حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ثمة قضية وشعب.. اين القيادة السياسية؟!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية

بعد ان انتهى النقاش، حول من هي الاطراف المسؤولة عن كارثة لبنان وانهياره بكل بناه، وحسم الجدل والردح الخبيث، حول مسؤولية كل طرف من اطراف السلطة؛ وسقطت محاولات التنصل من آثام الجريمة المتمادية، التي ارتكبت بحق وطن وشعب، وظهرت لكل عين، مسؤوليات كل اطراف منظومة الفساد والفشل والارتهان الى الخارج وارتكاباتهم، وتبين جليا، موقع وطبيعة من يتولى قيادتها، ويدافع عن استمرارها ويمعن بحمايتها، ويتكفل استمرار عيشها، وبعد أن تم تعرية المنظومة داخل لبنان وخارجه، بادارتها واطرافها جميعا، مجتمعين متضامنين تارة، ومنفصلين متناقضين تارة اخرى، وبعد ان اصبحت دول العالم قاطبة، والمنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة كما المنظمات الاقليمية، والجهات المانحة من صناديق ودول، اصبحت جميعا تتوجه بعبارات اللوم والتأنيب لأطراف المنظومة وزعمائها، وبعد أن نالت المنظومة ادانة اخلاقية، على لسان الحبر الاعظم في روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وصولا الى فرض عقوبات اميركية واوروبية، طالت مسؤولين سياسيين لبنانيين، لا عقابا على خياراتهم السياسية، بل حكما على فساد اعمالهم، واختلاساتهم لمال دولة وشعب لبنان، وبسبب ممارساتهم التي ادت الى تقويض اسس نظامه الديموقراطي.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: «نحنا الناس وشجر الشوارع»!


في المرحلة التي وصلنا اليها، بعد أن توضحت صورة الازمة، وظهر عري المنظومة السياسية، وتفاقمت آليات الإنهيار، لتدمر كل مقومات الاقتصاد اللبناني، ولتصيب بالشلل كل مرافق الخدمات العامة والخاصة، ولينقطع من الاسواق كل الحاجات الاستهلاكية الضرورية، وليصعب على معظم الناس، تأمين الدواء والخبز والغذاء، في الدرك الذي اوصلت لبنان اليه، هذه المنظومة المجرمة، لم يعد ممكنا تزييف الأسئلة الحرجة او اطلاقها في غير موضعها، أو تأجيل المُلِحِّ منها، أو اهمال الجوهري من عدادها.

لم يعد ممكنا تزييف الأسئلة الحرجة او اطلاقها في غير موضعها أو تأجيل المُلِحِّ منها أو اهمال الجوهري من عدادها


ويتبدى السؤال الجوهري الاول : كيف نخرج من الازمة.. وهل من خارطة طريق لذلك..؟
والسؤال الثاني: من هي القيادة اللبنانية المؤهلة، لانتشال لبنان من هذه الازمة؟ وانطلاقا من اي كتلة تاريخية، وبقوة اي حامل اجتماعي ستجري عملية التغيير؟
أما السؤال الثالث فهو: ما هي الشروط السياسية والاصلاحية والاجتماعية، التي يجب توفرها لكي تنفذ عملية انقاذ لبنان، ووضعه على سكة التعافي؟!
ورابع الاسئلة هو: من هم شركاء نهوض لبنان وانقاذه، على المستوى العربي والاقليمي كما على المستوى الدولي؟!
اما خامسها فهو: ما هو المدى الزمني الضروري، لفترة التصحيح واعادة النهوض الاقتصادي والمالي؟
وسادسها: اي خيارات هي الانسب، لبناء اقتصاد جديد ونموذج سياسي مستدام، يحدد وظيفة لبنان السياسية والاقتصادية؟
أما سابع الاسئلة فهو: أن الازمة والكارثة التي نعيش، انتجت خسائر فادحة، اقل تقديراتها تبلغ ٦٨ مليار دولار اميركي، فمن يتحمل عبء هذه الخسارات، ومن سيتحمل تبعات وكلفة ايفاء الخسائر من جهة اولى، وتحمل اعباء وآلام مسيرة التعافي والنهوض؟.. وكيف سيجري توزيع الخسائر، على اطراف الانتاج وكيف سيتم تحميل الاعباء؟


تلكم سبعة اسئلة جوهرية واساسية، تشكل الاجابة عليها، حلا لمعضلة وطنية وباب للرجاء والامل والمستقبل. لكن هذه الاسئلة الجوهرية، ليست جميعها اسئلة ملحة وراهنة، بحيث تشكل الاجابة عليها نقطة بداية مناسبة، وخطوة اولى على طريق ترحيل المنظومة وحل ازمة لبنان.

لا انقاذ مع وجود هذه المنظومةويجب اعادة تكوين السلطة وترحيل المنظومة


لذلك فان المدخل للإجابة عن هذه التساؤلات، والسعي لإيجاد اجوبة عليها، ثم تشكيل شبكة من القوى والفعاليات، تتبناها وتنخرط في الصراع من اجل تحقيقها، هو تصنيفها بين ما هو ملح راهنا، وما هو مؤجل بعد عملية اعادة تكوين السلطة.
على اساس ما تقدم يتأكد ضرورة الحسم المسبق، للنقاط التالية الراهنة والملحة:

اولا: لا انقاذ مع وجود هذه المنظومة، ويجب اعادة تكوين السلطة وترحيل المنظومة، وان خريطة انقاذ لبنان تبدأ بالضرورة، بخارطة طريق لاعادة تكوين السلطة، وهزيمة المنظومة واضعافها تمهيدا لاسقاطها.
ثانيا: ان اعادة تكوين السلطة، والانخراط في الصراع من أجل التغيير السياسي هو عمل سياسي، ومن لا يريد ممارسة السياسة لا يستطيع تغيير السلطة.

الثورة بالناس اقوى من المنظومة لكن المنظومة اقوى من مجموع الناشطين وهي اكثر تنظيما وخبرة وتمويلا


ثالثا : انه لا تغيير للمنظومة، دون بناء معارضة سياسية شاملة للمناطق، وعابرة للطوائف والنوع والقطاعات المختلفة والاجيال.
رابعا؛ إنَّ الثورة ليست هتافا في الشارع فقط. لا تهزم السلطة بدكاكين متناثرة، على رأس كل منها وجيه بقامة مختار، ولا تقاد بعقلية ال NGOs وهي منظمات، عادة ما يكون عدد افرادها قلائل، ومروحة اهدافها ضيقة جدا.
خامسا ؛ التغيير يأتي عبر ثورة الناس، وليس عبر مبادرات الناشطين. والناشطون ينجحون اذا استقطبوا ولاء الناس، واذا انفض الناس من حولهم، لا يستطيعون مواجهة المنظومة.

سادسا؛ الثورة بالناس اقوى من المنظومة، لكن المنظومة اقوى من مجموع الناشطين، وهي اكثر تنظيما وخبرة وتمويلا.
سابعا: إن تشكيل حكومة ثورية هو وهم أجوف، ينقل الصراع وخط المواجهة، من موقعه الحقيقي بين السلطة والانتفاضة، الى موقع اخر في قلب الانتفاضة، لتتصارع فيما بينها حول من يُوَزَّر ومن لا يُوَزَّر، وهي حكومة ثورية اسما، لكنها وزارة وهمية، ليست موجودة على ارض الواقع ولا صلاحيات لها، وقد يكون طرح مثل هذه الافكار عن سذاجة وطيبة قلب، لكن قد يكون وراءه سعي خبيث لوضع العربة قبل الحصان.

ثامنا: ثمة اختلاف في الرأي داخل صفوف مجموعات الانتفاضة بين اولويتين، واحدة تضع مسألة اعادة تكوين السلطة كمهمة عاجلة لتغيير التوازن السياسي في البلد، أما الاخرى فتركز على اولوية بناء ادوات سياسية وحزبية للتغيير. الاتجاه الاول، حريص على الوحدة والتشبيك، ويهتم بالانتخابات النيابية والبلدية، وكل الاستحقاقات الديموقراطية المنتظرة، أما الاتجاه الثاني، فهو حريص على التميز ووضوح الرؤية السياسية، ولذلك يتبلد ويأنف من اقامة التحالفات، والجبهات والعمل النضالي المشترك. وتتبدى حاجة الانتفاضة، الى التزاوج الخلاق بين الحساسيتين، والتناغم فيما بينها، بحيث يتم بناء الادوات السياسية الحزبية، في خضم المعارك السياسية والانتخابية، التي تخاص من قبل الانتفاضة.

المعركة قاسية ونتائجها مرهونة بمدى تحمل قوى الانتفاضة لمسؤولياتها

تاسعا : لا تستطيع القوى الطليعية في الانتفاضة، الارتكاز الى عمق الازمة وفداحة اوجاعها، لتكون مرتاحة الى صيرورة التغيير واعتباره بديهيا، كنتيجة حتمية للانهيار، لأن افقار الناس وايلامهم، في سبل عيشهم لا يمكن ان يدفعهم الى ثورة جارفة، الا في حال توفر امرين في غاية الاهمية ؛ الاول قيام قيادة سياسية مؤهلة، لتكون بديلا مؤهلا لاستلام السلطة، بعد ترحيل منظومتها الفاسدة.
الامر الثاني هو وجود اجندة سياسية، تحدد مبادرات ونشاطات، حول مطالب محددة تتراكم، وتمارس اشتباكا سياسيا متواصلا، فتضعف منظومة السلطة، وتحقق للناس مكاسب جزئية متواصلة، فترفع من فعالياتها النضالية، ومن ثقتها بتحقيق غاياتها.
المعركة قاسية ونتائجها مرهونة، بمدى تحمل قوى الانتفاضة لمسؤولياتها، في خوض المواجهة عبر :

  •  ورقة سياسية جامعة تحدد اهداف الحراك ومطالبه · 
  •  وشبكة تجمع كل القوى الحية، وتكون عابرة للمناطق والطوائف، والاجيال والنوع والقطاعات المهنية·       
  • وصورة تعكس وحدة قوى الثورة واتفاقها.
السابق
قرارٌ سياسي يرفض رفع الدعم.. وضغطٌ على سلامة للتراجع!
التالي
«فتح» شيّعت القائد عصام عقيل.. وقشمر: عهدنا أن نواصل درب النضال