محطات في الذكرى الـ43 على تغييبه: المارونية السياسية تدعم الصدر.. واليسار اللبناني يهاجمه!

في الذكرى 43 لخطفه واخفائه في ليبيا، لا بد من ذكر ان مسيرة الامام موسى الصدر، على مدى عقدين من الزمن في ستينات وسبعينات القرن الفائت، حفلت بكثير من المحطات المفصلية، ولّدت جدلا بين مؤيديه ومعارضيه، في حين انها هدفت الى رفع الحرمان السياسي والاجتماعي عن الطائفة الشيعية، لتنتهي اليوم مشروعا شيعيا، مرتبطا بمعسكر الممانعة الذي تقوده ايران.

لم تكن الحالة الشيعية في لبنان ميؤوسا منها منتصف القرن الفائت، كما يحلو لكثيرين أن يسموها، حتى ان زعاماتها المحلية التقليدية، لم تكن تختلف عن غيرها في باقي الطوائف مع سيادة ورثة الاقطاع السياسي، من آل الأسعد، والخليل، والزين، وعسيران، وغيرهم في جنوب لبنان، و آل حمادة في البقاع، ليسجّل لاحقا تضعضع وتقهقر حضور تلك الزعامات في المجال العام، بسبب انتشار الافكار التقدمية والعقائد الشيوعية والقومية، في صفوف شباب الجنوب بشكل خاص، اضافة لاسباب عامة، تتعلّق بالتعليم والازدهار الاقتصادي على مستوى الوطن أجمع، وظهور طبقة أثرياء جدد، من تجار ورجال اعمال ومغتربين قادمين من أفريقيا ودول الخليج العربي، الغنية والناهضة بشكل صاروخي، بفعل صادراتها النفطية المكتشفة في الربع الأول من القرن العشرين، فساهم المهندسون والمقالون والعمال اللبنانيون الشباب حينها، في نهضة الكويت والسعودية والامارات وغيرها، فقد هاجر هؤلاء سنوات ليعودوا ويستثمروا في لبنان، فازدهرت قطاعات الخدمات السياحية والمالية بشكل كبير.

إقرأ أيضاً: موسى الصدر من صواريخ فلسطين إلى صواريخ إيران

ولأن الفنادق والمصارف والمرافق السياحية حينها تركزت في بيروت وجبل لبنان، فقد نزح قسم كبير من الجنوبيين والبقاعيين الى بيروت وضواحيها، ليعملوا ويعلّموا أبناءهم في مدارس العاصمة وجامعاتها، وبدأوا بالانخراط فعليا بكافة القطاعات الرسمية والخاصة. 

المارونية السياسية والإمام الصدر 

في خضم هذا التفاعل الايجابي، واثر احداث عام 1958 بين العروبيين المسلمين، والمسيحيين الرافضين للوحدة العربية مع سوريا ومصر، حضر السيد موسى الصدر الى لبنان عام 1959، بناء على دعوة ابناء عمومته من آل شرف الدين، بعد وفاة المرجع السيد عبد الحسين شرف الدين، والجدير ذكره ان آل الصدر، هم فرع من سادة آل شرف الدين، كان قد رحل جدهم الى ايران، بسبب نكبة عام 1780، مع الهجوم الدموي لجيش والي عكا احمد باشا الجزار على جبل عامل (جنوب لبنان)، وقتل زعيمه الشيخ ناصيف النصار الوائلي، وتشريد سكانه واحتلال مدنه وقراه، لتعود بعد سنوات الأمور تدريجا الى سابق عهدها، بعد وفاة الجزار وعقد صلح مع خليفته سليمان باشا. 

ولأن الجنسية اللبنانية… كانت من حقّ آل الصدر فان رئيس الجمهورية فؤاد شهاب أصدر مرسوما خاصا منح فيه الجنسية للسيد موسى الصدر

ولأن الجنسية اللبنانية، بناء على هذه الرواية التاريخية كانت من حقّ آل الصدر، كونهم من اصول لبنانية، فان رئيس الجمهورية فؤاد شهاب حينها، أصدر مرسوما خاصا منح فيه الجنسية للسيد موسى الصدر، ليبدأ بعدها مشروعه في تأسيس حركة المحرومين (أمل)، وانشاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، على مرتكزات وطنية فحسب، فسّرها حينذاك خصوم الامام، انه صدى لليمين المسيحي وللمارونية السياسية الحاكمة في ذلك الحين، والتي كان همها التصدي لكافة العقائد العروبية الناصرية، والتيارات اليسارية الأممية، التي وجدت لدى المسلمين اللبنانيين، أرضا خصبة للنمو والانتشار، خصوصا مع اعلان تشكيل “الحركة الوطنية اللبنانية” بقيادة كمال جنبلاط، التي تلقت دعما كبيرا من مصر جمال عبد الناصر، ولاحقا من منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، الذي انتقل عام 1970 الى لبنان، ما مهّد لاندلاع الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975. 

اليسار والامام الصدر 

ولأن الامام الصدر أخذ موقفا مختلفا، ورفض منطق عزل المسيحيين خلال الحرب الاهلية، فانه اعتصم في مسجد الصفا في 20 حزيران عام 1975في بيروت، ودعا الى فك الحصار عن بلدة دير الأحمر المسيحية اثناء الحرب، رافضا سلاح الفتنة، مكبرا بالمقابل حمل السلاح بمواجهة العدو الاسرائيلي، وهذا ما زاد في التباعد بينه وبين فصائل الحركة الوطنية، التي كانت تسيطر على 70 بالمئة من مساحة لبنان، قبل التدخل السوري العسكري ضمن قوات الردع العربية منتصف عام 1976، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من تقاسم النفوذ الفلسطيني السوري، مقابل المناطق الشرقية المسيحية، التي أدار الأزمات فيها بصمت ورباطة جأش، رئيس الجمهورية الياس سركيس، بالتعاون مع حزب الكتائب والقوات اللبنانية التي اسسها بشير الجميل. 

الامام الصدر ووسط الفوضى وتوالي الاعتداءات على الجنوب تطلع الى الشرق ليجد بصيص أمل كبير

اما الامام الصدر، ووسط هذه الفوضى  وتوالي الاعتداءات على الجنوب من قبل العدو الاسرائيلي، فانه عاد وتطلع الى الشرق حيث جاء ليجد بصيص أمل كبير، مع انطلاقة شرارة الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني، الذي كان على صلة دائمة به، هذه الثورة التي “سوف تغير وجه المنطقة”، كما سمعها القيادي الكبير في الحركة الوطنية محسن دلول من الامام، هذه الثورة ربما ستكون هي سبب ابعاده كما علق دلول، “لانها كانت ستضاعف الوزن السياسي للامام الصدر، بما لا يحتمل خصومه”.

والجدير ذكره، وحسب سياسيين معاصرين، فان خصوم الامام كانوا يذهبون الى دمشق ويشكونه لصديقه الرئيس حافظ الاسد، ويتهمونه بالوقوف بوجه المقاومة الفلسطينية، فلا يعيرهم الأسد اذنا صاغية، بعكس ما حصل عندما شكوه للرئيس الليبي معمر القذافي، الذي تكفل بالتخلص من الامام، فالقذافي كان الممول الرئيسي لفصائل كثيرة فلسطينية ولبنانية، وكان ما كان في مثل هذا اليوم المشؤوم عام ١٩٧٨، وغاب الامام الصدر في ليبيا. 

السابق
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الثلاثاء 31/08/2021
التالي
البنزين «يَحرق» أصابع «الثنائي» جنوباً..وفوضى الأسعار تغزو البقاع!