رحيل المؤسس الأخير قبل سيطرة «حزب الله» على المجلس الشيعي

عبد الامير قبلان

غياب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان يمثل خاتمة غياب الفريق المؤسس للمجلس. وهم الى قبلان، الامام موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين. ومع رحيل المؤسسين ثمة سؤال كبير: أين هو المجلس اليوم؟ “النهار” ذهبت بهذا السؤال الى عضو المجلس المنتخب للمرة الأولى والأخيرة في منتصف سبعينيات القرن الماضي النائب والوزير السابق محسن دلول.

اقرأ أيضاً: الشيخ محمد علي الحاج ينتقد تحكّم «الثنائي» بالمجلس الشيعي ويقول: هل يصلح غياب قبلان ما أفسده الدهر؟!

 السؤال الأول الى الأستاذ دلول :” هل لديّك ما تستعيده اليوم عن علاقتك بالشيخ قبلان:”كان الشيخ قبلان رحمه الله المفتي الجعفري الممتاز ونائبا لرئيس المجلس الشيعي الأعلى، وأنا كنت عضوا في المجلس. كنّا نلتقي كل أسبوع وكانت له سجيّة هائلة ويتكلم بعفوية وليس عنده حقد او كراهية ولم يكن يكره أحدا. وفي الوقت نفسه، كان صريحا واضحا .لم أحسّ يوما ان لديّه شيء من الباطنية أو الخبث . كان هناك تعدد آراء في المجلس الشيعي ،لكنه حاول أن يجمع .عندما كان السيد موسى الصدر وكان الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائبا للرئيس رحمه الله، كان الشيخ قبلان مع الشيخ شمس الدين يعملان على تسهيل مهمة السيد موسى .مثلا كنّا نحن 6 أعضاء من لائحة واحدة ونسمّى الديموقراطيون الشيعة أو يسار الشيعة. وكان الشيخان شمس الدين وقبلان يلتقيان معنا الى درجة ان الشيخ شمس الدين عرف أننا نلتقي مرّة كل أسبوع  قبل جلسة المجلس الشيعي، فأنضم الينا بشكل عفوي وتلقائي وجلس معنا .وعرفت لاحقا أنه نسّق الامر مع الشيخ قبلان، فقد حصل إشكال كبير عندما أنتخبنا لإن الأكثرية لم تعد مع السيّد الصدر بوجود النواب السابقين والوزراء .

كما كان هناك تكتّل ضدّ السيد موسى من بينهم السياسيون مثل الرئيسان كامل الاسعد وصبري حمادة .كما وقف ضده عدد من رجال الدين. وعندما جاء الوقت لإنتخاب الرئيس وأعضاء الهيئة الإدارية لم ندع لإن الدعوة ـتأتي من الرئيس الحالي أي السيد موسى. وأستمر ذلك لفترة ما أثار القلق فذهبت أنا واحد الأعضاء وكان مدير المناقصات في الدولة سرحان سرحان (أبو علي) منتدبيّن من مجموعتنا الى السيد موسى الذي صارحنا :أنا ليس لديّ أكثرية. ,إذا جرت اليوم انتخابات فستأتي هيئة إدارية ضدي. أجرينا معا بوانتاج وقلنا إننا معه  وذلك بتأثير خفي من الشيخ شمس الدين والشيخ قبلان اللين كانا يراسلاننا ويجلسان معنا وكان همهما الأكبر ان المجلس ينتعش بالتنوّع الذي فيه وأنطلقوا من مقولة للسيد موسى بعد إعلان النتائج فورا والتي وصفت بإنها “قنابل ذريّة” .فقد قال السيد الصدد: أشكرالله انه أتاح لنا أن يكون لديّنا في المجلس إطلالات على نوافذ عدة على القوى الحيّة في البلد .

الصدر وفرنجية

قامت بيننا وبين السيد موسى علاقة وثيقة وكان يبوح امامنا باسرار وهواجس تنتابه ثم صار خلاف بينه وبين رئيس الجمهورية سليمان فرنجية. وأخبرني بما قال له الرئيس فرنجية: أنت إلتزم المساجد واترك السياسة لكامل (الاسعد) وصبري(حمادة.)

كانت تربطني بالسيد موسى علاقة وثيقة. وسبق لي أن أجريت مقابلة معه في مجلة “الحوادث.” واحتلت المقابلة الغلاف وسميناه “رجل الدين الذي يخافه السياسيون ويهابه رجال الدين .وقد نلت جراء هذه المقابلة ضربة عصا من والد الصديق محسن ابرهيم وهو رجل دين عندما التقينا معا في مكتب كاظم الحاج علي في وزارة الاعلام.فقال لي:”انت تقول اننا نحن نهابه(الصدر) او نخافه؟ اجبته هكذا تبدو الأمور فرفع عصاه التي يتوكأ عليها وانهال بها عليّ، لكنني تمكنت من تفاديها.

بعد ذلك كنا ننظم مع الشيخ شمس الدين جدول اعمال المجلس مساعدة للسيد موسى الذي إرتاح جدا لهذه العلاقة وشجع الشيخيّن شمس الدين وقبلان على التنسيق معنا. كنت أنسّق كثيرا مع الشيخ قبلان الذي أسرني بعفويته .”

ماذا عن المرحلة بعد إختفاء الامام الصدر في ليبيا عام 1978، أجاب دلول : “عندما اختفى الامام الصدر نسقنا معا كثيرا. لقد كان اكثر إنسانا مفجوعا ومتأثرا لغياب الامام الصدر وكان يدعو دوما الى بذل كل ما يمكن للكشف عن هذه القضية . وتعاونّا معا على مستوى المجلس الشيعي لسد الفراغ الذي كان كبيرا جدا بغياب السيد الصدر، مع العلم ان شخصية الشيخ شمس الدين لم تكن تقل أهمية عن شخصية الامام موسى وكذلك الشيخ قبلان. وقد تعاون الشيخان شمس الدين وقبلان معا خصوصا في الآونة الأخيرة حيث لم تكن علاقة الشيخ شمس الدين بالرئيس بري وثيقة فساهم الشيخ قبلان في التقارب بينهما نتيجة دالته على الرئيس بري . وكان هناك اتجاه لإنتخاب الشيخ شمس الدين  كنائب لرئيس للمجلس الشيعي فقام الشيخ قبلان بدور كبير وكذلك نحن كي يتم إنتخاب الشيخ شمس الدين رئيسا اصيلا للمجلس فوافق الرئيس بري.”

ما هي خصوصية علاقة الشيخ قبلان مع الرئيس بري؟

“لا اعلم ما هي خصوصية العلاقة بينهما. لكن يمكن ان تشعر بالجانب السياسي من هذه العلاقة ،إذ ان كثيرين من عائلة قبلان هم مع الرئيس بري مثل قبلان قبلان.” .

أين المجلس الشيعي اليوم بعد 43 عاما على غياب الامام الصدر ورحيل آخر رموزه اليوم ، الشيخ قبلان؟أجاب:”المجلس الشيعي مرّ بمراحل عدة . اول مرحلة كانت مرحلة التأسيس . وكان هناك كثر يعتقدون ان هذا المجلس لن يستمر . من الممكن ان الانتخابات التي جرت عام 1975 قد اعطته قوة من خلال التنوع الذي دخل عليه. بعد ذلك، لم تجر انتخابات وهذه غلطة وهو باق بالاستمرارية وبالتعيين . نحن نرى الأعضاء اليوم فلا نعرف أحدا منهم. فهل يعقل انه بعد45  عاما لا تحصل انتخابات؟”

ما هو وزن الجلس الشيعي في الحياة العامة اليوم ؟ أجاب:”كان هناك رهان لدى بعض القوى ان نشوء المجلس سيحدث شرخا بين الطوائف المحمدية. وسيكون نقيضا لدار الفتوى التي كانت هي تقوم بدور المسلمين. لكن بقدرة شخصية الامام الصدر والشيخ شمس الدين لم يصح هذا الرهان، بل على العكس كان المجلس الشيعي ودار الفتوى متمميّن لبعضهما البعض وبينهما تعاون وثيق جدا لاسيما بين الامام الصدر وبين المفتي الشيخ حسن خالد ، ثم بين الشيخ حسن خالد وبين الشيخ شمس الدين. ومن الممكن ان مرض الشيخ قبلان لم يتوفر له الوقت كي يقوم بهذا الدور الذي كان مميزا أيام السيد موسى والشيخ شمس الدين وبداية الشيخ قبلان. “

لكن اليوم أين هو المجلس الشيعي؟ أجاب:”لا يحق لي أن أقيّمه. لكن قليلا ما تسمع عن المجلس إلا في المناسبات. وحتى المؤسسات الأخرى لا تقوم بدورها. “

سئل دلول: في ظل نفوذ “حزب الله” هل لا يزال للمجلس الشيعي الوجود المتميّز؟ فأجاب :”لا اعتقد ذلك . فالمجلس اليوم لا يملك نفوذا بسبب تركيبته. من المفروض تعديل نظامه بنظام جديد وانتخابات جديدة. ومن الممكن ان يسيطر عليه “حزب الله” . لكن لو اتى كم واحد من برّا من اجل تلوين هذا الواقع  فسيمثلون مكابح . الان، إذا كنت لا تعجبهم يسمونك شيعة سفارات. وإذا قمت بأمر ما فيسمونها مؤامرة . او فعلت كذا فستغضب الائمة عليهم السلام. انت متهم دوما وهذا شيء غلط ومعيب. إذا كان لي رأي فلا ادلي به وإذا حكيت أصبح معاديا . “

سئل دلول أخيرا: كيف للشيعة ان يقوم بدور تاريخي من اجل الكيان اللبناني؟ فأجاب:”يجب ان يتوقف الرهان على إضمحلال الدولة وكأن الشيعة غير معنية بها. وقد اطلعت على امر ازعجني كثيرا. فقد ظهر اشخاص يحتكرون المحروقات والأدوية فيطلب من مجموع بلديات عند الشيعة لتغطيتهم فتقدمت بطلبات للقول ان هذه المواد تعود اليها. يا اخي ما بيصير فالمحتكر يجب ان يحاكم ويعاقب. وكأننا نحمي المحتكرين فلماذا نجعل الشيعة خارجين عن الأصول والقانون والحياة الطبيعية الى أين نأخذها؟ كل عمرها الشيعة مع الدولة ومصلحتهم معها لا يستطيعون العيش من دونها والسبب ان عمق الشيعة محدود. من هنا الدولة ضمانة وحصانة. ومن هنا نلاحظ ان هناك قلق عند البعض وهو قلق أسميه عند وليد جنبلاط الانزياح .فوليد جنبلاط لا يغيّر مواقفه، لكن لديه قلق على طائفته ومنطقته وعلى الجبل. لذا ترى ان جنبلاط يريد حكومة باي ثمن. ومن المفروض ان يكونوا الشيعة مثله، يريدون حكومة باي ثمن .وإذا كانت بعض الطوائف تلعب فهذا شأنها.”

السابق
بالأرقام.. البنك الدولي يحذر: مؤشرات لبنان كارثية!
التالي
وصول ناقلتي نفط من ايران إلى سوريا.. هل تحملان الوقود للبنان؟