حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: عفواً سعادة القاضي.. انها خيانة!!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في خضم التحديات التي تُحيطُ بتحقيقات جريمة المرفأ، تتبدى اسئلة حرجة، وهي أسئلة تُطرحُ على قاضي التحقيق وتجلده كسوط الحقيقة، وتُحْرِجه كعري منطقيْ، في لجّةِ عيون العامة وحيرتهم، إن لم نَقُلْ نقمتهم!؟

والسؤال الاول هو ماذا لو قام رئيس الوزراء، بمداهمة المرفأ يوم عزم على ذلك، وأعلن أنَّ المرفأ تحوَّل الى مخزنِ موادٍ كيماويةٍ، يمكن أن تنفجر، ثم بعد ذلك تحركت الأجهزة الأمنية وغيرها، ومنعت إنفجار المرفأ!!

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ميقاتي بين سكنى عمارة ام نعيق غراب

  لنفترض أن المرفأ لم ينفجر، ولم يسقط ضحايا كانوا يجهلون ان المرفأ، ليس إلَّا موئلا لمواد خطرة ومتفجرة. لو سلمنا جدلا أن أحداً ما، سواء كان رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء، او مدير عام الجمارك او رئيس لجنة ادارة مرفأ بيروت، قد قام  بتذويب ما تبقى من نيترات الامونيوم في الماء، وتحويل وظيفتها من متفجرات الى محاليل آزوتية، يمكن أن تُستعمل أسمدة ومزيدات، في زراعة البقوليات والذرة والقمح، فهل كان الأمرُ قد استوى على عدل وقانون؟! 

لم تُسرَقْ ‎نيترات الامونيوم، بل كانت محروسةً بأشفار العيون وبالخوف والرهبة والتستر

طبعا كانت الخسارةُ لم تقع، وكانت الكارثةُ لم تُصِبْ قلبَ بيروت وأُفُقِها نحو العالم، كانت الأُمهاتُ مازالت تَحتضنُ أبناءها، والاباءُ مازالوا يأخذون أولادَهُم الى رحلاتٍ ومرافقاتٍ ونزهات، كانت الصبايا الموعودة بخواتم قِرانِها ستُزَفُ الى فتيان أحلامها، كانت منطقة مار مخايل والمرفأ وجوارها، ما زالت عامرة بأطايب الموائد وسمر الساهرين، وعناق الأحبة في ليالي بيروت الجميلة، كانت مستشفياتنا ما زالت تختزن عِلْماً وخِبْرة وإيمانا بالغد، وأملا بتقدم ورِيادَة، كانت بيوت أهل عزٍّ في زمن مضى، تراثية ما تزال واقفة، تشهد لعمران أصالة ومجد أجدادٍ، أتقنوا ذوق البناء وخَبِروا روحَ المُدُنْ…‏

لم تُسرَقْ ‎نيترات الامونيوم، بل كانت محروسةً بأشفار العيون وبالخوف والرهبة والتستر، لكي يستعملها صاحبها ويمنع أي مسؤولٍ؛ من تحويلها الى محاليل آزوتية زراعية عبر تذويبها بالماء، ولكي يُجْبِرَ نواطير المرفأ على الحفاظ عليها جافة، لتبقى وظيفتها كمتفجرات صالحة، حتى بعد نهاية مرحلة البراميل المتفجرة في سورية، وعندما اخذت الحمية البروفوسور حسان دياب لفتح العنبر وكشف محتوياته، أفادوه أنَّ المحتويات هي أسمدة زراعية، على الرغم انهم سجلوها في بياناتهم، عند الدخول متفجرات!!

الجريمة كانت ستبقى جريمة بشعة متمادية، حتى آخر ثانية في اول الحريق، وعقابها كان وسيبقى عقابا دون تخفيف او تخفيض

لو فعل أحدٌ واحدٌ، من كل هؤلاء ما سبق أن شرحنا، وهو أمرٌ بديهيٌ طبيعيٌ، ومستغرب ان لا يحصل، من كل مسؤول… وعلى كثرتهم واختلاف مرتباتهم ومشاربهم، وقفوا مكتوفي الايدي وكأن على رؤوسهم… الطير!! لو فعلوا لكانت الخسارة أقلُ فداحة والكارثة اضعفُ وقعاً، والرزية أخفُّ ألماً… لكن الجريمة كانت ستبقى جريمة بشعة متمادية، حتى آخر ثانية في اول الحريق، وعقابها كان وسيبقى عقابا دون تخفيف او تخفيض.  

الباخرة ليست يتيمة استوردتها بطانة النظام السوري ووضعتها في مرفأ بيروت لإستعمالها في صناعة البراميل المتفجرة

واذا كان الأمر بسيطا وسهلا، سهولة تذويب ملح في كوب ماء!، فلماذا لم يلجأ لهذا الخيار اذن!؟ بل أكثر من ذلك اذا صح ان سبب انفجار المرفأ او تفجيره هي باخرةٌ يتيمةٌ،- وهي ليست يتيمة وليست واحدة- استوردتها بطانة النظام السوري ووضعتها في مرفأ بيروت، لإستعمالها في صناعة البراميل المتفجرة التي كانت تجري في مطار الضمير العسكري قرب دمشق، في فترة انقطاع طرق النظام بين اللاذقية ودمشق في سنوات ٢٠١٤ الى سنة ٢٠١٦… اذا كانت المعلومات المتداولة من أنّ حوالي ١٩٠٠ طن من نيترات مرفأ بيروت، قد استعملت لصناعة اكثر من ٢١ الف برميل متفجر، ( عدد البراميل المتفجرة في كل سورية اكثر من ٦٨ الف برميل) وقد أُلقيت لتدمير الغوطة الشرقية والغوطة الغربية وداريا وقرى وادي بردى ومنطقة درعا، اذا كان ذلك صحيحا، فان هذه العمليات العسكرية قد انتهت عمليا وبشكل كامل سنة ٢٠١٧، فما الذي أبقى الحاجة الى إدامة النيترات أكثر من ٣ سنوات اخرى في بيروت، دون حاجة نظام الاسد لها في دمشق!؟

وفيما يشير تقرير مكتب التحقيقات الفدرالية الاميركية الFBI،  الى ان كمية النيترات التي انفجرت لا تتعدى قوتها انفجار مئتي طن من الTÑT،١ وهو ما يعني ان قوة الانفجار تعادل ٥٤٦ طن من النيترات.وهذا ما يتطابق مع دراسة علمية هندسية، صدرت كمنشور علمي في مجلة عالمية محققة، من قبل علماء واساتذة جامعيين في الهندسة،  احدهم في جامعة بيروت العربية والآخرين في جامعة انكليزية في ليفربول بعنوان:Silos structural response to blast loading  by : Yehya Temsah ,Ali Jahami,z Charles Aouad.
https://doi.org/10.1016/j.engstruct.2021.112671; Received 12 January 2021; Received in revised form 17 May 2021; Accepted 3 JuneContents lists available at ScienceDirect 

 وقد استنتجت الدراسة، كما نتيجة تقرير ال اف بي اي أنَّ كمية النيترات المتفجرة، لا تزيد عن 546 طن من نيترات الامونيوم وهي أقلُ من نسبة 20.5% من الكمية الأصلية، وهي نسبة ضئيلة تنطق بقصص كثيرة…أول القصص وأهمها أنَّ خلط مواد جافة ٢٠%، منها قابل للانفجار مع مواد تالفة وغير ناشطة بنسبة ٨٠%، يخنق الموجة الانفجارية ولا يتيح انفجارا كالذي حصل… ولذلك فالزعم ان خُمْسَ المواد الذي كان ناشطا متفجرا، عصف بمواد تساوي أربعة أضعاف وزنه، وبددها غبارا في فضاء الانفجار، هو زعم واهن يريد اخفاء العملية المنظمة والمستمرة، التي نقلت النيترات على خط بيروت مطار الضمير. 

جوهر أسباب التفجير هو قيام بنية سياسية أمنية وحزبية، اخترقت عصب الدولة وبنيانها، لتضع مصلحة رعاتها في الاقليم فوق مصلحة لبنان

والسؤال الثاني كيف تم نقل ما يقارب الفي طن من بيروت الى مطار الضمير، وهي كميات تحتاج الى ٣٨ شاحنة قاطرة ومقطورة سعة الواحدة ٦٠ طن، او الى ٧٦ شاحنة حمولة الواحدة منها ٣٠ طنا، او الى ٤٠٠ بيك آب حمولة واحدها ٥ اطنان فقط، وتتبدى الفضيحة صارخة، حول تواطؤ منظومة سياسية أمنية وحزبية، في ارتكاب هذه الجريمة وادامتها وادارة مجرياتها، اذا ما اوضحنا ان دخول الشاحنات والافراد الى حرم مرفأ بيروت، يخضع لأذونات مسبقة على الأفراد والآليات، ويجري تدوين الحركة الى الداخل والحركة الى الخارج، من قبل اكثر من جهاز رسمي وامني.تفجير بيروت ليس نتيجة فساد أفراد، طمعوا بمال او رشوة، وهذا أمر موجود طبعا، وليس نتيجة ادارة لا تقوم بواجباتها، ولا تحرص على إيفاء  التزاماتها وهذا امر حاصل وأكيد، وليس نتيجة سياسيين لم يتحملوا مسؤولية تواقيعهم، ولم يديروا عمل اداراتهم بنزاهة وانضباط، وهذا سلوك تعودناه من سلطاتنا عبر الزمن.

التفجير هو شيء من كل ما سبق، لكن جوهر أسبابه هو قيام بنية سياسية أمنية وحزبية، اخترقت عصب الدولة وبنيانها، لتضع مصلحة رعاتها في الاقليم فوق مصلحة لبنان، ولتلتزم بالدفاع عن مصالح منظومتها الاقليمية، خلافا لمصلحة شعب لبنان وأمنه الوطني.عفوا سعادة القاضي انها الخيانة الوطنية وليست أي جريمة أخرى.

السابق
انتشار مسلّح لعشيرتين في بعلبك.. والقذائف تُلهب الأجواء المتوترة والمشحونة!
التالي
حمادة لـ«جنوبية»: فرض حكومة إختصاصيين وإما صدام حول مصير رئاسة الجمهورية