موسى الصدر من صواريخ فلسطين إلى صواريخ إيران

القذافي موسى الصدر

43 عاما مرّت على غياب الامام موسى. وعندما قرر الامام الذهاب الى ليبيا للقاء حاكمها العقيد معمر القذافي كان حاملا قضية إخراج الصواريخ التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية وسائر المنظمات الفلسطينية من جنوب لبنان الذي تحوّل الى منصة إطلاق لتلك الصواريخ. لكن الامام الذي دفع حياته ثمن هذه القضية على يد القذافي لم يبق كي يرى كيف حلت اليوم صواريخ إيران مكان سابقاتها الفلسطينية ليس في الجنوب فحسب ولكن في كامل الوطن.

لم تقارب الطقوس السنوية المعتادة لإحياء ذكرى غياب الامام الصدر وفريقيّه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين منذ عام 1978 قضية الصواريخ التي إبقت ولا تزال لبنان بأسره وليس الجنوب فقط أسير الصراع غير المتكافئ مع إسرائيل. وهذه القضية تناسلت لتصبح قضية إستقلال لبنان الذي صار رهينة النفوذ الايراني بواسطة “حزب الله.” ووصل الامر الى حد إغراق لبنان في أزمات لا صلة لها بالصراع مع إسرائيل وفي مقدمها اليوم أزمة تشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: «عبد اللهيان» رجل الميليشيات في ثوب الدبلوماسية

وتقول شخصية سابقة في حركة “أمل” لـ”النهار” ان الامام الصدر عندما قرر لقاء القذافي في رحلته الاخيرة كان مزودا بموافقة من المملكة العربية السعودية بشخص وليّ العهد يومذاك الامير فهد بن عبد العزيز الذي أصبح لاحقا ملكا، على ان يتم إبعاد الصواريخ الفلسطينية عن ساحة الجنوب . وكانت هذه الموافقة تعني صواريخ حركة “فتح” بزعامة ياسر عرفات (ابو عمار) الذي كان يتلقى الدعم من المملكة وسائر دول الخليج العربي. وعلى رغم ان الموعد الذي ذهب الامام الصدر على أساسه الى طرابلس الغرب للقاء حاكم ليبيا تم بوساطة الرئيس الجزائري هواري بومديّن لإستكمال بت مصير الصواريخ التي كانت بحوزة ما يسمى “جبهات الرفض الفلسطينية” التي كانت تتلقى الدعم من القذافي ، إلا ان الاخير لم يتحمل ان يسمع مثل هذا الطلب فقرر التخلص من طارحه. وتقول هذه الشخصية “ان ما جرى للامام الصدر على يد القذافي هو المثل الدائم عن الفرق بين سلوك الاسرة العربية ولاسيما الخليجية منها حيال لبنان وبين ما يسمى “جبهة الممانعة” التي كان القذافي ذات يوم زعيمها وصارت اليوم بزعامة الجمهورية الاسلامية الايرانية!”

خلال كلمته التي القاها في 27 الجاري لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة ل”التحرير الثاني” أي السيطرة على جرود بعلبك والهرمل توقف  الأمين العام ل”حزب الله السيد حسن نصر الله   أمام “ذكرى 31 آب، ذكرى إختطاف وإحتجاز من موقع الإعتداء سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر أعاده الله بخير.” وقال :”إستهداف الإمام موسى الصدر كان إستهدافا للمقاومة ولمشروع تحرير القدس وفلسطين.”

لا جدال في موقف الامام الصدر من قضية فلسطين عموما والقدس خصوصا. لكن محنته في ليبيا أتت في سياق آخر بعيد كل البعد عن السياق الذي إستعاد فيه نصرالله اليوم ذكرى الامام الصدر. لقد هال مؤسس حركة “أمل” ان يغرق جنوب لبنان حيث إنطلقت حركته دفاعا عن المحرومين نتيجة الإهمال والتهميش التنموي في اتون الدماء والدمار منذ ان انهارت الدولة بدءا من 13 نيسان 1975 وصار الجنوب مسرحا للصراع بين صواريخ يطلقها فلسطينيون ويختفون وبين رد مدمّر تقوم به إسرائيل ما دفع مئات الألوف من الجنوبيين للنزوح عن مدنهم وبلداتهم وقراهم حتى جاء قرار مجلس الامن الشهير الرقم 425 في 19 آذار عام 1978 مصحوبا بصرخة مندوب لبنان في الأمم المتحدة غسان تويني “أتركوا شعبي يعيش.” وما كان للامام الصدر ان يتحرك نحو ليبيا لو ان ذلك القرار تم وضعه موضع التنفيذ ،لكن هاله ان يمضي هذا القرار الى سلة المهملات بسبب عودة الجنوب مجددا مسرحا للعبة الأمم، فقرر الذهاب الى معالجة الجانب العربي من هذه اللعبة .

بعد أربعة أعوام تقريبا من غياب الامام الصدر، جاء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ليتولى انهاء السلاح الفلسطيني في لبنان . لكنه فتح الطريق لسلاح آخر مصدره إيران التي صارت بزعامة الامام الخميني . وكان تأسيس “حزب الله” فرع لبنان البداية التي حلت مكان الثورة الفلسطينية بكل تلاوينها. لم يكن للامام الصدر كنهج مكان على خريطة السلاح الجديد. لا بل كان على نقيض منه في مراحل عدة من التاريخ المؤلم على الساحة الشيعية في لبنان.

في كتاب “أيام مع الامام الخميني وبدايات الثورة” للصحافي أسعد حيدر الصادر العام الماضي ، ورد نص مقابلة كان أجراها المؤلف مع مؤسس الجمهورية الاسلامية الامام الخميني عندما كان الاخير لا يزال في منفاه الفرنسي ونشرتها مجلة “المستقبل” في 11 تشرين الثاني 1978، أي بعد مرور شهرين و11 يوما على إختفاء الامام الصدر في ليبيا. في هذه المقابلة سأل حيدر الخميني :إختفاء الامام موسى الصدر يشغل بال المواطنين.هل أجريتم أي إتصالات بخصوصه ، وماذا كانت كانت نتيجة الاتصالات؟ فأجاب:”حول موضوع حجة الإسلام السيد موسى الصدر الذي يؤيده كثير من المسلمين ، فإننا بخطوات عديدة، لكنها مع الاسف لم تثمر.”

وتوقف كثيرون عند عبارة “حجة الاسلام” التي أطلقها الخميني على الصدر والتي تعني رتبة دينية متواضعة للامام المغيّب. وبحسب مقال محمد رحمن بور الذي حمل عنوان “المعممون في إيران..ماذا يعني كل لقب ديني؟” ونشره موقع “الجزيرة” الالكتروني في 14 حزيران 2019 ،فإن لقب “حجة الإسلام” يطلق على من “يستطيع التدريس بعد إتمامه الدراسة الحوزية أو خلالها، حيث تستغرق أربع سنوات تقريبا لإتمامها بالإضافة إلى السنوات الست الأولى.”

في مذكراته الصادرة عن دار “النهار” عام 2009 ، كتب وزير الخارجية اللبنانية الاسبق فؤاد بطرس في الصفحة 380 :”…تابعت قضية إختفاء الامام موسى الصدر من خلال مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية الذي إنعقد في الرباط بين العاشر والثالث عشر من أيار 1979 (أي بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على انتصار الثورة الايرانية) ، وبعدما إرتأيت عدم الذهاب شخصيا لحضور المؤتمر، كلّفت سفيرنا في الرباط عادل إسماعيل إثارة قضية الصدر في جلسات العمل.

أبلغني السفير إسماعيل في برقية الى وزارة الخارجية في الثاني عشر من أيار أن الوفود أظهرت “لا مبالاة تامة تجاه هذه القضية ، وبعضها إستغرب إثارتها في المؤتمر.” موضحا أن احدا لم يشر اليها في الخطب العامة وأن “وفد إيران أشار اليها في جملة واحدة واضحة عرضية جاءت في أثناء تنديده المسهب بالاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان.” وقد أثار الموقف الايراني إستغرابي لأني كنت تلقيت من سفيرنا لدى طهران فؤاد الترك في اليوم السابق طلبا رسميا إيرانيا بمعرفة موقف الحكومة اللبنانية من قضية الامام موسى الصدر والإطلاع على “أية معلومات أو مستندات تساعد في إجلاء هذا اللغز.”

ما أثار إستغرابي أكثر ، المعلومات الاخرى الواردة في برقية السفير إسماعيل ، فقد ذكر ان وزير الخارجية الليبي التريكي سأله عندما علم ان الوفد اللبناني سيثير موضوع إختفاء الصدر “إذا كان من الممكن عدم إثارته بحجة ان ذلك سيفتح مجالا لبعض الوفود للتعريض بليبيا لإسباب سياسية أخرى.” وبعدما اجابه السفير اللبناني بأن عليه إثارة المسألة بناء على طلب الحكومة اللبنانية، قال التريكي”إن الرئيس (عبد السلام ) جلود بقيّ في إيران حوالي الاسبوعيّن وإنه خلافا لتوقعاته لمس لدى الخميني عدم إهتمام بهذه القضية ولم يحدّثه عنها إلا بصورة عابرة.”

وفي البرقية نفسها ، نقل السفير عادل إسماعيل فحوى مكالمة هاتفية مع رئيس الوفد الايراني على الشكل التالي:” إتصل بي رئيس الوفد الايراني وسألني ما هي التدابير التي يمكن ان نطلب من المؤتمر إتخاذها؟ أجبته بأنني مستعد لطلب كل ما من شأنه توضيح قضية الامام ، إلا انه يخشى قيام ليبيا ومن معها بالاعتراض على اي تدبير نطلبه لعدم صلاحية المؤتمر، لإن قضية الامام خاصة ولا علاقة لمؤتمر وزراء الخارجية بها ، فأجابني :”إذن لا لزوم لتقديم أي طلب ، وشعرت ان سؤاله لي كان رفعا للعتب.”  

بالعودة الى الشخصية السابقة في حركة “أمل” فهي تقول ان الامام الصدر” لو كان بيننا اليوم لكان من ابرز المرجعيات التي تقف في وجه نظرية ولاية الفقيه التي تحكم إيران اليوم.” واعرب عن اسفه لإن “تؤول الامور بحركته لكي تصبح بيد إيران ما غيّب فعليا جوهر نضاله من اجل القضية الوطنية اللبنانية والعيش المشترك بين اللبنانيين.”

السابق
كلمة لبري اليوم.. و«غمز» من قناة التعطيل العوني
التالي
بعد رفع الدعم عن المحروقات.. كم سيبلغ تضخّم أسعار المواد الغذائية؟