حرب 6 أكتوبر..عندما «قهر» العرب «الجيش الذي لا يُقهر»!

حرب 6 اكتوبر
قبل 48 عاما وقعت الحرب الوحيدة التي ربحها العرب مع اسرائيل، بعد سلسلة من الهزائم منذ "نكبة" قيام الدولة اليهودية الصهيونية على أرض فلسطين عام 1948 وحتى "نكسة" 1967، التي رسمت نهاية مأساوية لحلم الوحدة العربية، الذي كان يقوده الزعيم المصري جمال عبد الناصر.

الحرب التي اندلعت على جبهتي سيناء في مصر والجولان في سوريا، توقفت على الجبهة السورية في 22 اكتوبر، بعد ان دخل الجيش السوري الى عمق 20 كلم، ثم بدأ يتراجع في اليوم الرابع من المعارك، بعد ان بدأ الهجوم المضاد الاسرائيلي، المدعوم من سلاحه الجوي المتفوّق، على الرغم من سقوط عشرات من تلك الطائرات، بواسطة صواريخ سام السوفياتية الحديثة المضادة للطائرات، ليعود الجيش السوري الى الحدود السابقة قبل الهجوم، في حين ان الانجازات العسكرية الهائلة للحرب كانت على الجبهة المصرية. 

في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام عام 1973 وفي الساعه 2 بعد الظهر، شنّ الجيشان المصري والسوري هجومين متزامنين بشكل منسّق، على سيناء المصرية والجولان السوري، وهي أراض كان احتلها الجيش الاسرائيلي قبل 6 سنوات في حرب 1967.  

النصر تحقق بفضل التصميم السياسي للسادات والعبقرية العسكرية للشاذلي رغم خلافهما لاحقا 

كانت المفاجأة صاعقة، بالنسبة لإسرائيل وللعالم أجمع، وكان الاعتقاد ان هزيمة 1967 هي هزيمة نهائية، كشفت ضعف الجيوش العربية واهترائها، وتخلفها النوعي عن الجيش الاسرائيلي الحديث، المزوّد بأحدث أسلحة غربية متطورة، حتى أصبح لقبه “الجيش الذي لا يُقهر”، في حين ان السلاح الروسي (السوفياتي) الذي كان يستخدمه الجيشان المصري والسوري باتت سمعته سيئة للغاية، وطائرات الميغ أصبحت تسمى “خردة طائرة” في الاعلام الغربي، الذي مجّد طائرات الفانتوم الاميركية والميراج الفرنسية، وهي عماد القوات الجوية الاسرائيلية.  

عبور خط برليف 

خط بارليف الذي تمكن الجيش المصري من عبوره، أنشأته اسرائيل عقب حرب 1967، وهو عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية، كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، وهدفها منع عبور أي قوات مصرية إليها، غير ان رئيس الاركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي كان له رأي آخر، فوضع خطة “المآذن العالية” لتدمير اسطورة خط برليف، وتمكن جنوده من اختراقه بعد 8 ساعات من الهجوم، فلقبته الصحافة العربية والعالمية “بطل العبور”. 

إقرأ أيضاً: الأمن العام يقدم «هدايا» للنظام السوري بتسليمه معارضيه..محامي لبناني يرفع الصوت!

وكذلك نجح الرئيس المصري أنور السادات في خداع اسرائيل، عندما ظهر عالميا بمظهر الضعيف الذي يتحدث عن تحرير سيناء قولا وليس عملا. الجنرال دافيد إليعازار، رئيس اركان الجيش الاسرائيلي اعترف قائلا بعد الحرب: “لم أكن أتخيل أن السادات سيباغتنا”، وذلك في شهادته أمام لجنة التحقيق الإسرائيلية في إخفاقات الحرب المعروفة باسم لجنة “أجرانات”، والتي أفرجت عنها مؤخرا وزارة الدفاع الإسرائيلية بعد مرور أكثر من 39 عاما. وأضاف إليعازار في شهادته التي نشرتها صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أنه لم يكن يتخيل أن الرئيس الراحل أنور السادات، بجيش مصر المتخلف تجهيزا عن جيشه، يمكنه أن يباغت إسرائيل بهجوم مفاجئ! 

حرب اكتوبر مهدت للسلام مع اسرائيل فوقعت مصر معاهدة كمب دايفيد عام 1978 

لقد كان اليعازر مصيبا في رأيه، فالجيش المصري المتخلف نوعاً عن نظيره الاسرائيلي، لا يمكنه بالحسابات العسكرية ان يبادر الى شن حرب ويتقدم دون تفوّق جوّي على الأقل يحمي دباباته على الارض، غير ان التصميم السياسي، على ردّ الاعتبار والكرامة للجيش المصري المهزوم عام 1967 الذي جسّده الرئيس السادات، والعبقرية العسكرية التي جسدها سعد الدين الشاذلي (رغم الخلاف السياسي الكبير الذي نشأ لاحقا بينهما)، اضافة لدخول سلاح روسي فعّال، وهو بطاريات صواريخ ارض-جو سام6 وسام 2، تمكن الجيش المصري من استخدامها بفعالية، بدّل جزءا ولو يسيرا من المعادلة، فأسقطت تلك الصواريخ اكثر من 100 قاذفة ومقاتلة لسلاح الجوّ الاسرائيلي، على الجبهتين المصرية والسورية خلال الحرب، ومنعتها من ضرب الالوية المصرية المتقدمة داخل سيناء، وكذلك منعتها من الاغارة على مواقع الدعم اللوجستي في العمق خلف الجبهة. 

الحرب مهّدت للسلام مع اسرائيل 

غير انه وبعد 10 أيام تمكن الجيش الاسرائيلي  بعد حصوله على دعم اميركي بجسر جوّي سريع عوّضه خسائره، من احداث ثغرة في الدفاعات المصرية واخترقها، وحاصر الجيش الثالث على الضفة الغربية، وذلك دون ان يستطيع اجبار الجيش المصري على الانسحاب من مواقعه التي حررها في عمق سيناء، ليعلن وقف اطلاق نار دولي في 24 اكتوبر، بعد 18 يوما من القتال الشرس، نجح فيها الجيش المصري تكتيكيا في الهجوم ومباغتة العدو وعبور خط برليف، كما نجح في الدفاع عن مواقعه الخلفية في الاسبوع الاخير من الحرب. 

هذا النصر العسكري الذي حرّر فيه المصريون قناة السويس وجزءا من سيناء، استثمره الرئيس الراحل انور السادات من اجل استعادة كامل سيناء سياسيا، عبر توقيع معاهدة سلام  مع اسرائيل، هذه المعاهدة سيكون لها الاثر البالغ في التحولات الاستراتيجية في المنطقة وفي الصراع العربي الاسرائيلي. 

فبعد زيارة السادات الى القدس المحتلة نهاية عام 1977، وبعد أشهر من التفاوض برعاية الولايات المتحدة الأميركية، وافقت مصر وإسرائيل، في مؤتمر كامب ديفيد سبتمبر (أيلول) 1978، على الاقتراح الأميركي بعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق يوم 17 سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، والتوقيع على وثيقة كامب ديفيد في البيت الأبيض يوم 18 سبتمبر (أيلول) 1978. 

وبذلك تكون حرب اكتوبر 1973 التي انتصر فيها العرب دون ان يهزموا اسرائيل هزيمة نهائية، قد مهدت لتوقيع اتفاقية سلام مصرية اسرائيلية اعادت كامل سيناء الى مصر، ولكنها اخرجتها من حلبة الصراع العربي الاسرائيلي لصالح مشروع سلام لم يكتمل بعد. 

السابق
الأمن العام يقدم «هدايا» للنظام السوري بتسليمه معارضيه..محام لبناني يرفع الصوت!
التالي
«حزب الله» «يُطوّق» الأحزاب اليسارية جنوباً..وتقنين البقاع «يُكهرب» المازوت الإيراني!