المخرج الجنوبي برهان علوية يترجل عن «عدسته».. قال «كفى» ومشى!

المخرج الجنوبي برهان علوية

بغياب السينمائي اللبناني، ابن الجنوب ابن بلدة ارنون وقلعة الشقيف برهان علوية، تخسر العين والعيون والأنفاس، مذاق التحولات التي تدعك جسد الحياة والانسان والوطن.
لا يمكن القفز فوق وعي المكان الذي شغله الراحل، فقد شارك في تأسيس الحركة السينمائية الجديدة بعد الحرب، وبوصلته فلسطين والعروبة.

إقرأ أيضاً: عبد الحسين شعبان يكتب لـ«جنوبية»: هل انتهى العصر الأميركي «الذهبي» لمكافحة الإرهاب الدولي؟


المخرج السينمائي الجنوبي اللبناني برهان علوية أنجز في عام 2007 فيلمه “خلص”، الذي قال فيه “كفى”، لكل عذاب يتقدم الى الجسد العليل، وبدا من خلال هذا العنوان كأنه يقول وداعاً، وكان هذا الفيلم آخر أعماله، وآخر رسالة يوجهها إلى جمهوره اللبناني بخاصة، حول الحرب اللبنانية وتناقضاتها، بعدما شعر أن لبنان مقدم على مرحلة مجهولة.
استتر وتوارى برهان علوية عن الإعلام شيئاً فشيئاً، ثم بدا كأنه اختار الصمت أو العيش في مدينة بروكسل، ليس بصفتها منفى أو ملجأ، بل كمدينة فتحت له أبوابها، ووفرت له العلاج بعدما تدهورت صحته وبدأ يغزوه مرض ألزهايمر.

المخرج الجنوبي برهان علوية


 وسرعان ما تواترت اللحظات والامها مُعلنةً خبرها الحزين، الذي يرفع منسوب التعب في العيون، خبر يفيد أن برهان علوية فارق الحياة في العاصمة البلجيكية بروكسل، إثر حادث مفاجئ في القلب.
غاب علوية بعدما عاش ثمانين سنة، وترك تسعة أفلام بين وثائقية وروائية، شارك خلالها مع رفاق ينتمون إلى جيله، في تأسيس السينما اللبنانية الجديدة التي انطلقت مع الحرب الأهلية، ومنهم الراحلان مارون بغدادي ورندة الشهال وسواهما.
برهان علوية ابن الجنوب اللبناني، ولِد في بلدة أرنون عام 1941، تلقى دروسه الأولى في بلدة عين الرمانة التي شهدت انطلاقة شرارة الحرب الأهلية عام 1975. عمل مصوّراً مساعداً في تلفزيون لبنان. ثم درس في الجامعة اللبنانية العلوم السياسية، وبعدها اتجه في رحلة إلى مصر، ثم إلى الكونغو والسودان، وعاد إلى بيروت عام 1967، ليغادر من ثم إلى باريس بعد وقوع حرب “الأيام الستة” أو ما يعرف بـ”نكسة حزيران”.
في عام 1973 أخرج فيلماً قصيراً بعنوان “ملصق ضد ملصق”، وقدم فيلماً آخر بعنوان “فوريار” في بروكسل، بعد التحاقه بـ”المعهد الوطني العالي لفنون العرض وتقنيات البث”. أما فيلمه اللافت والمهم الأول الذي كان بمثابة تحفة أولى فأنجزه عام 1975 بعنوان “كفر قاسم” الذي عرف نجاحاً كبيراً ورسخ اسمه في السينما الجديدة. يدور الفيلم في عام 1956 عشية الهجوم الإسرائيلي على مصر، مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي، حظر تجوّل في المناطق العربية في فلسطين المحتلة، من دون سابق إنذار للسكان. يفاجأ أهالي “كفر قاسم” لدى عودتهم من أعمالهم، بحصار ضربه حولهم الاحتلال الإسرائيلي، الذي ارتكب لاحقاً ما يُعرف تاريخياً بمجزرة “كفر قاسم”.
أبحر علوية عميقاً في الزمن العربي الغارب ، فبعد “كفر قاسم” أنجز فيلماً وثائقياً هو “لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء”(1978)، وهو ثمرة زيارة علوية إلى مصر في نهاية السبعينيات، حيث التقى المعماري الشهير حسن فتحي، وصوّر جولة في العوالم المعمارية المتنوعة في البلد، مركزاً على ما يعرف بـ”عمارة الفقراء” ومظاهرها الاقتصادية والاجتماعية.
وأعقبه فيلم “بيروت اللقاء (1981) الذي يدور حول الحرب الأهلية وانقسام بيروت إلى منطقتين شرقية وغربية، وقد كتب السيناريو والقصة الكاتب أحمد بيضون. هذا الفيلم يعد من أهم الأفلام التي تناولت قضية الحرب من وجهة نظر موضوعية، لا تخلو من الالتزام الوطني والروح العلمانية المناهضة للطائفية. ثم تتالت أفلام أخرى: “رسالة من زمن الحرب” (1984)، و”رسالة من زمن المنفى” (1987)، و”أسوان والسد العالي” (1990) و”خلص” (2006).

المخرج الجنوبي برهان علوية

اختير برهان علوية عضواً في لجان مهرجانات “قرطاج”، و”كازابلانكا”، و”بروكسل” وغيرها. وعمل أستاذاً محاضراً في “الجامعة اليسوعية”. التزم علوية خط اليسار والعروبة وقضية فلسطين، وكان يردد دائماً “العروبة وعبد الناصر صنعا وعينا، وفلسطين هي التي أدخلتني إلى السينما”.
 غادرنا برهان، وترك للأحياء منا البراهين الكثيرة على الأمل والأحلام الكبيرة.
برهان علوية ابن بلدة أرنون الجنوبية، الذي وثق في أفلامه الروائية، شكلاً ومضموناً ، صورة المجتمع الإنساني في لبنان والعالم العربي، في تجلياته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأغنى السينما بتجربة مميزة وفريدة، طرح من خلالها إشكاليات الحياة ومقاساتها الضيقة والواسعة.
نفتقده في لحظة غيابه أكثر وأكثر، ونسمع همس عذاباته التي تحشد عذاب الوطن وناسه. لا نبكي ونندب على غيابه بقدر ما نصرخ معه ، كفى يا زمن الانكسار، كفى كل هذا الهوان.

السابق
عن السلطة الفارة من وجه عدالة.. المرفأ!
التالي
البراكس لـ«جنوبية»: عودة الطوابير مرهونة بهذا الإجراء!