حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: بواخر نصرالله.. فقاعة اعلامية

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية

كان سؤال الناس والشيعة منهم على الاخص هو: لماذا يُهَرِّب حزب الله البنزين والمازوت الى سورية؟! واستتباعا للسؤال الاول استنتاج واقعي، لماذا أزمة المحروقات ابتدأت في المناطق المحاذية لسورية، ثم توسعت لكل المناطق الشيعية، ثم عمت كل المناطق اللبنانية، وكأنها تقتفي آثار المهربين وتكشف رسومات أقدامهم على سكة التهريب، من اين بدأت وكيف توسعت؟! 

لم يطل الأمر حتى أطل الشيخ صادق النابلسي، وهو رجل قريب من أعلى دوائر القرار في حزب الله ليصدر ما يشبه تبنيا عقائديا للتهريب، وذلك ليتبنى خرقا مقصودا لقانون قيصر الاميركي، الذي يحاصر نظام الاسد، عقابا له على تصفية الاف المعتقلين في سجون نظامه الدموي، وليعلمنا دون خجل، انه حين تكون سورية الاسد محاصرة، فلا بأس بأن يقوم الممانعون بحصار شعب لبنان واذلاله، من أجل سد رمق الاسد وإمداده.. فمن لم يبخل بالدماء والرجال، من عناصره وقياداته، دفاعا عن الاسد، لن يأبه لانقطاع الكهرباء والوقود عن الناس والمرضى، ولن تُضيرَهُ أرتال المذلولين أمامَ المحطات من ناسه وأهله!

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ثمة قضية وشعب.. اين القيادة السياسية؟!

التهريب الفردي قديم وطبيعي، ولا يؤثر في الاقتصاد الا قليلا، ومن يتكلم عن التهريب المنظم والممنهج والعلني، هم الناس الذين يذلون في ارتال الانتظار، أما من يمارس التهريب المنظم، عبر قوافل الصهاريج التي تمر على الاوتوسترادات، وتقطع على حواجز الامن والجيش غير عابئة بهم، فهي منظومة ثنائية، اولها حزب الله في لبنان، وثانيها الفرقة الرابعة في سورية، والتهريب قرار سياسي واقتصادي؛ اعلن عنه الشيخ صادق النابلسي، حين قال التهريب جزء من اعمال المقاومة، اما وجهه السياسي، فهو خرق قانون قيصر الذي يعاقب نظام الاسد، واما جانبه الاقتصادي، فهو يعود بارباح لتمويل ميزانية حزب الله، بعد ان شحت تدفقات الاموال الايرانية الى صناديقه، التهريب هو المؤامرة على شعبنا وليس الحديث عن التهريب وتظهير اوجاعه  مؤامرة!

نظرية النابلسي التي تقول: “طالما ان نظام الاسد يعاني، فعلى شعب لبنان ان يعاني” لم يتقبلها احد في لبنان حتى انصار الحزب وعائلاتهم!

لمن لا يعرف من هو صادق النابلسي نقول هو معمم، يقال انه يحمل شهادة دكتوراه لا علم لنا من اي جامعة نالها، ويدَرِّس  في الجامعة اللبنانية، هذا ليس مهما بتاتا، اما المهم فانه ابن الشيخ عفيف النابلسي، اول رئيس لتجمع علماء المسلمين، لحظة تأسيس النفوذ الايراني في ثمانينات القرن الماضي، الذي بنت ايران لأبيه مجمعا ضخما دينيا وثقافيا مهيبا في صيدا، واعادت بناءه مرة اخرى حين تعرض لعدوان حرب تموز، وهو شقيق المسؤول البارز في حزب الله السيد محمد عفيف ( النابلسي طبعا)، الذي تولى مسؤوليات اساسية في حزب الله، بينها الاعلام المركزي ومساعد السيد نصرالله نفسه. اذن الرجل لم يكن ينطق عن هوى، كان يريد ان يوسع الواجب الجهادي تجاه الاسد؛ من القتال لمنع اسقاطه الى امداده بكل احتياجاته بمواجهة قانون قيصر الاميركي، لكن نظرية النابلسي التي تقول،  “طالما ان نظام الاسد يعاني، فعلى شعب لبنان ان يعاني”، لم يتقبلها احد في لبنان حتى انصار الحزب وعائلاتهم.ازاء ذلك، خرج السيد نصرالله ليعيد رسم المشهد من جديد معلنا؛  التهريب جريمة والتخزين جريمة، حسنا لم يقل احد غير ذلك.. سوى طبعا اخو مساعدك ياسيد!

إذْنُ المرور هذا لا يمكن ان يكون واقعا وحقيقة الا بتوقيعين اثنين لجهتين تمسك الحدود بين لبنان وسورية هي حزب الله والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد

تحرك الجيش والاجهزة الامنية وبدأت سلسلة مداهمات  واسعة، طالت مناطق عديدة وجهات مختلفة،  نجحت الحملة في التمويه، فانتقلت اصابع الاتهام من الاشارة للتهريب الى سورية، الى دوامة من الاتهامات المتبادلة حول مواقع التخزين، وقد فات البعض انه لولا التهريب لما حدث التخزين، والتهريب قائم بقرار سياسي وبسبب اقتصادي، وهذا القرار هو بسبب إرتفاع سعر الوقود في سورية الى اضعاف سعره في لبنان، ومهما كانت هوية المخزن او المحتكر او المهرب للوقود، او انتماءه الطائفي او السياسي، فان وجهة مخازنه هو سورية، أما إذْنُ السماح بمرور بضاعته خارج لبنان الى المستهلك في سورية، الذي يدفع ثمنها بخمسة اضعاف ثمنها في لبنان، إذْنُ المرور هذا لا يمكن ان يكون واقعا وحقيقة الا بتوقيعين اثنين، لجهتين تمسك الحدود، بين لبنان وسورية، هي حزب الله والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد. بدون هذين التوقيعين او التواطؤين، لا تحدث ازمة في لبنان، ولا يحدث تخزين،  ولا مبرر حتى للاحتكار، لا لأن المحتكرين قد يصابون بصحوة ضمير، بل لان احتكارهم لن يكون مجديا بارباحه لولا قوة الجذب السورية.

لم يحاصر لبنان ويمنع من استيراد حاجياته من الوقود، كما يحلو لابواق الممانعة ان تصور الامر، على العكس تماما فقد استوردت الدولة ودفعت ٨٢٠ مليون دولار، من أموال مصرف لبنان، ثمن مشتقات نفطية تكفي حاجة لبنان لثلاثة اشهر.

ابتداء من شهر اب، لكن الكميات المستوردة اختفت في اسبوع وصولها الاول، أما الاجراءات التي اتخذها الجيش ورضي بها حزب الله، فقد طالت التخزين ولم تستهدف التهريب. خرج السيد نصرالله واعلن عزمه على استقدام باخرة مازوت من ايران، نجح نصرالله في ان يخرج من موقع صانع الازمة الى موقع رجل الحل، الذي يساهم في معالجة معضلة عامة. وتوسعت نتائج نجاحاته، حين تحول النقاش العام في لبنان، الى انقسام بين من يقبل نفط ايران، وبين من يرفضه او يتخوف منه، والسجال هنا كان تزييفا للواقع وتجنيا على الحقائق!

فهل هو قادر على حل الازمة،  وازمة من؟ ازمته كحزب فقد دعم راعيه في ايران، التي جفت مواردها، واصبح يبحث عن خطوط تمويل؟ أم ازمة لبنان كشعب مخطوف كرهينة، تعيش من صدقات الدول كي لا تموت، فيما خاطفها يصر على فدية لا احد يقبل ان يدفعها، أم أزمة إيران وحصارها  وانسداد أفق تفاوضها في فيينا، أم أزمة الأسد وعجزه عن فتح ثغرة في عزلته العربية والدولية؟!

الاكيد والمنطقي ان باخرة او ثلاث بواخر قد تصل الى لبنان لن تجد حلا  لأزمة لبنان وطبعا لن تجد حلا لأزمة سورية

قد يطيب لجوقة التزمير في احتفالات الممانعة بانتصاراتها الوهمية، الاجابة عن التساؤلات الواردة اعلاه، بان حزب الله قادر ان يحل الازمات جميعا! ؛ ان يخرق نظام العقوبات الاميركية على ايران، ويمكن الجمهورية الاسلامية من بيع نفطها الى لبنان وسورية، ويكسر قانون قيصر الذي يحاصر الاسد،  ان ينعم حزب الله بعائد مالي من مبيعات النفط الايراني في سورية ولبنان، وبذلك يجعل العقوبات الاميركية الساعية لتجفيف موارده المالية، وحسابات شركاته الاستثمارية في ارجاء الكون، مجرد كلام لا اثر عملي له، قد يتوهم بعض الصبية والسذج ان ميزان القوى الدولي يسمح بذلك،  وقد يُهيئ للشتامين ولأنصاف الاميين، ان حزب الله سينجز ما لم تستطع الصين انجازه،  وانه سيقدم عليه وسينجح بتحقيق أمر، امتنعت دول كثيرة كبرى، كالهند وكوريا الجنوبية، عن الاقدام عليه، لكن الواقع يقول؛ قد تدفع ايران حزب الله لتصعيد على جبهة العقوبات التي انهكتها، لا لحل ازمة شعب لبنان، بل لتعزيز اوراق تفاوضها!

لكن الاكيد والمنطقي ان باخرة او ثلاث بواخر، قد تصل الى لبنان، لن تجد حلا  لأزمة لبنان، وطبعا لن تجد حلا لأزمة سورية، وتلك هي الأزمة الأم التي ولدت أزمة لبنان عبر التهريب المنظم، ولن تكون إلا فقاعة اعلامية جديدة، تمكن فرق الزجل الممانع من احياء سهراتها… فيما تبقى ارتال ذل اللبنانيين طويلة  متناسلة، لتأمين حاجيات البقاء على قيد الحياة، من وقود الى غذاء الى خبز وغاز ودواء، بانتظار واحد من أمرين: أمّا تجديدُ ثورة لبنانية تطيح بمنظومة الفساد والفشل والارتهان، الى الخارج التي يديرها ويحميها حزب الله، وإمّا بقيام سعي دولي وعربي يحرر شعب لبنان من خاطفيه، ويكف عن مطالبة الرهينة بالانتصار على خاطفيها.. وإما بالإثنين معا!

السابق
ليلى اسكندر ترفض إنجاب طفل ثاني لهذا السبب
التالي
أيمن القيسوني ينتقد وضع المحروقات في لبنان والجمهور يهاجمه