حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «ولاية الفقيه» تبحث عن «الخليفة المنتظر»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تشكل الانتخابات الرئاسية الايرانية محطة مهمة، في اطار البحث عن الشخصية التي  قد تكون مرشحة في المستقبل لخلافة المرشد الاعلى، بعد وفاته او تمهد الطريق لشخصة اخرى للعب هذا الدور.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران تجمع «مجد» التفاوض والردع من طرفيه!

ومسألة الخلافة بدأت تشغل حيزا مهما من اهتمامات الدولة العميقة والمرشد في السنوات الاخيرة، عبر عنها بوضوح المرشد الاعلى عندما طلب من مجلس خبراء القيادة، التفكير في موضوع الخلافة، وما كشف عنه من تشكيل لجنة ثلاثية، لبحث في الاسماء التي من الممكن ان تتولى هذا المنصب.

الخلافة الرئاسية بدأت تشغل حيزا مهما من اهتمامات الدولة العميقة والمرشد في السنوات الاخيرة

اهمية الانتخابات المقبلة، انها تأتي في اللحظة التي بات فيها “عمر” المرشد يطرح الكثير من الاسئلة، وضرورة البحث عن بديل، وانطلاقا من كون رئيس الجمهورية يعتبر دستوريا، عضوا اساسيا في المجلس الانتقالي للقيادة، بعد وفاة المرشد لقيادة ايران، ومهمة تحديد طبيعة المرحلة التالية، اما باعتماد مجلس قيادة او اختيار شخصية دينية مؤهلة لتولي هذا المنصب، في اطار المحددات التي يضعها مجلس خبراء القيادة، وذلك حسب المادة 111 من الدستور التي تقول “وفي حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، يتولى الخبراء بأسرع وقت تعيين القائد الجديد وإعلان ذلك. وحتى يتم إعلان القائد، يتولى مجلس شورى مؤلف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور، منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام، جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت”.

اهمية الانتخابات المقبلة انها تأتي في اللحظة التي بات فيها “عمر” المرشد يطرح الكثير من الاسئلة وضرورة البحث عن بديل

طببيعة المجلس الانتقالي، قد تساعد على فهم الهدف من استبعاد علي لاريجاني من السباق الرئاسي، لجهة انه اذا ما فاز في الانتخابات سيتحول حكما الى عضو اساسي في المجلس الانتقالي، وبما ان شقيقه صادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي له الحق في انتخاب احد اعضاء مجلس صيانة الدستور الفقهاء لعضوية المجلس الانتقالي، يعني ان لاريجاني الفقيه سيكون الاقرب الى عضوية هذا المجلس، وبالتالي المرشح الاوفر حظا ليكون خليفة المرشد، لامتلاكه صوتين من اصل ثلاثة في المجلس الانتقالي.

لذلك كان لا بد للنظام او الدولة العميقة من ان تضع كل ثقلها، لمنع وصول اي شخصية الى هذا الموقع لا تنسجم مع الاطر والسياقات، التي قام ويقوم عليها النظام والاستراتيجيات التي يسير عليها داخليا وخارجيا. وهو سياق لا يرتبط بمدى ومستوى ارتباط او التزام الاشخاص الاسس العامة للثورة والنظام، بل بمدى التزامها بسياسات وتوجهات الدوائر الضيقة التي تتحكم بالقرار والدولة العميقة من خلف الستار.

كان لا بد للنظام من ان يضع كل ثقله لمنع وصول اي شخصية لا تنسجم مع الاطر والسياقات التي يقوم عليها

 من الملاحظ ان من بين المرشحين السبعة للانتخابات الرئاسية هذه المرة، هناك ممثل واحد للمؤسسة الدينية وهو ابراهيم رئيسي، على العكس من الدورة السابقة التي شهدت معركة قاسية بين رجلي دين، الرئيس الحالي الشيخ حسن روحاني في مقابل السيد ابراهيم رئيسي، لذلك فان الاعتقاد الاول بان يكون رئيسي هو المرشح الذي يريده النظام، هو الاقرب الى واقع التفكير بمسألة خلافة المرشد والمرحلة الانتقالية.

كان من بين المرشحين للانتخابات الرئاسية هذه المرة ممثل واحد للمؤسسة الدينية على عكس الدورة السابقة التي شهدت معركة قاسية بين رجلي دين

والى جانب المحددات الدستورية التي جاءت في المواد 107 الى 112، هناك محددات لم ترد في الدستور، الا انها باتت بقوة المادة الدستورية، وتتعلق بالاتفاق عن ان يكون المرشد من “نسل آل بيت الرسول” اي من السادة الاشراف، ما يعزز الجانب العقائدي في مسألة ولاية الفقيه،  التي تعتبر امتدادا لسلطة الرسول الاكرم وائمة اهل البيت في المذهب الشيعي الاثنا عشري. وهي القاعدة التي تنطبق على الزعيم المؤسس السيد الخميني ومن بعده المرشد الحالي السيد علي خامنئي. اذ يعود نسب الخميني الى الامام السابع من ائمة الشيعة موسى بن جعفر الكاظم، والخامنئي الى الامام الثالث الحسين بن علي بن ابي طالب، وهو النسب الذي يظهر في توقيع كل منهما بحيث وقع الخميني باسم “روح الله الموسوي الخميني” ووقع خامنئي باسم “علي خامنئي الحسيني”.

بالعودة الى رئيسي، فهو يأتي الى رئاسة الجمهورية من موقع رئاسة السلطة القضائية، التي وصلها بتعيين مباشر من المرشد الاعلى وولي الفقيه، الذي يعتبر حسب التعريف الشرعي والديني لهذا الموقع بمثابة “المحتسب”، وان رئيس السلطة القضائية هو بمثابة الذراع التنفيذية للمحتسب في قضايا القضاء. الى جانب انه سيكون قادرا على التعامل بعد انتقاله الى رئاسة الجمهورية مع رئيس السلطة القضائية الذي سيخلفه، لجهة انه سيكون شريكا في اختياره مع المرشد الحالي، فضلا عن كونهما اعضاء دستوريين في المجلس الانتقالي لاختيار المرشد الجديد.

هناك محددات لم ترد في الدستور تتعلق بالاتفاق عن ان يكون المرشد من “نسل آل بيت الرسول” اي من السادة الاشراف

من خلال ما هو ظاهر والاتجاهات التي تسيطر على المشهد الانتخابي، وما يدور من حديث حول خلافة المرشد، يبدو ان كل الشروط المطلوبة لخلافة المرشد متوفرة في شخصية ابراهيم رئيسي، خصوصا وان صناعة البعد الفقهي في شخصيته ومحاولات تأهيله، والتي بدأت منذ سنوات ليكون مرجعا دينيا وفقهيا، وتثبيت مسألة وصوله الى درجة الاجتهاد في الاحكام الشرعية، من خلال عقده لحلقات دراسات فقهية تسمى “البحث الخارج”، التي تعتبر معبرا اساسيا لتأهيل اي مجتهد لمنصب المرجعية الدينية.

المؤشرات تذهب باتجاه تولي رئيسي منصب رئاسة الجمهورية كخطوة على طريق ان يكون المرشح الابرز لتولي خلافة المرشد

في الظاهر، يبدو ان كل المؤشرات تذهب باتجاه تولي رئيسي منصب رئاسة الجمهورية، كخطوة على طريق ان يكون المرشح الابرز لتولي خلافة المرشد الاعلى، الا انه قد يكون من الصعب الجزم في نهائية رئاسته، فضلا عن مسألة “الخلافة” بانتظار اختبار قدرته على تقديم تجربة مختلفة في قيادة السلطة التنفيذية، فضلا عن مسألة قد تعتبر اخطر، وهي معرفة ما تخطط له وما تريده الدولة العميقة ومؤسسة حرس الثورة من المرشد الجديد، لجهة انها ستكون اللاعب الرئيس في تحديد الخليفة، وحدود دوره وسلطته في المستقبل.

السابق
جرائم حرب فساد.. ٥٧ مسؤولاً لبنانياً أدرجوا على لائحة الانتربول: ما القصة؟
التالي
«حزب الله» إن حَكَمَ.. الضاحية نموذجاً!