله” وهو يتكفل بتقديم الشمبانيا احتفالاً. بو حبيب زعم أيضاً أن لبنان هو جسم مريض وأن امتناع البلدان الخليجية عن المساعدة هو عمل جرمي. لكن الحقيقة هي أن لبنان، أو بالأحرى الطغمة المارقة وعلى رأسها “حزب الله” هي المريضة والمدمنة على الفساد والقتل، وتعتقد أنها تستطيع حرف النظر عن الحقيقة في قضية مَنْ قتل الشعب اللبناني ودَمَّر مدينة بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020.

 أيتام ميشال سماحة الكثيرين مصيرهم  العدالة على غرار مجرمي الحرب كالرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش والمجرم رادوفان كراديتش الذي تخفى لسنوات كطبيب اعشاب. عندها فقط سيحتفل الشعب اللبناني واهالي ضحايا المرفأ بالشمبانيا الباردة او المرطبات و يشربون نخب لبنان المتصالح مع نفسه ومع محيطه العربي.

السابق
حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: العودة الايرانية الى «بيت الطاعة» الأمريكية!
التالي
لبنان مهدد بتوقّف خدمة الإنترنت كلياً.. وبيان لوزير الاتصالات: ماذا قال؟