ضبط التوقيت الأميركي الروسي على «الساعة السويسرية»!

في ١٦ حزيران الجاري، يكون العالم على موعد مع القمة الأولى التي تعقد بين الرئيسين الأميركي والروسي، على التوقيت السويسري وفي جنيف بالتحديد. وعلى جدول الأعمال هنالك حتماً احد البنود الأساسية، ويتعلق بإيجاد سبل لتنظيم العلاقة بين الدولة العظمى ونظيرتها المستعظمة في الآونة الأخيرة.

إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدرك من دون أدنى شك بأن مشكلتها الحقيقة ليست مع جمهورية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي على يقين أيضاً أن المواجهة المستقبلية على هذه المستديرة، لم تعد كما كانت حرباً بالحديد والنار.

الصراع لأجل السيطرة على الأرض وما تحتها و فوقها، وعلى المحيطات والبحار وأعماقها والمضائق والممرات،  باتت مختلفة عما كانت عليه في السابق، هي منذ الامس القريب واليوم، تتطلب كما يرى واضعو الإستراتيجيات في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، آليات عمل مبتكرة متطورة تحاكي الغد المتحور، تبدأ بالإستثمار كما دوماً في العقول، ولكنها لا تنتهي عند حدود إمتلاك ترسانة حربية،  بل تتخطاها لتصل إلى التحكم بصحة الناس ونموهم وطرق تفكيرهم، وتصل إلى حد السيطرة على الوقت المرافق لأماكن تواجدهم.

الولايات المتحدة ترى أن الإتحاد الأوروبي المُترهل بل و العاجز لا يستطيع كما هو دوماً منذ عقود أن يكون في صفها

الدور الروسي بالنسبة للأميركيين، اقله في الوقت الحالي، وتحديدا في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، يقتصر على محاولة إحتواء الكيانات المعادية لها، خصوصاً تلك التي ظهرت مؤخراً جراء الحروب الإقليمية وصمدت،  وكان بنتيجتها أن حجزت مكانا لها وباتت تحصى لأنها وقفت بين الواقفين.

هي اي الولايات المتحدة ترى وبعدما تاكد لها ذلك مع الوقت، أن الإتحاد الأوروبي المُترهل بل و العاجز ، لا يستطيع كما هو دوماً منذ عقود أن يكون في صفها، أو أن يتمم حضورها ويخدم مصالحها، ولأجل ذلك هي ترى في بوتين الصديق اللدود الممكن له إن أتقن دوره، ان يحتوي المعسكر المقابل ويتسيد عليه، و يضمن حضوراً يمكن من خلاله أن يحافظ على نوع من النزاع البارد، المحكوم بخطوط حمر لا يسمح لأي من الأفرقاء، المتخاصمين أو المتعادين مع الولايات الأمريكية منفردين ان يتخطوها.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: بري ودريان على خط «تبريد الإعتذار»..والحريري حسم خياره!

لكن يبقى أن السؤال المطروح اليوم والإجابة عليه مرتبطة بقدرة الجمهورية الروسية على تبوء هكذا مكانة، خصوصا وان القادمين الجدد الأساسيين، الذين افرزتهم الفوضى الأخيرة في المنطقة، يتمتعون بقدر عال من الاستقلالية، ويملكون مقومات فكرية عقائدية وعلمية، وأسلحة وموارد طبيعية وقادة يتفوقون بشكل ملحوظ، أو يتساوون مع ما هو موجود في الدولة البوتينية المستفيقة مؤخراً.

إيران كما تركيا وإلى حد ما السعودية وأقل منها بقليل مصر، لن يرضوا بعد ما تقدم، أو يقبلوا بأن يكونوا أقل من حلفاء كاملين، لهم حق الإختيار والرفض وفق ما تقتضي مصالحهم او حتى طموحاتهم،  وهم قطعاً ما عادوا يستسيغوا التبعية المطلقة التي كانت سائدة منذ عقود، كذلك هي حال الدول المحيطة بهم، المتأثرة بحضورهم والساعية بدورها إلى حجز مكان في مشاريعهم.

دول شرق آسيا واقصاها والصين تلعب هي الأخرى دورا مهما، يمكن للكيانات  ما فوق إقليمية والإقليمية الإفادة منه، خصوصا وانها لا تتبنى سياسات توسعية بالمعنى التقليدي للكلمة، وكل ما تقوم به يندرج تحت مسمى الغزو التكنولوجي العلمي والإقتصادي التجاري، المستغني عن فكرة التواجد في المكان من خلال الإحتلال.

 الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى أن تعود خطوتين إلى الوراء لكي تحسن التقدم خطوة إلى الامام، إدارتها يجب أن تتخلى عن فكرة إبطاء تقدم الدول عبر تدمير المنشأت، عليها أن تسهم في بنائها لأجل الإفادة من قدرتها في تحريك عجلة اقتصادها، الذي بدأ يترنح لعدة أسباب، منها لا إرادية تسببت بها جائحة كورونا و التبدلات الطبيعية، وأخرى أتت بفعل السياسات الخاطئة في زمانها ومكانها، التي أعتمدتها إداراتها السابقة و أدت لاحقاً، إلى نتائج عكسية أفقدتها بشكل او بآخر  مكانتها المتقدمة بين دول العالم. 

 الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى أن تعود خطوتين إلى الوراء لكي تحسن التقدم خطوة إلى الامام

١٦ حزيران الجاري محطة،  لكنها يقيناً لن تكون بداية لإستعادة صورة الجمهورية الفاضلة المكتملة، الولايات المتحدة الأميركية ستخوض في الأعوام المقبلة، منافسة كبيرة شرسة لأجل الحفاظ على وجودها، هي ما عادت تمثل منفردة الجمهورية الحلم المستقرة، التي تصبوا إليها العقول المؤثرة والمتأثرة المهاجرة، والطامحة لتحسين نمط حياتها و بلوغ أهدافها.

السابق
خاص «جنوبية»: بري ودريان على خط «تبريد الإعتذار»..والحريري حسم خياره!
التالي
روسيا تتهم دول غربية بالسعي وراء منع عودة سوريا إلى الجامعة العربية