الحكومة.. «المحكومة»!

جلسة حكومة ميقاتي في بعبدا

هذا ما تضمنه الاتصال بين الرئيس الفرنسي ماكرون والإيراني رئيسي من خيرات:
حكومة يرأسها نجيب ميقاتي، الذي يبدو انه سيكون نجمها منفردا، بعد تلك السلسلة من التصريحات المستهجنة في مضمونها وتوقيتها، لوزراء أعضاء في حكومة وُصفت من قبل ان تتشكل بالانقاذية، وحاملة المفاتيح والساعية  لوقف الانهيار،  ووضع لبنان على السكة الصحيحة، وما ان سمعنا مضمون كلامهم حتى تبادر الى اذهاننا، السؤال الذي ما فتئ يغادرنا البتة: هل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟. ليس في هذا التساؤل من تعييب على الحكومة ولا على وزرائها، فنحن “ننفخ على اللبن لأن الحليب كاوينا”. فمن قرر اذا كان الوزير قد نجح في القطاع الخاص، او اي مهنة يقوم بها، يمكنه تكرار ذلك في الادارة العامة، ونحن نعرف انه ليس لدينا رجال اعمال يمكن ان يعول عليهم ،فهؤلاء يهربون من السياسة كما تهرب الوطاويط من النور.

اقرأ أيضاً: ميقاتي «يَتنصل» من إنتهاك الصهاريج للسيادة..والمؤامرة مستمرة: لا دعم ولا بنزين!

إن هذه الحكومة قد تشكلت بفعل تأثير الخارج، وكما هو معلوم هناك نقيصتان تتحكمان بحياتنا السياسية: الطائفية والتدخل الخارجي، وهذا ما انتج حكومة بعد اشهر عجاف، تحول معها لبنان الى بلد مصدر للتفاؤل لكثرة ما اتحفنا به البعض، فجاءت الحكومة على استحياء، وفعليا جاءت انعكاسا لحاجتين تستجيبان لبعضهما البعض، حاجة فرنسية تخفي خلفها، عجزها وهزالها، وحاجة ايران لدور فرنسي مهجوس بتحقيق المصالح، مع ادراكه لضعف تاثيره في المنطقة عموما ولبنان خصوصا، فركب حصان الوصاية الإيرانية على لبنان، التي هي بحاجة لدور فرنسا المتمتعة بحق الفيتو في مجلس الامن. إنها لعبة المصالح المتبادلة بين طرفين مأزومين، جعلا من تشكيل حكومة لبنان مكسبا مشتركا، وفاتحة خير لتعاون في غير محل وغير مناسبة.

يمكن القول أن دور الحكومة غير واضح المعالم الى الان، وان كان حاكمها معلوما. والدور هنا يشير الى ما يمكن ان تفعله في المستقبل القريب قبل البعيد، وما يمكن ان تبرزه من إمكانيات ليس تجاه الداخل اللبناني، بل تجاه الخارج وتحديدا الخارج العربي، الذي يعرف هذه الحكومة على انها حكومة “حزب الله” الذي يملك وحليفه المباشر التيار الوطني الحر اكثر من ثلثي أعضائها، فحزب الله الذي استثمر في التيار العوني، سوف لن يتركه وحيدا يواجه الاخرين في الحكومة، حتى ولو كان باقي الحلفاء الذي يعول على عقلانيتهم في مقابل عدم الرشد السياسي، الذي يبديه جبران باسيل وتياره، الذي يعد من التجارب السياسية الفاشلة، التي ارهقت كاهلنا بادائها المتهور والمزعج. ومن غير ادنى شك حزب الله، قادر على تحمل لجوجية العونيين وتطلبهم الزائد، في استعجال تحقيق المغانم، حتى ولو قبل اوانها، طالما هو قادر على ضبط انزعاج حلفائه من الدلع الباسيلي على حساب باقي الحلفاء. اما خصوم الحزب الإلهي فهم غير قادرين راهنا، على إدارة اجتماع تنسيقي بينهم، فما بالك بوضع خطة مواجهة جدية وفعالة.

في اداء هذه الحكومة قد تضيق قاعدة الحكم، في ظل التخلي الدولي والعربي عن لبنان، المقصود المعنى السياسي للتخلي، حيث كل مساعدة اقتصادية، ستصب في خانة القوة المهيمنة على القرار اللبناني، طالما القرار السياسي سيكون من خارج المؤسسات الدستورية، وكلما ضاقت قاعدة الحكم سقط لبنان اكثر واكثر، في غموض التساؤل عمن هو الحاكم الفعلي للبنان، خصوصا في وجود قوة داخلية مهيمنة اخذت على عاتقها،  ليس ضبط صراع المصالح بين حلفائها فحسب، بل الحلول الفعلي محل السلطات الدستورية، المنوط بها انتاج سياسات عامة ووضع الحلول، فقامت باستيراد النفط، متجاوزة الأصول القانونية في ذلك. فبقدر ما احتكرت دور المقاومة، قامت تعسفيا بفرض مشاركة الدولة في صياغة الحلول، انما من خارج المؤسسات واصولها الادارية.

من المرجح وللانصاف، ان يقوم الرئيس ميقاتي بجهد نوعي خاص، منطلقا من أسبابه الشخصية للقول، انني نجحت في تشكيل الحكومة في اقل وقت ممكن، وسأبني على هذا النجاح الانفتاح على الاشقاء العرب الذين يرتابون، وعن حق، بمن هو الحاكم الفعلي لحكومته، التي تبرز فيها بصمات الوصاية الإيرانية. فهم قد تعلموا من التجارب، ان فترة السماح شيء وفترة التنفيذ شيء اخر، ففي فترة السماح، قد تكون أبواب العرب مفتوحة، فهم قوم مضياف ولا يغلقون أبواب الزيارات لمن شاء، اما عند الحديث عن السياسة، فعلى الرئيس ميقاتي ان يقنعهم بالممارسة لا بالقول، ان مصلحة لبنان هي مصلحة عربية، وهذه المصلحة ستمنع من ان يتحول لبنان الى منصة شتم وتحريض ضدهم، وان تنفيذ الإصلاحات يجب ان يكون فعل اقتناع، لا تحسين شروط بعض القوى داخل الحكومة. فهل سيستطيع الرئيس الميقاتي اقناع العرب بقدرته على تحقيق مصالح لبنان العليا، ويزف لنا خبر عودة لبنان فعليا للحضن العربي. مهمتك يا دولة الرئيس ليست سهلة، وان صدقت النوايا وخلصت الارادة.

  ومن جهتنا نتساءل :كيف لك ذلك وقد بات تشكيل الحكومة في لبنان أداة من ادوات السياسة الخارجية الإيرانية؟.. 

السابق
« لبنان مفلس والأزمة وجودية».. هذا علقت بلومبرغ على تشكيل الحكومة الجديدة!
التالي
بعدسة «جنوبية»: فوضى«السرفيس» والتسعير.. «بدنا نعيش»!