حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: غوث لبنان بين انتظارين

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يمض وقت طويل على تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حتى تكشفت مجددا حقائق محبطة ومؤسفة:

أولها ان هذه المنظومة السياسية التي تعاني الفشل والفساد والارتهان للخارج، والخاضعة خوفا او طوعا لدويلة حزب الله وإملاءاته كافة، لا تملك اية دينامية مفيدة لشعب لبنان، ولمرافق دولته ومؤسساته الدستورية..

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سنخدمكم بأشفار العيون

فعلى الصعيد الخارجي، ظهر للعلن محدودية الدعم الدولي لهذه الحكومة، وظهرت الشروط المطلوبة منها لمد يد المساعدة لها، وتاليا لتخفيف اعباء الازمة على لبنان وشعبه، وقد اعلنت الشروط الأوروبية واضحة وجلية، بعد زيارة الرئيس ميقاتي للعاصمة الفرنسية وتلخصت بخمسة شروط هي:

• مطالبة لبنان برفع كل انواع الدعم الحكومي عن السلع الاستهلاكية كافة، وتوحيد سعر صرف العملة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، وجعل السوق يحدد سعر التبادل بشكل حر. واذا ما تم الامر حسب المطلوب، فان الأزمة المعيشية لأصحاب الاجور بالليرة اللبنانية ستتفاقم، وسيزداد حجم الاقتطاع الجمركي على السلع المستوردة، كما سترتفع كلفة رسوم الخدمات العامة والخاصة في مختلف المجالات.. (اتصالات، صحة، تعليم، الخ …)، كما ستتوقف البنوك عن سرقة صغار المودعين، بإجبارهم على صرف دولاراتهم باسعار بخسة، لا تساوي السعر المتداول في السوق الحقيقية.
• بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، بحيث يتم تقييم وحصر قيمة الخسائر المالية، والعجوزات في مصرف لبنان والنظام المصرفي اللبناني، وعقد اتفاقية مع صندوق النقد لإدارة الأزمة وتمويل المساعدة الاقتصادية..
وعلى الرغم من أن لبنان الرسمي كان يَعِدُ نفسه بمساعدات مالية، قد تصل الى عشرة مليارات دولار اميركي، الا ان الانباء المسربة عن المحادثات اللبنانية في الخارج، تتحدث عن ارقام قد تبلغ عدة مئات من الملايين، وأن هذه المبالغ سيتم دفعها على اقساط متعددة، يفصل بينها آليات رقابة محاسبية دولية، تختبر وجهة صرفها وجدواها الاقتصادية وأحقية الجهات التي استفادت منها.
• ضبط الحدود الدولية اللبنانية، والمعابر الجمركية والمرفأ والمطار، وتنشيط استيفاء الرسوم عبرها، ومنع التهريب والتجارة غير الشرعية، انطلاقا من لبنان، ووصولا اليه او عبره، وتشديد المراقبة على الحدود الشمالية والشرقية بين لبنان وسورية.
• اجراء اصلاح اداري، يهدف الى تقليص حجم القطاع العام، والتخلي عن ١٥٠ الف موظف، يستنزفون المالية العامة، ويشكلون جيشا من المحاسيب في ادارة متضخمة وغير منتجة وغير كفوءة، وهو اجراء تعتبره المنظومة السياسية فعل انتحار سياسي، قبل اشهر من الانتخابات النيابية القادمة..
• حل مشكلة الكهرباء، واول اجراءات في هذا المجال تعيين الهيئة الناظمة، والاستفادة من الفيول العراقي والغاز المصري والكهرباء الاردنية، كإجراءات انتقالية ومؤقتة، تسبق بناء معامل جديدة ورفع تعرفة الكهرباء ورسوم استهلاكها. وقد اتى ترحيل البواخر التركية، كإشارة لانتهاء مرحلة كهربائية مضت، وعلامة على بداية مرحلة اخرى.

ترافقت المطالب الفرنسية مع خطوتين معبرتين، الأولى اعلان البدء بتطبيق اجراءات عقابية، بمنع السفر عن شخصيات لبنانية مقربة من الرئيسين عون والحريري والخطوة الثانية فهو قيام ماكرون دون إن ينجح بمحاولة استعادة الدعم السعودي للاقتصاد اللبناني

وقد ترافقت المطالب الفرنسية مع خطوتين معبرتين، الأولى اعلان البدء بتطبيق اجراءات عقابية، بمنع السفر عن شخصيات لبنانية مقربة من الرئيسين ميشال عون و سعد الحريري، واما الخطوة الثانية فهو قيام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، دون إن ينجح، بمحاولة استعادة الدعم السعودي للاقتصاد اللبناني، هذا الدعم الذي يعتبر معبرا اجباريا لا غنى عنه، لكي تتعاطى دول الخليج، ايجابا مع طلب المساعدة للبنان واقتصاده.

اما الرسائل الدولية الاخرى التي تناقلتها الاوساط الديبلوماسية، فتشدد على ان أمر اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، تتخذ صفة الالزام والمتابعة، كما تحتل متابعة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، اولوية غربية هامة واساسية، وقد عبر عن ذلك بيان لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي، الذي استنكر التهديدات التي اطلقها مسؤول حزب الله الحاج وفيق صفا، داخل قصر العدل اللبناني وفي كنف ارفع مراتب قضاته، وهو تهديد واجهته الحكومة واجهزتها، وكل اطراف المنظومة، من رئيس الجمهورية، الى اصغر مباشر في محكمة بداية، بصمت القبور، وبُكْمِ المذعور او لدغة مقطوع اللسان…

تحتل متابعة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، اولوية غربية هامة واساسية

أما على الصعيد العربي، فثمة اتجاهان متمايزان، قد يتكاملان ولا يتناقضان؛ الاول مصري اردني عراقي يتبنى انشاء آليات اغاثة ومساعدة، لكي لا يتردى الوضع اللبناني وينهار بشكل كارثي، لذلك كانت مبادرة ملك الاردن مع الادارة الاميركية، لتخفيف اجراءات قانون قيصر الاميركي على لبنان، و وكانت المساعدة المصرية بتزويد لبنان بالغاز، من اجل انتاج الكهرباء بسعر اقل من سعر استعمال المازوت او الفيول، وكانت المبادرة العراقية بتزويد لبنان بزيت نفط يستوفى ثمنه بالليرة اللبنانية..

ويتكامل الجهد الاغاثي هذا، مع مبادرات اخرى سعت لإمداد الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية، ببعض حاجاتها الضرورية التي تمنع انهيارها وشرذمتها، كما يتكامل مع مساعدات طالت بعض مؤسسات التعليم الخاصة والجامعية، وبعض المستشفيات الخاصة، على الرغم من اهمية هذه المبادرات واتساع ميادينها، فإنها بقيت تحت سقف الإغاثة الانسانية او النجدة الطارئة، دون ان تندرج باي خطة، لإستعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي للخروج من الازمة.

موقف السعودية ومن خلفها دول مجلس التعاون في الخليج العربي هو موقف ينطلق من ضرورة خلق تمايز بين دويلة حزب الله والدولة اللبنانية

أما الاتجاه الثاني فهو يتجلى بموقف المملكة العربية السعودية، ومن خلفها دول مجلس التعاون في الخليج العربي، وهو موقف ينطلق من ضرورة خلق تمايز ورسم خط فاصل، بين دويلة حزب الله والدولة اللبنانية، ويتم اختبار هذا التمايز والفصل، في تركيبة الحكومة وسياساتها وخياراتها الداخلية والخارجية، والا فإنَّ المملكة غير معنية بمساعدة حكومة ومنظومة، يقودها حزب الله ويتحكم بقراراتها ومواردها ويملي عليها سياساتها..

في خضم هذه المواقف والالتباسات، تستمر ايران وحزب الله في استعراض هيمنتها على لبنان، وفي تأكيد سيطرتها على مفاصل الدولة في كل المؤسسات والملفات، من ادخال النفط الايراني، الى تهديد المحقق العدلي، الى اعلان بداية تنظيف الدولة اللبنانية من الوجود الاميركي، وهو تهديد يطال جيش لبنان وبعض من اجهزة امنية، لا تخضع لسطوة حزب الله واملاءاته.

سقف الحراك الحكومي المتاح في الظروف الراهنة، لن يتعدى حدود مبادرات اغاثية

وتظهر محصلة المواقف اعلاه، ان سقف الحراك الحكومي المتاح في الظروف الراهنة، لن يتعدى حدود مبادرات اغاثية وخطوات ترقيعية، تخفف من سرعة الانحدار نحو الهاوية ومن هول الارتطام والتبعثر.

ويبقى الوضع اللبناني معلقا بين انتظارين؛ الانتظار الاول هو حسم مفاوضات فيينا، حول الملف النووي الايراني بين دول الغرب وايران، أما الانتظار الثاني فهو الانتخابات النيابية اللبنانية القادمة، التي ستحسم الجواب على سؤال لبناني مفصلي : هل ستستطيع المنظومة السياسية الفاسدة اعادة انتاج شرعيتها وسطوتها، ام ستستطيع قوى ١٧ تشرين تأسيس نصاب سياسي، يفتح افق التغيير والاصطلاح بمختلف مضامينه الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية والمالية؟!

السابق
ما هي متلازمة ستندال..وهل يمكن علاجها؟
التالي
بعدسة «جنوبية».. غضب أمام «المركزي»: دولة للبيع بداعي تسديد الديون!