تداعيات ٤آب النفسية لا تزال جاثمة.. زينة زيربه لـ«جنوبية»: التفجير زعزع الشعور بالأمان وبتر علاقة اللبنانيين بالمدينة!

زينة زيربه
مع اقتراب مرور الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت الكارثي، الذي حفر فجيعة كبرى في ذاكرة اللبنانيين، وأسفر عن سقوط أكثر من 200 قتيل، و6500 جريح، كما غيّر وجه المدينة بأكملها، فإن العدالة لا تزال منقوصة، والتحقيقات في أول الطريق، اما جرح أهالي الضحايا والمتضررين كما اللبنانيين جميعا لم يندمل بعد، لا سيما وان المسؤولين عن هذه الجريمة خارج القضبان.

على الرغم من مرور عام تقريبا على جريمة العصر التي ارتكبت في ٤ آب ٢٠٢٠، فإن تداعيات هذا التفجير المهول بقيت مستمرة، اذ لا يزال يعاني كثير من اللبنانيين صدمة ما بعد الكارثة التي أصابت العاصمة، بدرجات متفاوتة، ناهيك عن الاثار النفسية والإحباط والاكتئاب والقلق الذي يسيطر على عدد كبير من اللبنانيين.

إقرأ أيضاً: «وجدناه في كيس داخل إحدى المستشفيات».. سنوية إنفجار المرفأ تنكأ جراح زوجة الشهيد محمد طليس!

في هذا السياق، قالت الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية الأستاذة الجامعية زينة زيربه لـ “جنوبية” إن “4 آب ليس حدثا انفراديا بتاريخ الأحداث الأمنية التي تطال الصحة النفسية في لبنان”.

صدمات تراكمية


وأشارت الى ان “عمليات العنف في لبنان متكررة بين الحروب وعمليات الاغتيالات السياسية والتفجيرات الإرهابية، فالشعب اللبناني يعيش منذ زمن وسط تكرار للصدمات، ومفعول هذه الصدمات تراكمي”. ولفتت الى ان “المشكلة مع الصدمات التراكمية انها تمنع عملية بلورة مفعولها والشفاء منها في ظل تكرار الحوادث الأمنية، وهو ما يفسر بالتالي حالة انفصام ما بعد الصدمة التي عاشها اللبنانيون لعقود، من حيث التخدير العاطفي والشلل الفكري، اذ يفصل المواطن نفسه عن الحدث وكأنه غير معني به فيعيش حياته بمعزل عنه، كالمعتاد”.

الصدمات التراكمية تمنع عملية بلورة مفعولها والشفاء منها في ظل تكرار الحوادث الأمنية

اللبنانيون من أكثر 10 شعوب توتراً وحزناً في العالم

وكانت نتائج تقرير “غالوب العالمي للمشاعر 2020″، قد أظهرت أن اللبنانيين من أكثر 10 شعوب توتراً وحزناً في العالم”. كذلك أظهرت دراسة للجامعة الأميركية اللبنانية أن 16.17 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، يعانون من اكتئاب شديد منذ واقعة انفجار المرفأ، وأضافت الدراسة أن 40.95 في المئة من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة.

ثورة 17 تشرين: استدراك للواقع ورفضه


الى ذلك اشارت الدكتورة زيربه، انه منذ عام 2019 مع بداية ثورة 17 تشرين والأحداث التي تلتها، لم يعد بإمكان اللبنانيين العيش في حالة الانكار والانفصام الماضيين، أو التأقلم والتماهي مع الأوضاع الأمنية والسياسية والمعيشية، بل ثمة حالة استنكار وانتفاضة ويقين شهدها الشارع. بعد الانتفاضة وازدياد تردّي الأوضاع المعيشية، ارتفاع معدلات الهجرة يؤكّد مثلا على اليقين عن تدهور الحال ورفض العيش في لبنان الحالي الذي لم يعد يشبه نفسه ولا حتى يشبه مواطنيه اجتماعيا وثقافيا”.

4 آب: زعزعة الشعور بالأمان والاستقرار

وعن تفجير الرابع من آب، قالت إن “التفجير كان حدثاً مفاجئاً وغير متوقع وبعيداً من التصوّر، ولا يمكن لأي فرد بالمطلق أن يكون مهيّأ أو مؤهّلاً نفسياً للتعامل مع حدث بهذا الحجم ومع انعكاساته على الصعيد النفسي الفردي، العائلي والجماعي. لا سيما وان الناس أصيبوا في منازلهم ومكاتبهم وأحيائهم السكنيّة، وتعرّضوا لمشاهدة جثث القتلى واصابات الجرحى. من ناحية أخرى، التفجير أطاح بأحياء سكنية وأماكن عمل وشوارع تحمل النبض الاجتماعي-الثقافي الحيّ للمدينة. وهذه الأماكن التي كانت مألوفة، وكانت بمثابة حاضنة لروّادها، باتت مدمّرة، وغريبة عنهم. وبالتالي فقد أدى هذا الانفجار إلى زعزعة الشعور بالأمان والاستقرار عند الأفراد وبتر علاقتهم بالمدينة.” ولفتت زيربه الى ان “علاقة اللبنانيين اليوم ببلدهم قد اضطربت، وبالتالي لم يعد الوطن ملجا آمن بالنسبة لهم.

لا يمكن لأي فرد بالمطلق أن يكون مهيّأ أو مؤهّلاً نفسياً للتعامل مع حدث بهذا الحجم ومع انعكاساته على الصعيد النفسي

معاناة أهالي المرفأ

وعن أهالي ضحايا المرفأ، قالت ان “الأهالي يتعاملون ليس فقط مع واقع موت أحبابهم، انما مع تفاصيل الموت الصادمة. عدا عن ذلك، من عام حتى اليوم، يواجه الأهالي إعادة تركيب هيكلية ديناميكية الأسرة بغياب وفقدان دور الشخص المفقود، إضافة الى تغييب العدالة والمحاسبة لتصبح الجريمة جريمتين، حيث يصارع الأهالي لتحصيل العدالة بيدهم على الرغم من مأساتهم”.

يواجه الأهالي إعادة تركيب هيكلية ديناميكية الأسرة بغياب وفقدان دور الشخص المفقود إضافة الى تغييب العدالة والمحاسبة لتصبح الجريمة جريمتين

التفاف المجتمع حول ضحاياه

وعن تغييرات ما بعد الرابع من آب، قالت زيربه انه ” من المهم أن نعرف أنه لم يعد هناك انفصال عن الواقع، اذ لم يمر هذا التفجير كغيره من الأحداث الأمنية، فرفض المواطنون صفة الشهادة والموت قضاء وقدر لضحايا تفجير المرفأ، وبات المواطن يستنكر التعامل معه وكأنه غرضا تابعا للطبقة السياسية وان يتحوّل اضرارا جانبية لمكاسب سياسيّة، فالتفجير هذا هو بمثابة عنف اجتماعي وسياسي وأمني مارسه بإجرام أفراد في موقع الحكم والمسؤولية أخلّوا في مهامهم، ومن ضمنها الحرص على تأمين سلامة المواطنين والحفاظ على حقوقهم.
وتابعت “فالملاحظ ان أصابع الاتهام موجّهة وتعالت المطالبات لمحاسبة الدولة وتحقيق العدالة أصبح قضية وأسماء الضحايا فردا فردا وقصصهم رسّخت بأذهان اللبنانيين، والضحايا حملوا من قبل المواطنين ولم يتركوا منذ 4 آب 2020 حتى يومنا هذا فكل فترة هناك تذكيرا بقضيتهم وتكريم لهم “.
وتابعت “ان المجتمع “مستشرس” كي يعرف الحقيقة، لأنه تم المس به مباشرة وعملية الحداد والوجع تطال مكونات المجتمع بأكمله، بعدما تضررت العاصمة بأكملها وأصبحت بيروت مدينة تحمل أنين ضحاياها أحياء كانوا أو أموات”.

خطوط ساخنة للدعم النفسي

الى ذلك، اشارت مديرة التواصل والعلاقات العامة في جمعية “إمبريس” للصحة النفسية، هبة دندشلي لـ “جنوبية” الى أن “خط الحياة المخصص للدعم النفسي والوقاية من الانتحار موجود منذ عام 2017، والعام الفائت بدأ يعمل لمدة 21 ساعة في اليوم وقريبا سوف يصبح 24 ساعة”.
ولفتت الى ان نسب الانتحار بعد 4 آب لم ترتفع، ولكن هذا لا يعني ان الناس لا تعاني، بل هناك جروحا نفسية داخلية لم تظهر بعد ولم يُعبر عنهااصحابها”، وتابعت “الحاجة الى الدعم النفسي لا تزال كبيرة”.

دندشلي لـ “جنوبية”: خط الحياة للدعم النفسي يعمل منذ عام 21 ساعة في اليوم وقريبا سوف يصبح 24 ساعة

ولفتت دندشلي، الى انه “حتى اليوم وصلت جمعية “إمبريس” الى دعم أكثر من 9500 حالة من خلال خط الحياة الذي يقدم جلسات التوعية ودعم نفسي وعلاج نفسي طويل مع اختصاصيين”.

وعلى الرغم من هذا الرقم الضخم، رأت دندشلي ان اللبناني لا يتأثر فقط بتداعيات تفجير المرفأ انما أيضا بالأزمات المعيشية والاقتصادية التي يعيشها مع فقدان مقومات الحياة الأساسية، وهذا الأمر يجعل المرء يشعر بفقدان السيطرة والمعاناة بشكل يومي والشعور بفقدان الأمل والحزن والاكتئاب، وهو ما يؤدي الى زيادة حالات العنف واليأس والميول للانتحار”، مضيفة ان “كل ذلك نتيجة عدة عوامال منها لتفجير 4 آب و”كوفيد” وكذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي”.
كما اشارت الى ان “الاتصالات بخط الحياة ارتفعت بحدود الـ 300 الى 400 في الشهر الواحد جراء تردي الوضع المعيشي في الآونة الأخيرة”.

السابق
«الاشتراكيون الثوريون» يحذرون من اشتغلال جريمة المرفأ: الإتهام السياسي لا جدوى منه
التالي
باسيل لن يقبل بـ«حكومة رئاسية» تحلّ مكان عون!