حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ميقاتي بين سكنى عمارة ام نعيق غراب

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تم بالامس تكليف الرئيس ميقاتي مهمة تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين طبقا للمبادرة الفرنسية ؛ وقد أتى هذا التكليف، بعد عشرين شهرا على استقالة الرئيس سعد الحريري، نتيجة انتفاضة ١٧ تشرين سنة ٢٠١٩ المجيدة، وإثر افتضاح أمر الكارثة الاقتصادية والمالية، التي أحدثتها المنهبة المتمادية التي مارستها وتقاسمتها، منظومة الفشل والفساد والارتهان الى الخارج، على مدى عقود ماضية،  كما حصل بعد الفشل المدوِّي لحكومة د. حسان دياب في وقف تَفَكُكِ دولة لبنان، وانهيارِ اقتصادِه وتعطيلِ مرافقه العامه، وانقطاعِ الخَدَماتِ الأساسية لمَرافِقِهِ، في التعليم والاستشفاء والدواء والوقود والكهرباء، وإغلاق نسبة كبيرة من مؤسساته التجارية والصناعية والسياحية أبوابها، وتسريح عمالها، وارتفاعِ معدلات البطالة والفقر والهجرة، وبعد أنْ بَلَغَ انهيارُ العملة الوطنية، وارتفاعُ معدلاتِ غلاءِ الأسعار، حداً جعلَ كلَّ الأُسَرِ اللبنانية التي تَعْتَمِدُ للعيش، على أجورِ أربابها بالليرة اللبنانية، جَعَلَ هذه الأسرَ غيرَ قادرةٍ على تأمينِ حاجاتِها الغذائية واليومية…

حكومةَ ديابٍ هذه التي أتت بها أحزابُ حلف الممانعة في لبنان لم تكن مهمتُها حَسْبَ رُعاتِها وقفَ الانهيار انمَّا مواجهةُ الحصار

ولعلّه من المفيدِ القولَ، أنَّ حكومةَ ديابٍ هذه، التي أتت بها أحزابُ حلف الممانعة في لبنان، لم تكن مهمتُها، حَسْبَ رُعاتِها، وقفَ الانهيار، انمَّا مواجهةُ الحصار، طبعا ليس حصارُ لبنانَ، لأن لبنان ليس محاصرا أبداً بل مُفلِسا، وافلاسُه حَصَلَ نتيجة نهبِهِ، ونهبُه ارتكابٌ موصوفٌ وجريمةٌ جَرَتْ علنيةً واضحةً في ضوء النهار، وتحت قرص الشمس، وجُناتُها ومرتكبوها وجوههم مكشوفة وهوياتهم معروفة…

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوببة»: المسلمون والمسيحيون.. ما تجمعه الجينات لا تفرقه العصبيات!

الحصارُ الذي أتت حكومة دياب لتواجِهَهُ، هو حصارٌ في مكانين خارج لبنان، الاولُ في إيران التي منعتها أميركا من بَيْعِ نفطها، على قاعدة  النزاع حول برنامجها النووي، والذي انعكس شحا ماليا ونضوبا في موازنات حزب الله المالية، التي كانت تأتيه من ايران، أما الثاني فهو حصارُ نظام الاسد بموجب “قانون قيصر الأميركي”، والذي عمَّقَ الأزمةَ السوريةَ وحَجَبَ إمدادَ السوقِ السورية بالسلعِ والوارداتِ الأساسية…

كان دورُ حكومة دياب إجبارَ مصرف لبنان على ضخِّ دولاراته لاستيراد حاجاتِ الاستهلاك في سورية ولبنان معا

لذلك كان دورُ حكومة دياب، إجبارَ مصرف لبنان على ضخِّ دولاراته، لاستيراد حاجاتِ الاستهلاك في سورية ولبنان معا، وعلى اعتمادِ اسعارٍ مدعومة، تمكِّن حزب الله عبر التهريب من جني أرباح فروقات الأسعار، بين دولار مدعوم ودولار تجاري يحدده السوق، ليموّل بها ميزانيات الحزب ومصروفاته… 

 على مدى عشرين شهرا من عمر الحكومة، جرى استنزافُ رصيدِ مصرف لبنان، بأكثرَ من ١٤ مليار دولار اميركي، ذهب نصفها لتمويل إمْدادِ السوقِ السورية بالسلعِ الاساسية، وجنى حزب الله من عائدات التهريبِ والاقتصاد الموازي، والفارق بين السعر التجاري والسعر المدعوم عدة مليارات من الدولارات، موّلَت مصاريفه واحتياجاته المالية والعسكرية والأمنية، ولذلك سمع اللبنانيون الشيخ صادق النابلسي، وهو أخ السيد “محمد عفيف” المساعد الشخصي للسيد نصرالله والمسؤول الاعلامي في الحزب، يردد مقولة مؤداها “ان التهريب هو عمل مقاوم”، كما سمع اللبنانيون الرئيس السوري، يطالب مصرف لبنان بحصة من احتياطه الإلزامي، الذي يعود حسب قوله الى مودعين سوريين… ولم تكن الاستدعاءات المتكررة لحاكم مصرف لبنان، تارة الى القصر الجمهوري وطورا ل “قضاءٍ غُبَّ طَلَبِ العهد”، إلاّ ضغطا على المصرف المركزي، ليبسط يده في تغطية هذه الوظيفة، كما كانت الهجومات المنظمة على ماكينات صرف النقود، ضغوطا بالاتجاه والهدف نفسه، أمّا محاسبة الحاكم ومساءَلتُه الحقيقية على إرتكاباتِه وخياراتِه وخطاياه المدمرة، فهي خارجَ مخططاتِ المنظومة وهمومِها وخياراتِها، وخارجَ مرامي حزب الله ذاته.

على مدى 20 شهرا من عمر الحكومة، جرى استنزافُ رصيدِ المركزي بأكثرَ من ١٤ مليار دولار اميركي ذهب نصفها لتمويل سوريا وجنى حزب الله عدة مليارات من الدولارات

كانت حكومة دياب “ضرورة ممانعة”، لتمرير الوقت بانتظار انجاز العودة الى الاتفاق النووي في فيينا، الذي ارتفعت أسهم النجاح به، بعد فشل ترامب في تجديد ولايته، وفوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة الاميركية، والذي أعلن خلال حملته الرئاسية، تعهدا واضحا بالعودة الى الالتزام بالاتفاق الذي ابرمته ادارة اوباما، والذي كان بايدن جزءا منها.

تراءى لحزب الله ان النصر صبر ساعة، خاصة أنَّ محادثاتِ فيينا، قد استبعدت من جدولِ أعمالها البحثَ في عدة ملفات شائكة، كانت مثارَ صراع في عهد الادارة الاميركية السابقة، ومنها قضية الصواريخ الباليستية، وقضية نفوذ ايران وتمدد هيمنتها على دول الجوار المشرقي، كما دَعْمُ طهرانَ لمنظومةٍ من الميليشيات الموالية لها، وممارستها لأعمالٍ عسكريةٍ تَعُدُّها دولُ الغرب أعمالاً إرهابية.

كانت حكومة دياب “ضرورة ممانعة” لتمرير الوقت بانتظار انجاز العودة الى الاتفاق النووي في فيين

لذلك حَسِبَ السيدُ حسن نصرالله، أنَّهُ في اللحظة، التي تُرفعُ فيها العقوباتُ الأميركية عن إيرانَ، وتعودً ميزانيات حزبه للانسياب الى صناديقه وافرةً وفائضةً، “في الوقت اللي بكون في ايران فلوس بكون عند حزب الله فلوس” كلام ردّدَه نصرالله متباهيا ومستكبراً، في تلك اللحظة،  سيتحقق له في لبنان نصرا لا سابق له، فيصبح الطرف القادر المسيطر الممتلئ قوة ومالا وتحالفاً، وسط أطرافٍ محلية منهكة ومشتته في بلد مفلس… كان هذا التوقع مرجحا لدرجة دفع نصرالله ليخرج الى انصاره يَعِدَهُمْ بانفراط الدولة، وعَجْزِها عن دَفْعِ رواتبِ موظفيها، مع تَعَهُدِهِ عَلناً بدفع رواتب محازبيه و بالعملة الخضراء، وبقدرته مع مؤسساته، على جعل الانهيار يقف راكعاً وعاجزاً، عن اختراق حدود بيئة حزبه وجمهوره، ومروجاً لحصول الجوع لدى الساحات كلها، عدا ساحته،  وقد عزَّزَ هذا الخيال وجعله قريباً الى الواقع، المحاولاتُ العربيةُ للانفتاح على النظام السوري، وتمهيدُ الطريق لعودة الاسد الى جامعة الدول العربية، وقد رعَتْ هذه المحاولةُ دولة الامارات العربية ووزارة الخارجية المصرية.

«في الوقت اللي بكون في ايران فلوس بكون عند حزب الله فلوس» كلام ردّدَه نصرالله متباهيا ومستكبراً

شكل تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠، سببا كافيا لاسقاط حكومة حسان دياب وليفتح بابا جديدا، طُرِحَتْ من خلاله المبادرةُ الفرنسية، إثْرَ زيارتي الرئيس ماكرون الى بيروت. وكشفت كارثة المرفأ فشل الاجهزة الأمنية اللبنانية، التي  تنكرت لواجباتها الوطنية، في حفظ أمن العاصمة ومرفئها وسكانها، وفضلت ارتهان قادتها وولائهم، كل بحسبه، لأطراف المنظومة السياسية الفاسدة، كما أظهرت  مدى الاختراق، الذي حققته منظومة الممانعة وأدواتها، لبنى الدولة الاساسية، وبينت امساكها بمفاصل القرارات الاستراتيجية، في المؤسسات الامنية والمرافق العامة.

وشكلت المبادرة الفرنسية، التي تضمنت تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين مستقلين، وتنفيذ برنامج اصلاحات محدد، دأبت المنظومة السياسية منذ عشرين سنة على رفض تطبيقه، مناسبة مزدوجة لاعادة تعويم المنظومة السياسية اللبنانية، وانقاذها من تخبطها وعثراتها ومآزقها، التي احدثتها انتفاضة ١٧ تشرين، كما شكلت بالنسبة لحزب الله اداة وصل وربط، للسعي لصفقة شاملة، تتولاها او تساهم بها فرنسا من فيينا حتى بيروت، وتطال دورا فرنسيا ايجابيا، لانجاح الاتفاق النووي مع ايران و تشكيل الحكومة في بيروت.

وكانت موافقة حزب الله على المبادرة الفرنسية، استدراجا لدور وساطة فرنسية فاعلة وقوية في فيينا.

بالتوازي مع مسارات  فيينا بيروت، كان هناك مساران اخران، واحد في بغداد بين ايران والسعودية وآخر في مسقط عاصمة سلطنة عمان، بين  اميركا و ايران والسعودية وبحضور عراقي، في كل هذه المسارات، كانت تبحث ازمات المنطقة من اليمن الى العراق الى لبنان وسورية. 

وفيما يطول الانتظار في فيينا، للوصول الى تفاهم يعيد العمل بالاتفاق النووي الايراني، وعلى الرغم من احراز تقدم في العديد من النقاط الاساسية، الا أن المعلومات المتداولة، ان المفاوضات قد وصلت الى مرحلة من المراوحة والدوران، في الدائرة نفسها منذ اكثر من شهرين، بما يشي بانعدام احتمال الوصول الى حل خلال الشهور القادمة، وصولا الى احتمال انسداد الحل بشكل نهائي، بما يعني ابقاءَ العقوباتِ على ايران، لمدة غير محدودة، وعلى هامش ذلك تتداول أوساطُ الممانعة اخبارا، تتعلق بتسريبات عن عروض اميركية لايران، خلال اجتماعات مسقط، حول صفقة لنزع سلاح حزب الله في لبنان، و الكلام عن عرض اميركي سخي قدم لايران، من اجل سحب صواريخ حزب الله واعادتها الى سورية وايران، ودمج تشكيلاته وعناصره بالجيش اللبناني، وحل مشكلة مزارع شبعا عبر الامم المتحدة، وترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل،  وربط الغاز المستخرج من لبنان ب “كونسرتيوم” مصر اسرائيل قبرص اليونان، وتوسيع عمل القوات الدولية، لتشمل الحدود السورية، وبمقابل ذلك تطبيق المثالثة في النظام السياسي اللبناني، وتولي الشيعة قيادة الجيش اللبناني والنيابة العامة التمييزية.

أزمة لبنان عامة تتفاقم وتتعقد، وينكشف مأزق حزب الله وتظهر هشاشة رهاناته

 وسواء صدقت هذه السيناريوهات ام لم تصدق، فان المؤكد اليوم، أنَّ أزمة لبنان عامة تتفاقم وتتعقد، وينكشف مأزق حزب الله وتظهر هشاشة رهاناته، فلا الجهاد الزراعي على شرفات البيوت استطاع رد شظف العيش، ولا مؤسسات النور وبطاقات السجاد أمدّت آلاف العائلات باحتياجاتها، ولا العملة الخضراء أثرت الا نفرا صغيرا من الحزبيين، دون الناس جميعا، ولا النفط الايراني استطاع الوصول، الى ارتال السيارات المرصوفة امام محطات توزيع الوقود، ولا العتمة الشاملة في كل بيت ميزت بين بيت وبيت، ولا منصبا قياديا في الجيش او القضاء، سيعيد لشيعة لبنان حنى اعمارهم واحتضان شبابهم، مثلما لن يعيد توزير مسيحيين من جماعة الجنرال،١ رغد العيش لشعب لبنان عامة ولمسيحييه خاصة.

فمن اجل ماذا جرى  تكليف نجيب ميقاتي، هل لمتابعة مسيرة الحماقات، ام لوقف الحفر في هوة الازمة والخروج من الرهانات!؟

 لا شيء يشير الى ضوء في آخر النفق.. من يستهويه الخراب لا تغويه حرفة البناء!

السابق
بالفيديو: احتجاجا على انقطاع الكهرباء.. قطع طرقات في برج البراجنة وحي السلم!
التالي
الدولار الى 3000 ليرة؟