جمهورية.. «العنبر رقم 12»!

انفجار مرفأ بيروت
بعد أحداث 13 نيسان 1975، خرجت مجلة "كل شيء" اللبنانية، التي كان يرأس تحريرها الصحافي الراحل محمد بديع سربيه يومها، بعنوان على شكل تساؤل هو الطريق .. بعد الحريق؟ ليطول الطريق بعدها 15 عاما من الحرب الأهلية اللبنانية، والحروب العربية والدولية على أرض لبنان.

تذكرت هذا العنوان بعد تطورات الأسبوع الماضي التي إبتدأت في خلدة وإنتهت – هل إنتهت ؟ – في شويا، مرورا بما شهدته الجميزة من صدام مستهجن ومستغرب، في ذكرى المفروض أنها جامعة وموحدة، هي ذكرى شهداء كارثة مرفأ بيروت قبل عام، وهو ما أثار التساؤل عن خلفيات هذه الأحداث مجتمعة، سيما وأنها قريبة الشبه بأحداث 13 نيسان 1975، سواء في خلدة أو الجميزة أو شويا، من حيث أسلوب الصدام أو من حيث التداعيات.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» يعلم «جيداً» بنيترات المرفأ!

في الواقع إن أكثر ما يخيف، وما لفت الأنظار في هذه الأحداث، وتداعياتها على الأرض وعلى وسائل التواصل، ولو أن هذه الوسائل ليست معياراً دقيقا، إلا أنها مؤشر على كمية الإحتقان والحقد، الذي يملأ قلوب اللبنانيين ضد بعضهم البعض، الأمر الذي يثبت، بأنهم ورغم مرور 3 عقود على إنتهاء الحرب الأهلية، لم يغادروها وأنها لا زالت موجودة في عقلهم الباطن، يعيشونها لا بل وأورثوها للجيل الجديد، في الوقت الذي كان من المفروض في ظل الأزمة المعيشية، وحال الإنهيار التي وصلوا إليها، أن يكونوا أكثر وحدة وأقل حدة، في التعامل بين بعضهم البعض أقله، على طريقة أن “المصيبة تجمع “، ولكن يبدو وللأسف الشديد، بأن العصبية الطائفية والمذهبية والسياسية، باتت متأصلة في نفوس اللبنانيين، حد تجاوزها أي حدث أو معاناة معيشية يومية، كالتي نعيشها اليوم، وهذا يصب في صالح هذه السلطة السياسية، ويعتبر “إنتصاراً” لها – يا للمفارقة العبثية – بإعتبارها صاحبة هذه “المدرسة”، في التفكير والتوجيه والتأطير والممارسة . 

لبنان اليوم وفي ظل التطورات في المنطقة يبدو وكأنه يعيش نفس ظروف عشية 13 نيسان 1975،

إن لبنان اليوم وفي ظل التطورات في المنطقة، يبدو وكأنه يعيش نفس ظروف عشية 13 نيسان 1975، مع إختلاف الوجوه والأسماء فقط. فعلى المستوى الداخلي، هناك أزمة نظام تتجلى واضحة في العجز عن تشكيل حكومة، وها نحن على مسافة يوم واحد، من إتمام عام على إستقالة حكومة حسان دياب، في الوقت الذي يرزح فيه البلد، تحت أخطر أزمة إقتصادية، صُنِّفت ثالث أخطر أزمة عالمية في ال 150 عاما الماضية، وكذلك يعاني آثار إنفجار _زلزال، صُنِّف عالميا هو الآخر، كثالث أقوى إنفجار بعد هيروشيما وناكازاكي، دمّر عاصمته وشرّد ناسه، دون أن يرف جفن، لمن يفترض به أنه يمسك بزمام السلطة، والمسؤول الأول الذي أقسم يمين الحفاظ على البلد دستورا وإستقلالا وسيادة، في حين هو يمارس سياسته الكيدية، مستندا إلى قوة سياسية مسلحة بسلاح لا إجماع عليه بين اللبنانيين  كي لا نقول غير شرعي كما السلاح الفلسطيني في العام  75 مع إختلاف الظروف،  في ظل جمود سياسي وطني عام يصل حد الشلل والعجز، عن إبتكار حلول تخفف أقله المعاناة عن كاهل الناس، إن لم تكن كحلول دائمة، ما يجعل الأفق مسدودا، الأمر الذي ينذر بإنفجار ما بحسب طبيعة الأمور، التي لا تحتمل الفراغ والجمود، والتي لا بد لها من منفذ ما.

ما حدث في شويا والذي كاد أن يكون صاعقاً جديدا لتفجير آخر في لبنان

على مستوى المنطقة الأمور كذلك معقدة، وتكاد تصل إلى طريق مسدود، في ظل تعثر محادثات فيينا، بين إيران والولايات المتحدة بشكل خاص، بشأن الملف النووي والقضايا الإقليمية، في ظل إدارات جديدة في كل من الولايات المتحدة وإيران وكذلك إسرائيل، يسعى كل منها، على ما يبدو، لجس نبض الطرف الآخر عبر أحداث متفرقة هنا وهناك، من ضرب السفن التجارية في الخليج، الذي أسفر آخرها عن سقوط ضحايا، إلى إطلاق الصواريخ “المجهولة المعلومة” من جنوب لبنان بإتجاه إسرائيل، تزامنا مع الأزمة في مياه الخليج، والذي أسفر عن رد نوعي إسرائيلي لأول مرة في جنوب لبنان منذ عدوان 2006، عبر القصف “المحسوب” بالطائرات الحربية، ما يخل بقواعد الإشتباك الذي أجبر بدوره حزب الله على الرد “المحسوب” أيضا، الذي نتج عنه حدث “غير محسوب”، وهو ما حدث في قرية شويا، والذي كاد أن يكون صاعقاً جديدا لتفجير آخر في لبنان، الذي بات وللأسف الشديد أشبه ما يكون بالعنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، الذي يحتوي على “نيترات أمونيوم سياسية وإجتماعية”، قابلة للتفجير ولا ينقصها سوى الصاعق، الذي قد ينجم عن أي إحتكاك محلي أو إقليمي جديد، في منطقة مليئة بالصواعق، وتنطلق شرارته من أي عملية “تلحيم” غير مدروسة أو محسوبة، قد تطيح بكل ما تبقى من أمل، بقيامة هذا البلد المنكوب، بنظام طائفي متخلف، وطبقة سياسية مجرمة، ولّادة للأزمات والمشاكل، دفاعا عن مصالحها الذاتية ومصالح مشغليها في الخارج.

من هنا يبقى التخوف قائما في أي لحظة، ويبقى السؤال قائماً بعد كل حريق .. ماذا عن الطريق بعد الحريق؟ وهل تبقى الأمور مضبوطة ومحصورة، بتوجيه رسائل محلية وإقليمية على حافة الهاوية، أم أنها ستنزلق إليها نتيجة خطأ في الحسابات  وتكون بعدها “حلول” على الساخن، تؤسس لمرحلة جديدة، بإنتظار أزمات ووجوه وأسماء جديدة في المستقبل، كما هو الحال دائما في هذه المنطقة – الساحة لتصفية الحسابات؟ 

السابق
ما حقيقة رفع الدعم عن البنزين غداً؟
التالي
اتصال بين ماكرون ورئيسي.. هذا ما تم بحثه بشأن استقرار لبنان