لبنان «يُسيب» أبناءه و 77% من الشباب على طريق الهجرة!

لبنان ليس بخير، ولذلك يعمد جيل الشباب إلى طرق أبواب العمل في بلدان أخرى، لفتح آفاق تساعدهم على بناء مستقبلهم. لا يمكن لوم الناس الراغبين بالهجرة، لكن لا بد من التوقف عند تداعياتها المقلقة إقتصاديا وإجتماعيا وديمغرافيا.

يروي حسن الشامي (21 عاما) أنه يتحضر للسفر إلى أبيدجان في أفريقيا، للعمل في مطعم لبناني لقاء راتب شهري قدره نحو 500 دولار أميركي، مع تأمين منامة ووجبتي طعام في اليوم، يقول ل “جنوبية”،

أنه “قبل الازمة لم يكن ليرضى بهذا الراتب، خصوصا أن راتبه في أحد المجمعات التجارية الذي يعمل فيه هو مليون و500 ألف ليرة، أي ما كان يعادل 1000 دولار قبل الازمة، أما اليوم فهذا الراتب بالكاد يساوي نحو 75 دولار، في حين أن فاتورة كهرباء الاشتراك في بيت ذويه تبلغ (مع التقشف) نحو مليون ليرة، ولذلك فراتبه في أفريقيا سيمكنه من مساعدة والداه وأيضا الادخار ريثما تتغير أحوال البلد”.

إقرأ أيضاً: «السوق السوداء» تَتمدد الى إخراجات القيد جنوباً..وفواتير المولدات تَلسع جيوب البقاعيين!

حكاية حسن تشبه حكاية آلاف الشباب اللبنانيين، الذين يبحثون عن فرصة عمل في الخارج “بالسراج والفتيلة”، لأن المردود المالي للعمل في بلدهم، لم يعد يكفيهم لشراء المأكل الضروري، فكيف يمكن أن يفكروا بتأمين مستقبلهم حينها ؟، وقد اشار مرصد الأزمة في الجامعة الاميركية في بيروت، في دراسة عن تداعيات الأزمات المتعدِّدة في لبنان وطرق مقاربتها، إلى أن هناك ٣ مؤشرات مقلقة، في ما يتعلق بدخول بلاد الارز في موجة هجرة جماعية، والتي من المتوقع ان تمتد لسنوات، أولها “ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني حيث أشار ٧٧بالمئة، منهم انهم يفكرون بالهجرة ويسعون اليها، وهذه النسبة هي الاعلى بين كل البلدان العربية، حسب تقرير “استطلاع رأي الشباب العربي” الصادر العام الماضي”.

ولفتت الدراسة إلى ان المؤشر الثاني “الهجرة الكثيفة للمتخصصين والمهنيين خاصة من العاملين والعاملات في القطاع الصحي كأطباء وممرضين، وفي القطاع التعليمي من اساتذة جامعيين ومدرسيين بحثًا عن ظروف عمل ودخل افضل”، أما المؤشر الثالث فهو “توقع طول امد الازمة اللبنانية، فالبنك الدولي يُقدر ان لبنان يحتاج بأحسن الاحوال الى ١٢ عامًا، ليعود الى مستويات الناتج المحلي التي كانت في عام ٢٠١٧، وبأسوأ الاحوال الى ١٩ عامًا، ومع غياب القرار السياسي بمقاربة جدية للازمة اللبنانية مما يوشي بتعمد الانهيار، فمن غير المستبعد ان تتلاشى مؤسسات الدولة أكثر وأكثر، والسقوط في دوامة مميتة تمتد لعقدين من الزمن، والذي سيشكل عاملًا ضاغطًا على مئات الالاف، للرحيل عن وطنهم سعيًا للاستثمار والعمل والدراسة والتقاعد.

كل ما سبق يجعل البحث عن تداعيات هذه الهجرة على الكيان اللبناني مشروعا، لأن خسارة الرأسمال البشري يصعب تعويضها ، كونه المدماك الاساس في اعادة بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد.

وفي هذا الاطار يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة لـ”جنوبية” أن “هجرة الشباب والشابات هو أمر مشروع، ولا يمكن الجدال فيه لأن الامل بالبلد شبه معدوم، وهذا ما يدفع للشباب خصوصا في بداية العشرينات من العمر إلى الهجرة، على أمل تحقيق مستقبل أفضل”، معبرا عن أسفه لأن “الاجيال الاكبر سنا، لا تملك الحجج التي تقنع هؤلاء الشباب بالبقاء في لبنان لأن الامل بقيام البلد من جديد ضعيف جدا”.

حبيقة لـ”جنوبية” : أداء السياسيين و مشاكل البلد تدفع الى الهجرة

و يرى أن “تأثير الهجرة على الشباب هو إيجابي، لجهة حصولهم على فرص عمل وحياة أفضل، وإنفتاحهم على الثقافات الاخرى، لأن لبنان يتراجع إلى الخلف إقتصاديا وثقافيا وإجتماعيا ومعيشيا”، لافتا في المقابل إلى أن “هجرتهم خسارة للبلد من ناحية الانتاجية، بالرغم من تحويلاتهم وإستثماراتهم العقارية في البلد ( شراء منازل)، لكن هذا الجيل المهاجر لن يقوم مستقبلا بأي مشروع إنتاجي في البلد أو أنه سيضع أمواله في المصارف، بسبب فقدان الثقة بالنظام السياسي والمصرفي والإقتصادي، وعودة الثقة تحتاج إلى سنوات لإسترجاعها”.

يضيف:”لا شك أننا سنخسر هذا الجيل المهاجر بنسبة 50 بالمئة، على إعتبار أنهم سيظلون يزورون لبنان بسبب الروابط العائلية، أما أولاد هذا الجيل فسنخسرهم كليا، لأن أغلبهم لن يتحدث اللغة العربية ولن يكون هناك اي رابط واقعي وحقيقي بينهم وبين لبنان”، معتبرا أن “اليد العاملة اللبنانية بكل فئاتها، ستحاول الهجرة لأن لبنان بلد بات فاقدا لكل مقومات الحياة، ولأننا لا نملك القرار السياسي و الاقتصادي بإعادة نهوض لبنان، وأيضا لا أمل بعودة الحياة الى طبيعتها، و من يهاجر في ظل هذه الظروف لن يعود أبدا إلى لبنان ، كما ان أداء السياسيين مع الناس و مشاكل البلد طريقة مهينة تدفع الناس للهجرة”.

لويس حبيقة
لويس حبيقة

على ضفة الباحث الاجتماعي الدكتور مأمون طربيه، فإن يشرح لـ”جنوبية” أنه في “الدراسات الاجتماعية الهجرة ليست أمرا جديدا على المجتمعات، ولكن نلاحظ أنها تحصل بشكل مكثف عند حدوث أزمات، وبالتالي تصبح البيئة الطاردة لعناصر الشباب وغيرهم، نحو بيئات أكثر أمانا وهذا ما يفسر كثافة هجرة اللبنانيين في هذه الآونة، لأننا نعيش أزمات متتالية تدفع الشباب إلى فقدان الامل والتفتيش عن فرص أخرى “.

طربيه لـ”جنوبية”:الهجرة تسبب خللا طائفيا و إثنيا وعلى الهوية الوطنية 

ويوضح أن “هذه الهجرة لها ثلاث تأثيرات، الاول هو الاثر الديمغرافي أي حصول خلل في الهرم السكاني، والمجتمع اللبناني هو مجتمع فتي، وحدوث هجرة كثيفة من فئات الشباب، يعني أننا أصبحنا مجتمع هرم ويميل إلى أن يكون أقرب إلى مجتمع أنثوي”، لافتا إلى أن “الاثر الثاني هو الاثر الاجتماعي، والهجرة هي مؤشر على حصول تأزم وتدهور في المستوى المعيشي، ولذلك تصبح هذه المجتمعات غير المستقرة، بمثابة فئات طاردة لهؤلاء الشباب نحو مجتمعات أخرى، وكلما إشتدت الأزمة الحياتية نلاحظ إرتفاع نسبة الهجرة، وهذا هو الحال في لبنان، مما يولد خللا طائفيا وإثنيا، لدرجة أن المرجعيات الروحية للعديد من الطوائف في لبنان، باتت قلقة من هذا الخلل، وإنعكاسه على الهوية الوطنية والتوازن الطائفي والاثني والمذهبي”.

يضيف:”الاثر الثالث هو الاثر الاقتصادي، والجميع يعلم أن الشباب يشكل القوة العاملة في أي مجتمع، والاعمار المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي لم تعد موجودة في لبنان، بل تذهب إلى مجتمعات أخرى وتقدم كفاءاتها ومهاراتها وعلومها، مما يساهم في نمو إقتصاد الدول المهاجر إليها، وبالتالي تضعف البلدان المهاجر منها، مثل لبنان متعثرة إقتصاديا مع هجرة الادمغة والمهارات”.

الخبير الاجتماعي الدكتور مأمون طربيه
مأمون طربيه
السابق
«شهر العسل الحكومي» إنتهى.. برّي يدخل على خط المفاوضات والثلث المعطل محور الجدال!
التالي
«وشوشة» بأذن ميقاتي تُعيد الملف الحكومي الى الوراء!؟