نجل الشهيد محمد شطح يروي معاناته في تحقيق العدالة لوالده بوجود «حزب الله».. هكذا تموت التحقيقات مع الضحايا!

كتب نجل الوزير السابق محمد شطح، روني شطح مقالاً في موقع "now lebanon" يتحدث فيه كيف تمّ ردّ أي تحقيق جدّي باغتيال والده بوعود فارغة. وقد ترجم موقع "جنوبية" المقال، وهذه ترجتمه الحرفية

لا داعي للثقة في التحقيقات المحلية في الجرائم السياسية في لبنان. والسبب البسيط هو: حزب الله!

أجل، هناك العديد من الأفراد البغيضين الذين يمثلون الطبقة السياسية الخاملة والفاسدة والبلطجية في كثير من الأحيان. أكثرهم أفضل حالا في إدارة إقطاعيات الحرب الأهلية عوضا عن التطلعات الوطنية أو الحكم الرشيد. لا يحمل ضعفهم أي انعكاس على مجتمعنا أو طائفيّتنا. كفى جلد الذات وإلقاء اللّوم على طبيعتنا الطائفية.

لا يمكننا التخلّص من هؤلاء القادة الجلّادين بسبب تهديد حقيقي باستخدام العنف. المدافع عن واقع العنف الذي نعيش فيه هي ميليشيا ترهب خصومها بالتهديدات الشخصية الضاغطة، وتغتال من لا يرضخ لسياستها، وتخضع كل ما تبقى من الدولة اللبنانية لمصالحها الأمنية التي تخدم النظام السوري والنفوذ العسكري الإيراني، ويعتبر أي تحقيق جاد في سبب ابقاء أكثر من 2700 طن من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت مؤامرة أمريكية تخدم أجندة صهيونية. ميليشيا كهذه لن تستسلم أبدًا.

المدافع عن واقع العنف الذي نعيش فيه هي ميليشيا ترهب خصومها بالتهديدات الشخصية الضاغطة وتغتال من لا يرضخ لسياستها

لن يخضعوا لقضاة محليين يشككون ولو بحذر بما يوجد على ضفاف هذا النظام أو لمواطنين بدأوا يدركون بشكل متزايد أن هذه المجموعة قد أخذت لبنان نحو الجحيم. وضمن هؤلاء المواطنين، العديد مما انتظروا، بمن فيهم نفسي، لسنوات عديدة لخطوة واحدة ولو صغيرة في الاتجاه الصحيح.

اسمحوا لي بالتحدّث عن هذا الأمر بطريقة شخصية. يوم 27 من كل شهر هو التاريخ الذي يراودني. لقد استيقظت 94 مرة على هذا التاريخ منذ مقتل والدي في 27 ديسمبر 2013. توقف التحقيق في انفجار المرفأ الذي كان على عقب فصل طارق بيطار في ال27 من الشهر، مما جعله جرحًا شخصيًا لي أكثر إيلاما من المعتاد. لكن هذا البلد عبارة عن أرض مليئة بمواقع اغتيال، ولسبب ما أعادني بالذاكرة لتلك المحادثات القديمة.

إقرأ أيضاً: نديم قطيش: كلما سمعت نصر الله أتأكد لماذا قتلوا محمد شطح

في الأيام التي أعقبت تفجير السيارة المفخخة التي أودت بحياة والدي أمام ستاركو في وسط بيروت في الساعة 9:40 صباحًا، قمت بزيارات متعددة. جلست مع رئيس الوزراء الحالي (آنذاك) في مكتبه المنسوج بالتاريخ العثماني في السراي الكبير. وأكد لي أنه سيتم العثور على القتلة في غضون أسبوع. وكانت ثقته مرحة. أخبرته أنني أعلم أنه يعلم أن ذلك لن يحدث. أخبرني أن شعوري صحيح، وأن  شكوكي مستحقّة أيضا، ولدي كل الأسباب للشك في نواياه. لكن إذا أعطيته أسبوعًا واحدًا فقط، فسوف يقدم إجابات. سألته بشكل واضح عما إذا كان هذا يشمل أيضًا حزب الله. كرر: “أسبوع واحد!”.

بعد مرور 90 اسبوعا: لا جواب!

توجهت إلى بعبدا للتحدث إلى قائد سابق في الجيش وهو في طريقه للخروج. لم يقدم الرئيس آنذاك، الذي كان نتاج وحدة وطنية قسرية، أي وعود. اتجهنا إلى نوافذ مكتبه في القصر، مطلّين على مساحاتٍ خضراء استنزف مثلها الكثير من بيروت وبعبدا. سألته عن سبب عدم قدرته على توجيه أصابع الاتهام إلى أولئك الذين يدرك مسؤوليتهم. لم يعطِ إجابة، وعوضا عن ذلك، رد بكلمات لطيفة وذكريات عن العمل مع والدي. لقد ضغطت عليه بأنه إذا احترم إعلان بعبدا الذي ترأسه، والذي ساعد والدي في إحيائه – حتى لو وقع حزب الله وتجاهله – فسيكون لديه الشجاعة لقول الحقيقة في وجه سلطة غير مكتسبة.

فجلس صامتا.

واصلت مسيرتي الشخصية (بمعرفتي الضئيلة) بحثًا عن من له سلطة واستعداد لإدانة القتلة الذين أحرقوا جسد والدي إلى حتّى السواد، وجرحوا وقتلوا العديد من المارة أثناء تنقلهم عبر وسط البلد، وسلبوا لبنان مواطنا فخورا دبلوماسيًا مصمم على إنهاء هذا الكابوس الجيوسياسي في لبنان.

تلقيت مكالمة قصيرة مع الذي كان آن ذاك في المنفى الاختياري، والذي لم يكن عاد بعد، والذي تحول إلى رئيس وزراء سابق مستقيل. فقد كان، لسنوات عديدة ربّ عمل والدي. كان الحديث صريحًا: لن ينام حتى يتم تقديم هؤلاء القتلة إلى العدالة.

عندما عاد رئيس الوزراء السابق ثلاث مرات لجولته الرابعة، أصرّيت على مقابلته. فقد التقيت به مرتين من قبل، لفترة وجيزة، في واشنطن العاصمة لأول مرة عام 2005، في الأشهر التي عقبت اغتيال والده. ذهبت عندها لتقديم التعازي ومتمنيا له التوفيق – ربما استمرت تلك المقابلة دقيقة واحدة. مرة أخرى، بعد عشر سنوات، ولمدة أقل من دقيقة، ارتطمت به في بهو فندق بعد وقت قصير من وصوله. كان محرومًا من النوم آنها  فلم يتكلم – رحبت به مع تمنياتي فقط.

كان اللقاء الثالث في مطعم في وسط المدينة في أوائل عام 2017، ليس ببعيد عن ستاركو. كنت قد دعيت لتناول الغداء مع عدد من مستشاريه ووزير الداخلية آنذاك. نفس الرجل الذي قدم دعوة إقالة بيطارالآن.

كانت المحادثة التي دارت على الطاولة محدودة بالسياسة المحلية (وفي رأيي سطحية)، فبحثت لمدة دقيقة وسألته ، أي رئيس الوزراء آنذاك، عن سبب عدم وجود أي تقدم في اغتيال والدي. تمكنت من ايصال سؤال واحد: “هل لديكم أي معلومات عن قاتليه؟” فقال: نعرف من فعلها وعندما يخرجون من مخبئهم سنعتقلهم. أفترضت في وقت لاحق أنني علمت أنه لن يكون لديه أي شيء آخر ليقوله. فكيف ستكون إجابته مختلفة عن أي شخصية أخرى خدمت في ظل سيطرة حزب الله على الدولة؟ لقد كان قد أساء بالفعل إلى مبادئ 14 آذار لدرجة أنه كان رئيس الوزراء المفضل للميليشيا. قلت له إنني لم أصدقه، وكانت تلك آخر مرة رأيته فيها.

بعد عامين ونيف من الزمن، وبعد أن تخليت منذ فترة طويلة عن أي توقعات من المحاكم المحلية أو اية جهود لإنهاء الإفلات من العقاب، كنت جالسًا بمحض الصدفة بالقرب من وزير الداخلية السابق آنذاك. في وسط المدينة مرة أخرى، في باحة الفندق، مع مجموعة مختلفة تمامًا ومحادثات من كون آخر.

رأيته ينهض ليغادر. أتاني فيضان ذكريات كل خطئ حدث بعد 27 ديسمبر 2013. أردت، لمرة أخرى، أن أطرح عليه نفس السؤال. تمكنت من الوصول إلى المخرج قبل وصول حاشيته، وبينما كانوا على وشك إبعادي، استخدمت اسم عائلتي، وأصررت على الحصول على كلمة. تعرف علي الوزير السابق وأمر أمنه بالسماح لي بالاقتراب.

“كنت وزيرا للداخلية لأكثر من أربع سنوات. أعلم أنه لم تعجبك سياسة والدي، وأنا أعلم أنه لم تعجبه سياستك أيضا. ولكن بعيدًا عن الأمور الشخصية، فهذه مسألة مبدأ. أنت لم تحرك ساكنا للتحقيق في من قتله. لم يكن هناك استجواب ولا اعتقال ولا عدالة على الإطلاق لأحبائه. لو كان هناك أي جهد بُذل، لكنت أحييك بفخر وعلانية. لكنني أعلم دون أن تقول لي: لم يكن هناك اية تحقيق “.

التحقيقات التي تقترب من حزب الله تمرّ مرور الكرام

على عكس الآخرين ، كان رده صريحًا إلى حد ما: “لقد كان قرارًا سياسيًا بعدم متابعة هذه الأسئلة. الوضع في هذا البلد لا يعمل لصالح رجال مثل والدك. وبغض النظر عن ذلك، فقد كان الأمر خارجاً عن إرادتي “.

كان صريحا، ولكن الى حدّ ما. اذ بدا بعد تبليغ قضية الفصل ضد قاضٍ أكثر تواضعًا وصدقًا في 27 سبتمبر، بدا الأمر ضمن إرادته.

فقد أراد على التأكد من أن التحقيقات التي تقترب من حزب الله تمرّ مرور الكرام. وذلك انضماما إلى الآخرين الذين يحمون الميليشيات مقابل بقائهم في المناصب السياسية. بدأ بيطار في الضغط من أجل الحصول على إجابات، فقاموا بتهديده مباشرًا قبل تعليق تحقيقه.

في النهاية، من الأجدر طرح هذه الأسئلة لحزب الله مباشرةً. لكن في بلد تشير أصابع الاتهام عليهم، تموت التحقيقات مع الضحايا.

السابق
خاص «جنوبية»: ملف «نيترات البقاع» الى قاضي التحقيق.. مع اربعة موقوفين
التالي
لماذا لا يريد «حسبالله» اتهام اسرائيل بتفجير المرفأ وماذا سيترتب عليه من نتائج لو كُشِفَت الحقيقة؟