«عاصفة» رفع الدعم تهب.. مرتين!

رياض سلامة مصرف لبنان

لا يخفى على كل متابع ومطلع على الشأن العام اللبناني، أن قرار رفع الدعم عن المحروقات بالأمس، والطريقة العشوائية التي تم بها، لا يمكن فصله عن السياق العام للوضع السياسي في البلد، والصراع الدائر بين القوى السياسية منذ تفجر ثورة 17 تشرين، أو أقله منذ عام بإستقالة حكومة حسان دياب بعد كارثة مرفأ بيروت، والعجز عن تشكيل حكومة جديدة، في بلد يتدحرج نحو الهاوية بسرعة فائقة، في الوقت الذي يختلف مسؤولوه على “جنس الوزراء”، الذين يريدون تسليمهم أمر البلاد والعباد .

كما لا يخفى على أحد، بأن الصراع السياسي حاليا،  يتمحور حول طرفين رئيسيين، يتمثلان بالرئاستين الأولى والثانية، بحيث يدور الصراع على الرئاسة الثالثة، بما هي السلطة التنفيذية والمخولة بإستلام الحكم، إذا ما تعذر إجراء الإنتخابات النيابية، ومن ثم الرئاسية في العام المقبل، في ظل أوضاع غير مستقرة ولا واضحة في المنطقة . 

إعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة كان نقطة سجلت في صالح الرئاسة الأولى ومَن وراءها من موجهين وداعمين في وجه بري!

من هذا المنطلق، يمكن القول بأن إعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، بعد تسعة أشهر من المحاولات والمبادرات، وآخرها مبادرة الرئيس نبيه بري، التي كانت مدعومة من الكثيرين داخليا وخارجيا ، كان نقطة سجلت في صالح الرئاسة الأولى، ومَن وراءها من موجهين وداعمين في وجه الرئيس بري.

لم تقف الأمور عند تسجيل نقطة إعتذار الرئيس الحريري، بل جاءت قضية الحصانات وموقف الرئيس بري منها، ليعطي خصومه ورقة شعبوية قوية ضده، بدأت الحملات لتظهره بأنه يقف في صف الوزراء والنواب ضد أهل الضحايا، بالرغم من أنه يتبع الأصول القانونية في الملف – بغض النظر عن رأينا ورأي الكثيرين في الموضوع – وما حصل بالأمس من إعلان عدة كتل نيابية، إمتناعها عن حضور جلسة اليوم، لا يمكن تفسيره بالسياسة، إلا بأنه رسالة للرئيس بري أو حتى للثنائي الشيعي خاصة، بعد الخطاب الناري لأمين عام حزب الله الأخير ضد القاضي طارق البيطار، يأتي هذا في ظل حملة سياسية ضد الرئيس بري، يقودها جميل السيد ويوزع “ألحانها” على بعض الشخصيات المعروفة، بأنها “ساعي بريد” سياسي، ولا تقدح من رأسها عادة كوئام وهاب مثلا .

في هذه الأجواء الهجومية من قبل العهد ومريديه، يأتي إجتماع المجلس الأعلى للدفاع بالأمس، برئاسة رئيس الجمهورية وبغياب رئيس الحكومة – وهو المجلس الذي بات يجتمع لكل الأسباب إلا لموجب الدفاع كما حصل مؤخرا في تطورات الجنوب – ليصب الزيت على النار، ويوصل رسالة غير ودية بالمرة للطائفة السنية خصوصا وللمسلمين عموما ، وبدا وكأنه في ظل الهجوم على الرئيس بري يتم الإعتداء أيضا على صلاحيات رئيس الحكومة السني، وهذا في بلد كلبنان، يعتبر تجاوزا للخطوط الحمر المعمول بها .

قبل يومين سرت أخبار عن رفع الدعم عن المحروقات، ما لبثت أن تم نفيها بسرعة بعد أن أدت وظيفتها، وتركت بلبلة في السوق وعلى المواطنين. 

هل كان قرار سلامة “شمشون” هو آخر الدواء الذي كان يتوقعه كل الناس أم هو قرار يدخل من ضمن صراع الإرادات السياسية بين الأفرقاء؟

بالأمس وفي إجتماع المجلس الأعلى للدفاع، فجر رياض سلامة قنبلته الأولى وكانت “صوتية”، عن أنه لم يعد قادرا على دعم المحروقات، وفي المساء وبعد التطورات، في قضية جلسة مجلس النواب بخصوص رفع الحصانات ، والتطور الأهم المتمثل بإقتحام بعض المتظاهرين، لمنشآت الزهراني عقر دار الرئيس بري، والمظاهرات التي نظمت أمام قصر عين التينة وتخللها مواجهات، جاءت القنبلة الثانية وهذه المرة “حارقة خارقة” برفع الدعم وفتح الإعتمادات، على أساس سعر صرف الدولار في السوق، وهو ما يجعل سعر تنكة البنزين، يقفز إلى حوالي 336000 ليرة حسب “الدولية للمعلومات” ، وهو ما يعني بشكل أو بآخر، بأن هناك من أشعل عود ثقاب رفع الدعم، ورماه على المحروقات ليشتعل البلد والناس.

فهل كان قرار رياض سلامة “شمشون”،  هو آخر الدواء الذي كان يتوقعه كل الناس، وبالتالي هو قرار الأمر الواقع، بعد وصول الوضع إلى الحائط المسدود ماليا؟ أم هو قرار يدخل من ضمن صراع الإرادات السياسية بين الأفرقاء، والتي يقع فيها الناس بين المطرقة والسندان، بحيث هم وحدهم من يدفع الثمن مرتين، مرة بسبب توافق السياسيين على المحاصصة والنهب المنظم لخيرات البلد، ومرة بسبب خلافاتهم وصراعهم على تقاذف كرة النار والمسؤوليات عند وقوع الكارثة.

قد تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت والتطورات، سواء في موضوع تشكيل الحكومة المعطل، أو في موضوع قضية الحصانات والتحقيق في قضية المرفأ، وكلها مواضيع متفجرة لن يسلم منها اي أحد، إذا ما عولجت كما العادة بطريقة كيدية وإنتقائية وتذاكٍ سياسي.

السابق
لا جديد حكومياً.. والدولار يشق طريقه باتجاه الـ٢١ الفاً
التالي
صاعقة تهزّ قيادة الجيش: مُجنّد يُطلق النار على نفسه بسبب الاوضاع المعيشية