مناوراتٌ وأفخاخ فوق «الهشيم» اللبناني عشية الاستشارات النيابية!

باسيل وفد فرنسي

هل تؤثّر «الأحمالُ الثقيلةُ» التي لاحتْ في طريق تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة في قراره بحمْل «كرة النار»؟ وهل تكون الساعات الفاصلة عن «اثنين التكليف» كفيلةً باجتراح توافقاتٍ داخلية تسحب «الفتائل» من تسميةٍ يجري «تفخيخها» بأكثر من لغمٍ؟ وهل ستكون مرحلة التأليف محفوفةً بكل التعقيدات «الموروثة» من حقبة الأشهر التسعة التي حاول خلالها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري استيلاد حكومةٍ اصطدمتْ بـ «جدارٍ» ظاهِر شكّله رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه (التيار الوطني الحر) وآخَر غير خفيّ اختزل الأبعاد الإقليمية للأزمة اللبنانية الشاملة؟

أسئلةٌ طغتْ على المشهد السياسي في بيروت التي تستعدّ للاستشارات النيابية المُلْزمة التي حدّد لها عون موعداً مازال قائماً يوم غد، ما لم تطرأ مفاجأة ربع الساعة الأخير التي تُفْضي لتأجيله بناء على «طلب مبرَّر ومعلَّل»، وسط تَقاطُعٍ كرّس ميقاتي الاسم الجدي الوحيد المطروح ما لم يخْتَر في الدقائق الخمس الأخيرة النأي بنفسه عن المهمّة شبه المستحيلة بحال استشعر في ضوء الاتصالات التي بدأها أمس في لبنان ويستكملها اليوم بأنه مدعو لـ «وليمة» فشل مؤكَّد تمهّد لها إشاراتٌ على طريقة «تعا ولا تجي».

إقرأ ايضاً: «داحس وغبراء» جنوبية..«عراك أولاد» يُشعل خلافاً قديماً بين عائلتين في عين قانا!

ومن خلْف «الغبار الكثيف» الذي يحوط بمسار تكليف ميقاتي، والكتل التي ستسمّيه، فإن ثمة مؤشرات واضحة إلى أن هذه التسمية لن تكون بمثابة «صفحة بيضاء» لمحاولةٍ جديدة لتأليف حكومةٍ ينتظرها المجتمع الدولي لفرْملة الانهيار الكبير، ولاسيما أنها تأتي على وهْج التكليف ثم الاعتذار «الصِداميين» للحريري الذي كان اختير خلافاً لرغبةٍ معلَنة «بالفم الملآن» من رئيس الجمهورية (في اكتوبر 2020) بعدم تكليفه ثم انسحب بعد معركة «تكسير عظام» أقرب الى حرب «داحس والغبراء» سياسية – دستورية لم يغِب عنها البُعد الطائفي.

وعشية استشارات الاثنين أمكن التوقف عند هذه النقاط:

  • أن فريق عون يتعاطى مع التفاهم الداخلي على ميقاتي، بدءاً من رؤساء الحكومة السابقين مروراً برئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط و«حزب الله»، على أنه محاولة للاستفراد به، هو الذي لا يُخْفي اقتناعه بأن ميقاتي يأتي ليستكمل «جولة الإياب» في المكاسرة التي انفجرت مع الحريري، بمعنى أنه سينطلق في مهمته من حيث انتهى سَلَفه في شروطه ومعاييره كما آلية التأليف وحدود دور رئيس الجمهورية في هذه العملية.
  • أن «التيار الوطني الحر» (يترأسه صهر عون النائب جبران باسيل) لم يتوانَ عن توجيه رسائل سلبية مباشرة ومواربة باتجاه ميقاتي، وصولاً للتلويح بتسمية السفير السابق للبنان في الأمم المتحدة نواف سلام (وهو ما سيُحسم اليوم) مع تهديدٍ متجدّد بـ «فرصة قصيرة للتشكيل وإلا الاستقالة من البرلمان»، وهو ما عبّر عنه بوضوح المسؤول عن العلاقات الدولية في «التيار» طارق صادق عبر صفحته في «تويتر»، إذ أعلن «لن نسمي ميقاتي رئيساً للحكومة، وسنعطي فرصة قصيرة للتشكيل قبل الاستقالة من مجلس النواب. ميقاتي مرشح الأميركيين والمنظومة الفاسدة، بينما نواف سلام كان سفيراً للبنان في الأمم المتحدة ويملك تاريخاً عروبياً ومناصراً لفلسطين. أفهم أن بري والحريري وجنبلاط يمشو بميقاتي بس الحزب (حزب الله) ليش؟».

وإذا كانت التسمية المحتملة للتيار الحر، لسلام اعتُبرتْ في سياق إصابة أكثر «من عصفور بحجر»، أبرزها إطلاق إشارة ايجابية باتجاه المجتمع الدولي كما الانتفاضة الشعبية في لبنان وفي الوقت نفسه التمايز، التكتي، عن «حزب الله» الذي غالباً ما أخذ عليه فريق عون إبقاء ضرورات الواقع السني – الشيعي والشيعي – الشيعي أولويةً في أدائه الداخلي، فإنّ أوساطاً واسعة الاطلاع تعتبر أن اختيار تكتل باسيل للسفير السابق وعدم الاكتفاء بحجب أصواته عن ميقاتي أي الامتناع عن التسمية كما سيفعل حزب «القوات اللبنانية» ينطوي على أكثر من رسالة.

ميقاتي «وحيداً» في ساحة التكليف غداً فهل يعود لرئاسة الحكومة؟

وفي رأي الأوساط أن تسمية سلام، ستكون بمفاعيلها بمستوى الرسالة المتلفزة غير المسبوقة التي خاطب بها عون البرلمان عشية تكليف الحريري داعياً لعدم اختياره، باعتبار أن هذا «الفيتو» من باسيل لن يكون ممكناً قراءته إلا على أنه امتداد لموقف من عون، الذي وإن كان التكليف ينطوي على أبعاد سياسية تتصل بخيارات الكتل النيابية التي لا يستطيع التأثير فيها، فإن التأليف ينتقل إلى «مربّع دستوري» لا فكاك، في نظر رئاسة الجمهورية، من الاتفاق الكامل بموجبه مع الرئيس على المعايير والشروط وآليات التسمية تحت عنوان قديم – جديد هو مراعاة «الميثاقية والتوازن».

وتعتبر الأوساط أن بمجرّد امتناع كتلة عون عن تسمية ميقاتي (كما فعلتْ إبان تكليف الحريري)، وهذا الأمر يتعمّق أكثر بحال سمّت غيره، فإن هذا سيعني أن الرئيس المكلف الجديد سيجد نفسه حُكْماً في «الزاوية» نفسها التي بدأ وانتهى معها الحريري، وتحديداً لجهة إعطاء حصة لرئيس الجمهورية عنه وعن «التيار» (الذي لم يسمّ ميقاتي) الذي كان رفض الالتزام بمنْح الثقة لحكومة زعيم «تيار المستقبل»، كما رفض تسمية الرئيس المكلف وزراء مسيحيين، وما يستتبعه ذلك من خلْط أوراق لجهة عدم حصول أي طرف على الثلث المعطّل في الحكومة.

وبانتظار أن يُحسم ما سيفعله «التيار الحر»، وسط أجواء تحدّثت عن اتصالات مفتوحة مع «حزب الله» الذي أشيع أنه قد يمتنع عن تسمية ميقاتي بحال اكتفى «التيار الحر» بمثل هذه الخطوة ولم يسمّ سلام وإلا منح أصواته لميقاتي، اكتفى باسيل أمس خلال استقباله وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية – اللبنانية السيناتور كريستين لافارد بتأكيد «ضرورة تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات وتوحي بالثقة محلياً ودولياً»، لافتاً الى «أن التيار على موقفه لتسهيل التأليف في أسرع وقت».

باسيل لتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات وعلى موقفنا لتسهيل التأليف بأسرع وقت

وفي موازاة ذلك، تسود الضبابية أيضاً طبيعة الحكومة التي يريد ميقاتي تأليفها وشكلها، وهل مازال ممكناً العودة لِما كان سبق أن طرحه قبل أشهر عن حكومة تكنو – سياسية (6 وزراء سياسيين يمثلون الأحزاب الرئيسية و14 اختصاصياً) أم أن حكومة الـ 24 ستبقى المنطلق لأي حكومةٍ تتقاطع المعطيات عند أن ميقاتي لا يريدها لـ «مهمة انتخابية» (إجراء الانتخابات النيابية المقبلة) ويحاول جس نبْض إذا كان متاحاً أن تكون لوظيفتها الانقاذية تتمة تنفيذية برئاسته بعد الانتخابات.

وبأي حال، فإن الساعات المقبلة ستكون حبلى بالاتصالات في سياق سعي الرئيس المكلف مع «وقف التنفيذ» للحصول على ما أمكن من ضمانات يعتبرها ضرورية لتفادي توريطه بعمليةٍ «يحرق أصابعه» وربما مستقبله السياسي فيها ولا سيما في ظل معاني تكليفه المرجّح من دون أصوات الكتلتين المسيحيتين الرئيسيتين (التيار الحر و«القوات اللبنانية» وإن من منطلقات مختلفة لكل منهما)، على أن يتّضح اليوم «الأبيض من الأسود» في المناورات أو الألغام التي تُزرع في طريق التكليف و… التأليف.

السابق
عون «يُهادن» ميقاتي في التكليف.. وباسيل «ينصب الفخ» في التأليف!
التالي
تقاطع «الوطني الحر» و«القوات» في ملفات داخلية لا يفتح الباب أمام عودة تقاربهما