العدالة لضحايا المرفأ.. ولكن!

انفجار مرفأ بيروت

بمناسبة 4 آب، ومع كثرة الذين تباروا في إلقاء الإتهامات والسباب واللعن، أو الأشعار والكلمات العاطفية، أقول للضحايا: العدالة لن تتحقق بهذا الصراخ، وإنما تحتاج إلى تنفيذ القانون لا غير. لكن من المؤسف جدا أن قليلين في لبنان يريدون العدالة لكم وللبنان وشعبه. 

فمن جهة فإن أصحاب السلطة والقيادات الحزبية تديرهم إرادات الخارج، التي ساهمت بارتكاب هذه الجريمة وبالتورية على مرتكبيها. هذه الإرادات الخارجية هي التي تحمي المرتكبين. وقادة الأحزاب في لبنان وكذلك بعض القيادات الروحية، التي تأتمر بإرادة هذا الخارج، تساهم أيضا بحماية المرتكبين. 

اقرا ايضا: «التحقيقات في جريمة المرفأ انتهت».. شندب لـ«جنوبية»: النيابة العامة تحمي مُشتبهاً به!

ومن جهة ثانية، فإن معظم رجال القانون الذين حملوا قضيّة الضحايا منذ سنة، وكذلك معظم وسائل الإعلام، لم يأخذوا بالإعتبار تلك التطورات التي شهدها المجتمع الدولي بعد عام 1990. فقد تبنّى العالم عشرات القرارات والإتفاقيات الدولية، من أجل حماية أمثالهم، ومن أجل ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإرهاب ومنتهكي حقوق الإنسان، والعدوان، وغيرها من الجرائم، التي تصيب الإنسان وتهدّد السلم والأمن الدوليين للمجتمع الدولي. شرحنا كل الحقائق بشأن هذه التطورات، وأبرزنا كل القرائن الممكنة التي تسببت بهذه الكارثة، سواء ما يتعلق بخلفياتها أوبمرتكبيها  والتي تستوجب الإستفادة من فرص اللجوء إلى العدالة الدولية، ولاسيما إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي لا نرى وسيلة سواها للوصول إلى العدالة. إستمرّوا بخداع الضحايا،  بل وبخداع الوطن، ودائما تحت شعار الفساد والإهمال. غلبتهم مصالحهم الشخصية وطموحاتهم السياسية والنقابية وغيرها، فاختاروا ما يشاؤون من مفهوم القانون لخدمة أغراضهم. 

وقفت باحترام لتلك السيدة الوقورة التي واجهت تلفزيون أم تي في، صارخة بأن الطفل سمع الطيران الإسرائيلي، ويعلم أن إسرائيل هي التي قصفت هذا المرفأ، بصاروخ  لأن حزب إيران ملأه موادا لتصنيع الصواريخ. تلفزيون أم تي في الذي أتحفنا اليوم بمقابلة من المرفا مع الضحايا، يجب أن يعلم أنّ ذاكرتنا ما زالت حيّة، وأننا لم ننس أنه أزال تصريحا لإعلاميّيه يوم الرابع من آب، أذاعوا فيه على الهواء، ألإعتراف الإسرائيلي بقصف المرفأ، ثم راحوا يروّجون أنّ التفجيرات المتتابعة هي تفجيرات لمفرقعات نارية.  

وشعبنا أيضا لا يريد أن يسمع الكلام الحقوقي. لا يريد أن يفهم معنى العدالة. لايريد أن يقرأ ويعلم لماذا هو ضحيّة. يردّد الشعارات ويكرّر التعابير نفسها رغم أنّها قاتلة أحيانا كثيرة لحقوقه. لم يشأ أن يبدأ حتى بتغيير وصفه لجريمة المرفأ. ما زال يقول هو “انفجار”. لم يفهم أنّه “تفجير” لأنه جرم معروف السبب، وواضح من هو المتورط به. ما زال يناشد العالم للتدخّل لمواجهة “الفساد والإهمال” ولم يدرك بعد أنه يخضع إلى قوة احتلال مقنّع، وأن من يتّهمهم ب”الفساد والإهمال”، إنما ترك لهذا الإحتلال، عمدا وطوعا وتواطؤا، أن يعبث بأمننا وسلامة بلدنا. كلّ من يحمي الإحتلال مهما كانت شعاراته، شريك في هذه الجريمة، وشريك في كل المآسي التي يعيش فيها شعبنا. لن يتحرر لبناننا ما لم يتحرّر العقل فيه. ولن يتحرّر العقل فيه إلا بالعلم والمعرفة. 

أشك في أنّ شريحة من الشعب اللبناني التي شاركت في يوم الغضب هذا النهار، تعمل فعلا من أجل العدالة للضحايا ولوطنه. أولا على هذه الشريحة ان تدرك أنّ ضحايا المرفأ ليسوا وحدهم الضحية. كلنا ضحايا. الإنسانية برمتها ضحية. هناك من لا يريد أن يستمع. وكم من الضحايا أضاعوا حقوقهم. وإذا أحرجناهم قالوا: ” أين الأمم المتّحدة فيما يحصل في فلسطين ولشعب فلسطين؟” وقالوا: “أين العدالة الدولية وأين هي نتائجها؟” وكرّروا المعزوفة ذاتها التي لا تصل بشعبنا إلا إلى الإستسلام. 

شعبنا يرفض أن يصدّق أن ثمة عدالة دولية تواجه الجبابرة مهما تكن قوّة الذين يحاربونه. كلّما تحدثت عن هذه العدالة الدولية، خرج من يقول لي أنظر إلى قرارات المحكمة الخاصة ونتائجها. هم لا يفقهون الفارق بين المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الخاصة بلبنان، بل لا يفقهون أهمية ما خرجت به المحكمة الخاصة من أحكام. ذهب بعضهم يطالب بالتحقيق الدولي. لطالما قلت أن من يطالب بالتحقيق الدولي لا يريد العدالة. هو يسيّس الجريمة خدمة لجهات خارجية. 

 كم قتل الحكام الديكتاتوريون حولنا، وأزلامهم من أمراء الحرب في وطننا، أحرارنا ، ودمّروا بلادنا، وهجّروا أدمغة تحت شعارات فارغة، طائفية ومذهبية، وأكثرها إيلاما شعار تحرير فلسطين. كان حاميهم هو الذي قتل فلسطين، ودمّر لبنانهم وتاريخه الطويل. فلما تبدّل الواقع جاء حماتهم يخلعونهم ويبحثون عن بدائل لهم تكمّل مسيرتهم في هذا الشرق، ودائما على حساب شعبنا وحقوقه. وما أكثر الذين ينحنون لرنين المال. 

هذا هو شعبنا ولا أستطيع أن أخرج منهم، بالنسبة لي هم ليسوا شعب وطني فحسب، بل هم ضحيّة على مذبح الظلم الدولي. أملي بهذه القلّة التي تؤمن بالعدالة، وبلبنان الديمقراطي وبالعقل الحضاري، أن تخرج إلى العمل وخاصة هنا في الإغتراب. يجب ان نقنع العالم اننا ضحية. على هذه القلّة أن تلتقي وتعمل معا. أما آن الآوان بعد؟ 

السابق
«لنتق الله في وطننا وشعبنا».. هكذا علّق الحريري على التوتر الأمني جنوبا!
التالي
«إعلاميون ضد العنف» تستنكر مصادرة قرار الدولة: الشعب اللبناني هو الضحية دائما!