تقرير مفصل لـ«نيويورك تايمز»: هكذا ساهم رياض سلامة في انهيار الاقتصاد اللبناني

رياض سلامة حاكم مصرف لبنان

أزمات متتالية يمر بها لبنان لعل أسوأها انهيار العملة الوطنية وفقداتها لأكثر من 90 بالمائة من قيمتها، ما ينذر بانهيار شامل قد ينتج عنه مالا تحمد عقباه، في ظل ازمة مالية واجتماعية ومصرفية.

وتعليقاً على الانهيار الاقتصادي للبنان، أعدّ بن هوبرد، مدير مكتب صحيفة “نيويرك تايمز” الأمريكية في بيروت، وليز ألدرمان، كبيرة مراسلي الصحيفة للشؤون التجارية والاقتصادية في أوروبا، تقريراً مطوّلاً سلَّطا فيه الضوء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي يواجه تحقيقات دولية عدة من بينها في فرنسا وسويسرا بشأن مزاعم فساد متورّط فيها، بعدما كان ينال قدراً كبيراً من الإشادة والإطراء على حسن إدارته لموارد لبنان المالية.

اقرأ أيضاً: لحظة الارتطام بدأت.. لا حكومة الا وفق التوقيت الايراني: ماذا بعد الاعتذار؟

لبنان على مفترق طرق يعاني من أسوأ ازمة اقتصادية في تاريخه الحديث: مصارفه معسرة إلى حد كبير، والبطالة ترتفع، العملة الوطنية انهارت والعديد من اللبنانيين يلقون اللوم على سلامة للازمة النقدية التي تجتاح البلاد التي جعلتهم يكافحون من أجل تحمل تكاليف الغذاء، يتدافعون للعثور على الدواء وينتظرون  في طوابير طويلة امام محطات البنزين لتعبئة سياراتهم.

خطيئة لا تغتفر

وقال الكاتبان إن سلامة مُتَّهم حالياً بارتكاب خطيئة لا تُغتفر: إثراء نفسه ودائرته الداخلية عبر سنوات من الفساد. وفتح قضاة مكافحة الفساد في باريس تحقيقاً هذا الشهر بشأن ادِّعاءات جنائية مفادها أن سلامة جمع ثروة طائلة في أوروبا عن طريق إساءة استعمال سلطته. كما طلب الادِّعاء العام في
 سويسرا من السلطات اللبنانية مساعدته في إجراء تحقيق منفصل في عمليات الاختلاس المشتبه بها وغسيل الأموال المرتبطة بسلامة وشركائه.

وقد اثارت هذه الادعاءات ضجة كبيرة فى دولة تعاني من ازمة قال البنك الدولى مؤخرا انها تحتل المراكز الثلاثة الاولى فى جميع انحاء العالم خلال السنوات الـ 150 الماضية وهو انكماش اقتصادي “وحشى” يرتبط عادة بالصراعات او الحروب” .

أكبر مخطّط بونزي

وعلى الرغم من الانهيار الذي يعاني منه اقتصاد لبنان، لم يواجه سلامة، مهندس السياسة النقدية في لبنان منذ عام 1993، أي دعوات جادة لإقالته من منصبه، مع أنه أشرفَ على استراتيجية تتطلب مزيداً من الاقتراض لتسديد مدفوعات الدائنين الحاليين، وهو ما وصفه بعض النُّقاد بأنه أكبر مخطط بونزي (عملية استثمار احتيالية عن طريق الدفع لأقدم المستثمرين باستخدام أموال جُمعت من المستثمرين الجدد) في العالم.

ما يحمي سلامة من التحقيق معه محلياً والتدقيق في حساباته، هو دوره المركزي في شبكة المصالح التجارية والسياسية الفاسدة في لبنان.
استطاع سلامة أن يبني إمبراطورية داخل البنك المركزي، واستخدمها ليجعل وجوده ضرورة لا غنى عنها للأطراف الفاعلة من الأثرياء وذوي النفوذ، عبر مختلف الأطياف السياسية اللبنانية.

تحقيقات فرنسية وسويسرية

غير أن التحقيقات في فرنسا وسويسرا تُشكل تهديدات جديدة لموقف سلامة ومكانته. ويُحقق القضاة الفرنسيون في شكوى تتّهم سلامة وشقيقه رجا سلامة وبعض أقاربه وماريان الحويك، مديرة المكتب التنفيذي لحاكم مصرف لبنان المركزي، بالاستيلاء على أموال بطريقة غير مشروعة ونقلها من بنوك لبنان إلى البنوك السويسرية، وبعد ذلك غسل الملايين منها في فرنسا من خلال الاستثمار في سوق العقارات، بما في ذلك العقارات الفاخرة الواقعة بالقرب من برج إيفل.

وبشكل منفرد، يُحقق مكتب المدعي العام السويسري في بيع سلامة وشقيقه سندات خزانة المصرف المركزي، من عام 2002 إلى عام 2015، وتحويل البنك ما لا يقل عن 330 مليون دولار من العمولات إلى حساب شركة “Forry Associates”، وهي شركة وساطة مملوكة لشقيقه، في سويسرا.

كما يبحث الادِّعاء السويسري في مزاعم بأن رجا سلامة حوَّل أكثر من 200 مليون دولار من حساب شركته في سويسرا إلى حساباته في البنوك اللبنانية التي تربطه بها علاقات سياسية قوية. ومن بين هذه البنوك بنك “ميد”، المملوك لعائلة رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الراحل الذي عيَّن سلامة حاكماً لمصرف لبنان المركزي.

وإلى الآن، لم يوجّه الادِّعاء العام السويسري أو الفرنسي أي اتهامات لسلامة أو أخيه أو مساعديه. ومن غير الواضح كم ستستغرق التحقيقات من الوقت.

خدمات لسماسرة السلطة

ونقل التقرير عن موظفين سابقين في مصرف لبنان المركزي ومسؤولين أجانب، تحدثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم، أن سلامة استخدم منصبه أيضاً لتقديم “خدمات لسماسرة السلطة” في النظام السياسي اللبناني. كما حصل أبناء المسؤولين البارزين على وظائف في المصرف المركزي. ويُقال إن رجال الأعمال والسياسيين والصحافيين، الذين يقدّمون تغطية إيجابية عنه، استفادوا كثيراً من القروض المدعومة من مصرف لبنان المركزي وغيرها من الترتيبات المالية.

وفي ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه لبنان، يتساءل بعض اللبنانيين: “كيف يُمكن لسلامة أن يظلّ في منصبه على رأس البنك المركزي في ظلّ سياسته النقدية التي فشلت فشلاً ذريعاً؟”.

وسلامة، يحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، متورط في السياسة اللبنانية منذ أن عينه الشهيد رفيق الحريري حاكما للبنك المركزي في عام 1993. وكان سلامة المصرفي الخاص للشهيد الحريري في ميريل لينش.

وكان الحريري يحاول إعادة بناء لبنان بعد حرب أهلية كارثية دامت 15 عاما، وسعى سلامة إلى تحقيق الاستقرار في العملة وبكرة الاستثمار الأجنبي.

وقد حدد سلامة سعر الليرة اللبناني بنحو 1500 دولار، وهو ربط من شأنه أن يدعم الاقتصاد لأكثر من 20 عاما ولكنه يتطلب تدفقا مستمرا من الدولارات للحفاظ على استدامته.

كان النظام هشا لأنه يخاطر بالانهيار إذا نفدت الأموال. ولكن في كل مرة يواجه فيها لبنان أزمات جديدة، تظل المساعدات الخارجية تأتي. وقد أدى اغتيال الحريري الأكبر في عام 2005 والحرب المدمرة بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006 إلى تدفقات من المعونة الدولية. كان الأثرياء من أبناء الشتات اللبناني يرسلون العملات الأجنبية باستمرار إلى أوطانهم.

وأشاد به مؤيدو سلامة باعتباره منقذا ماهرا للحفاظ على استقرار الاقتصاد في بلد لا يبدو فيه أي شيء آخر. ومع قدوم الحكومات وهروبها، وهي تواجه عجزا مزمنا في الميزانية، تمسك سلامة بزمام الأمور المالية.

بداية مسار الانهيار

وبعد عقود من الاستقرار النسبي، بدأ نظام سلامة في الانهيار. وبحلول عام 2015، كانت نسبة الدين الناتج الاقتصادي في لبنان ، ثالث أعلى نسبة في العالم، حيث بلغت 138 في المائة؛ وعندما تولى سلامة منصبه، كانت 51 في المائة، لتحتل المرتبة 97. وفي الجوار، كانت هناك حرب أهلية مستعرة في سوريا، مما أثار مخاوف من عدم الاستقرار.

وقد طلب من المصارف التجارية، المثقلة بالسندات السيادية اللبنانية المحفوفة بالمخاطر، الاحتفاظ بنسبة 15 في المائة من ودائع العملات الأجنبية في البنك المركزي لدعم احتياطاتها، واجتذب السيد سلامة المزيد من الودائع بأسعار فائدة أعلى.

كما ارتفعت أسعار الفائدة على الودائع بالدولار في البنوك التجارية، في بعض الحالات إلى 20 في المائة أو أكثر، لجذب الدولارات فيما يصفه بعض المحللين بأنه مخطط بونزي، حيث كانت هناك حاجة دائما إلى أموال جديدة لدفع الدائنين.

في أواخر عام 2019، انهار النظام. وفرضت البنوك قيودا على عمليات السحب وبدأ البنك المركزي في الانخفاض في احتياطاته، التي شملت مبالغ كبيرة من أموال المودعين، للحفاظ على ربط العملة بالدولار. وأضرم المتظاهرون المناهضون للحكومة النار في آلات السحب الالي وأغلقت البنوك أبوابها.

وقد أكد عجز الحكومة عن سداد سندات بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس/آذار 2020 على الانهيار. وقال رئيس الوزراء اللبناني حسن دياب في خطاب متلفز ان “ديوننا اصبحت أكبر مما يمكن ان يتحمله لبنان”.

وقد أدت جائحة الفيروس كورونا وانفجار ضخم في ميناء بيروت في  آب/أغسطس الماضي إلى زيادة تدمير الاقتصاد.

وتشير التقديرات إلى أن خسائر البنك المركزي تتراوح بين 50 و60 مليار دولار. وقد عرض صندوق النقد الدولي المساعدة، ولكن المسؤولين اللبنانيين يتهمون سلامة بعرقلة مراجعة الحسابات التي تسعى إليها الولايات المتحدة ودول أخرى من شأنها أن تطلق مساعدات صندوق النقد الدولي “I.M F”، فضلا عن تحقيق منفصل في مزاعم الاحتيال في البنك المركزي.

وقد ودع معظم اللبنانيين أي مدخرات كانت لديهم في الوقت الذي تحطمت فيه العملة، مما أدى إلى خفض الرواتب التي كانت تبلغ قيمتها 1000 دولار شهريا إلى حوالي 80 دولارا. ويحرق البنك المركزي احتياطاته، وينفق نحو 500 مليون دولار شهريا لدعم واردات الوقود والأدوية والحبوب.

للاطلاع على رابط المقال الاصلي اضغط هنا

السابق
بالأرقام.. الليرة اللبنانية أكثر عملة مقومة بأقل من قيمتها في العالم!
التالي
لا صيدليات غدا.. اضراب حتى تنفيذ هذا المطلب!