حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: نحن الضحايا وانتم الجناة..نحن لسنا أنتم!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

 يستمر انهيار لبنان مدويا ، شاملا، كل المناطق، وكل الطوائف، و كل الاتجاهات السياسية، وإذا اردتم كل البيئات، سواء كانت حاضنة لأحزابها او نابذة لها، ويستمر تراجع دور الدولة وتآكلها.

أولاً بالمعنى… والجريمة الأولى في تفكك الدولة، هو ضياع معناها، وضياع المعنى جوهره انتهاك المعايير، كل المعايير، ما كان منها يستند الى الدستور وسيادة القانون، أو ما كان يستند الى الاخلاق والقيم الاجتماعية، التي رسختها ثقافة الشعوب وتجاربها الانسانية. فلا دولة تُبْنَى، حين تتولى السلطةُ منظومةٌ سياسية  تَحْكُمُ خِلافاً لأحكام الدستور وأعرافِه، وتُخْضِعُ المؤسساتِ لقرارات تُؤْخَذُ بإسمِها ومن خارجها.

أمّا الجريمة الثانيةُ التي تمارَسُ اليوم، فهي إلتباسُ وظيفةِ الدولة وشلَلُ مؤسساتِها وانحسارُ خدماتها… حيث تَتَبرأُ أطرافُ السلطةِ من مسؤولياتِ مناصبَ تَشغلُهَا، ولا تمارسُ دورَها فيها، وكأنَّ المَنْصَبَ نعمةٌ طائفيةٌ، لا وظيفةً تشغيليةً، أو تكية ومنحة سلطانية، وليس تكليفا لإنجاز عمل أو مهمة.

فنرى كل صاحب وظيفة  سواء كان من رتبة وزير او مدير، وصولا الى شرطي السير، غير آبه بتنفيذ واجباته ؛ فالقاضي لا ينفذ القانون ولا يصدر الاحكام من رأس الهرم في القضاء، الى اي مباشر مكلَّفٍ بتبليغِ دعوى قضائيةٍ في أي دائرة، و لا يسمحُ لأيّ ملفٍ قضائي بالحركة، إلاّ بناءً لكيدٍ سياسيٍ ينتصر من خلاله القضاءُ لطرف في المنظومة ضد طرف آخر منها، أمّا حقوقُ الناسِ والضحايا، الذي ينطق القضاء أحكامه بإسمهم، في جرائم موصوفة وكارثية، كسرقة الودائع المصرفية، وجنى أَعْمَارِ شعبٍ بأكْمَلِه، وتفجيرِ مرفأ بيروت ، فإنها مهدورة ومنتهكة بإجمال أهل المنظومة وإجماعهم واتفاقهم، وصمت عدالتها البكماء.

لم تعد الدولة بقرة حلوب تُشْبِعُ نَهَمَ محاسيبِ المنظومة وأوباشها فتمت استباحة الناس ونهبها في وضح النهار

وإذا ما تجرأ قاض صاحب موقف، للقيام بواجباته، انقضّت المنظومة نافضة انقساماتها، لتواجهه وتحاصر اجراءاته وتقلل من صلاحياته.ما يجري في مسألة احقاق العدالة، يحصل أيضا في معضلة الحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي،   فكل جهاز أمني مناط به حفظُ أمْنِ الناس، لا يقومُ بتنفيذ ما انْتُدِبَ لأجله، طبقا لقانون انشائه، والوزير أيُّ وزير! لا يُديرُ مَرافقَ وزارته، ولا يَضبُطُ إدارتَه، ولا يُلزِمُ مرؤوسيه بتَنفيذِ تعليماتِه.

ولا يُوجَدُ في العالم دولةٌ تديرُها سُلطة تشبه لبنان؛ فحتى الشرطي المكلف بتنظيم السير، سيُظْهِرُ بهجة لا مثيل لها، اذا تَعَطَّلَ السيرُ أمامَهُ وفَشِلَ في تنظيمه، سلطة لا يُخْجِلُها فشلُها من الرئيس الى الخفير، مرورا بكل الوزارات والنواب والادارات والمؤسسات، بل يُفرِحُها الشلل الى حد التباهي ؛ سلطةٌ تُديرُ دولةَ كل مين إيدو إلو! ويجري كلُّ ذلك بشكل يومي ومتصاعد.

وبقدر ما يَظْهَرُ من انكشاف عُرْيِّ الدولةِ، وهُزالِ بُنْيانِها وانعدام خدماتِها، يَتَبدَّى صارخاً على خط آخر، الانحطاطُ الاخلاقي والإنساني لقيادات أحزابها، ولكوادر تنظيماتها ذي المراتب المتوسطة والعليا، فتتوالى فضائحُ احتكارِ الدواء، ليصبح حصارَ المرضى فعل اجماع، لدى ازلام المنظومة  وشخصياتها، وليتبين ان تخزين المحروقات من قبل المنظومة السياسية بكل تلاوينها، بقصد سرقة أموال الدعم والاثراء من عائداتها، هو امر تمارسه احزاب المنظومة، من اقصى شمال لبنان الى أقصى جنوبه، حتى لو ادى التخزين هذا الى انقطاع كهرباء المولدات، واقفال مستشفيات عريقة، أو مراكز غسل كلى، أو توقف أجهزة تنفس المرضى.

 لا حدود لصلف المنظومة وإجرامها لا في إيغالها بتهريب البضائع الى نظام الاسد خرقا لقانون قيصر الذي يعاقبه على جرائمه بحق شعب سورية

 لا حدود لصلف المنظومة وإجرامها، لا في إيغالها بتهريب البضائع الى نظام الاسد، خرقا لقانون قيصر الذي يعاقبه على جرائمه بحق شعب سورية، ولا حدود أيضا، لمكرها وخبثها بالتهويل بزعزعة السلم الإجتماعي، و باصطناع أحداث أمنية تستعيد الانقسام الطائفي وتلوِّح بالحرب الأهلية، بسبب تداعيات المنهبة التي مارستها المنظومة، جف ضرع الدولة ، واستُنْزِفَت كل أموالها وميزانياتها، كما أُهدِرَتْ أرصدةُ مصرف لبنانَ واحتياطُه من العملة الأجنبية، وسُدَّت في وجه أحزاب السلطة، مصادرَ التمويل والاستدانة من الخارج والداخل، بعد أنْ أصبح القيامُ بإصلاح الادارة والكهرباء، والشراء العام شروطا عالمية، لإعادة التمويل والاقراض.

فلم تعد الدولة بقرة حلوب، تُشْبِعُ نَهَمَ محاسيبِ المنظومة وأوباشها، فتمت استباحة الناس، ونهبها في وضح النهار، وقود للبيع بالسوق السوداء، دواء لا يتمتع بمواصفات اكيدة ولا بشروط سلامة ومعايير جودة، انفلات معابر التهريب دخولا وخروجا لبضائع مدعومة، عناصر ميليشياوية مسلحة تظهر في الشوارع، لتزيد الى اوجاع واقع اليوم هول ذكريات اوجاع ماضية.

لا طوابع مالية ليدفع المكلف رسوما لدولة فاشلة، لا معاينة ميكانيكية تضبط سلامة حركة السيارات، وتخفض من مفاعيل تلوث الهواء الناتج عنها… لا اخراجات قيد تصدر عن دوائر الاحوال الشخصية  لاثبات هوية مواطن في دولة تائهة، حتى جوازات السفر، لارتال الراغبين بترك وطن اصبح كسفينة تغرق، طالها تقنين يشبه تقنين الدواء والوقود والكهرباء…  على خط آخر، تلعب ابواق المنظومة الاجرامية الفاسدة، في أغلب الاعلام اللبناني، دورا في تزييف الواقع والحقائق، وصولا الى تزييف وعي الناس وتمويه هويات الجناة والقتلة والمرتكبين، الذي تسببوا بكارثة لبنان وصنعوا الام شعبه، ونشروا مشاهد ذله وفقره وهوانه، أمام ابواب المصارف، وفي الارتال المنتظرة امام محطات الوقود، وفي غرف العتمة والكآبة التي تنزوي داخلها الاف العائلات دون كهرباء او ضوء او أمل.

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: بواخر نصرالله.. فقاعة اعلامية

فتروج لمقولة ان الشعب بمجمله فاسد، وتحاول أن تخلط حابل الضحايا بنابل زعران المنظومة واوباشها!! ساعية لنقل الصراع من خلاف بين مجموع الشعب من جهة، والمنظومة واحزابها من جهة ثانية، الى صراع وتناتش بين الناس حول حقوقها البديهية وحاجاتها اليومية!.

نحن لسنا شعبا فاسدا،  ولسنا جهة واحدة، بل جهتين اثنتين، جهة الضحايا وهم مجمل الاوادم والناس وجهة الجناة في المنظومة وحاشياتها!نحن الناس الضحايا الذين تم اذلالنا منذ سنتين، على ابواب بنوككم، وانتم الزعران في ادارة المصارف التي سرقت ودائعنا وجنى اعمارنا، نحن لسنا انتم!

نحن اصحاب الاجور التي تدنت قدرتها الشرائية بنسبة ٩٠% من قيمتها وانتم من استطعتم تحويل مسروقاتكم واموالكم المنهوبة الى الخارج، فيما مارستم تقييد اموالنا خلافا لأي قانون، نحن ليس انتم!نحن المرضى الذين يدورون على الصيدليات بحثا عن دواء وانتم محتكري الدواء والقابضين على تخزينه حتى لو فسد طمعا بارباح غير شرعية تجنوها، مجددا، نحن لسنا انتم! 

نحن لسنا شعبا فاسدا  او جهة واحدة بل جهتين اثنتين جهة الضحايا وهم مجمل الاوادم والناس وجهة الجناة في المنظومة وحاشياتها!

نحن الصابرين في ارتال الانتظار والمذلة امام محطات الوقود وانتم من يقوم بتهربها الى سورية او تخزينها طمعا بفارق اسعارها، او بيعها بالغالونات في السوق السوداء بواسطة اوباشكم،  وتحمون كل ارتكاب لاحتكار من احكام القضاء وعقوبات القانون، مرة اخرى نحن لسنا انتم! ‏انتم طبقة عاجزة فاشلة، لا تستطيع إعادة إنتاج نفسها، ولا تريد وقف الانهيار او إدارة اوجاعه، كما لا تجيد عقد صفقة مع صندوق النقد الدولي لتحريك تمويل عاجل،  لا تهتم باعادة ربط الصلة مع العرب والعالم الحر، بل تحرص على فك الحصار عن الاسد وايران!

حتى لو ادى الى عقوبات على لبنان، انتم سلطة لا تعنى بتشكيل حكومة، ولا تهتم لوقف الهجرة … منظومة لا تريد ولا تستطيع فعل اي شيء ايجابي للشعب.. ولا تريد الرحيل… نحن لسنا انتم! لاننا باقون وانتم سترحلون. 

السابق
وعود حكومية بتحسّن التغذية الكهربائية خلال أسبوعين
التالي
بين كذبة الأصوليات الدينية..وتصديقها!