«حزب الله».. «الدويلة الواهمة» مكان «الدولة الواهنة»!

علي الأمين
لم يعد خافيا على أحد ان منظومة "حزب الله" بما لها وعليها لبنانيا وايرانيا، تسعى بكل ما اوتيت من فائض قوة، الى دك مفهوم الدولة والمؤسسات، والترويج "الممنهج" للإبتعاد عن التعويل عليها ككيان جامع حاضن لكل أبنائه، في ظل تمدد "غيتوات" هجينة يحاول عبرها ارساء "دويلته" مكان الدولة، في ظل الإنهيار السريع المشهود والإنفجار الكبير المتوقع، ولو وهماً وزورا و بهتانا.

واهم من يعتقد انه قادر على التعامل مع الانهيار المتدحرج الذي يطال قطاعات الدولة، من خارج ذهنية الدولة، ومن خارج السياسات العامة والاجراءات، التي تنطلق من رؤية وطنية تهدف لانقاذ لبنان الشعب والمؤسسات، وبث الحياة في شرايين الاقتصاد.

إقرأ أيضاً: علي الأمين: الإنتخابات الرئاسية في «قبضة المرشد»..وطهران نحو تنازلات مؤلمة في الملف النووي!

واهم من يعتقد ان سياسة الهروب الى الأمام ستنقذ المنظومة الحاكمة، عبر التلطي والتمترس بخطاب فئوي طائفي او حزبي، يتوهم من خلاله القدرة على توفير حصن العصبية لأطراف هذه المنظومة، معتقدين أن تسعير هذا الخطاب كفيل بانقاذ اصحابه.

مهما بلغت الدولة ومؤسساتها من ضعف، تبقى الأقدر على استيعاب التحديات ومواجهتها

القدرة على توفير فرص وقف الانهيار على مستوى الدولة، هو الأقل كلفة من محاولة الانقاذ على المستوى الفئوي او المناطقي او الحزبي، فمهما بلغت الدولة ومؤسساتها من ضعف، تبقى الأقدر على استيعاب التحديات ومواجهتها، بينما القوى الحزبية او الهيئات الدينية والطائفية وغيرها من الجمعيات هي اعجز من ان توفر حلولا، قصارى جهدها هو الاغاثة لمدة زمنية قصيرة  وضمن قدرات مادية محدودة، النفط والدواء والكهرباء والاستشفاء والقمح وضبط الأمن والقضاء، هذه بعض من عناوين لا يمكن لغير الدولة ان تتصدى لها، مهما كانت كفاءة هذا الحزب او ذاك وهذه الجمعية او تلك..

رغم محدودية المستفيدين من مبادرات “حزب الله” على المستوى الشيعي اي ان مبادراته لم تطل اكثر من ٢٠ في المئة من المحتاجين

قد يقول قائل ان “حزب الله” يستطيع ان يحفظ بيئته، او ما يسميه البعض البيئة الحاضنة، وانه الأقدر على توفير الحاجيات والخدمات الاساسية في مناطق نفوذه، او بوصف ادق مناطق الجنوب وبيروت والضاحية والبقاع الشمالي،  ليس تقليلا من قدرات “حزب الله” واستعداداته، لكن من المؤكد ان قيادة الحزب  تعرف انها اعجز من ان تقوم بهذه المهمة، فتلك من مهمات الدول والحكومات والادارة العامة، وعلى رغم المحاولات التي قام بها الحزب، سواء على مستوى الصحة، عبر استعراض امكانيات الهيئة الصحية في بداية جائحة الكورونا، او الترويج لبطاقة الامام السجّاد التي جرى توزيعها على الاف العائلات، وعلى رغم العديد من الخطوات في توزيع حصص غذائية، او مساعدات مالية في اكثر من منطقة، فان المفارقة الاولى هي انه على رغم محدودية المستفيدين من مبادرات “حزب الله” على المستوى الشيعي، اي ان مبادراته لم تطل اكثر من ٢٠ في المئة من المحتاجين، وهي نسبة ليست قليلة لحزب يقوم بهذه المهمة، ولكنها  قليلة اذا ما نظرنا الى المجتمع المستهدف اي الشيعة.

الدولة ولو كانت ظالمة، هي افضل من الاحزاب والميليشيات ولو كانت عادلة

المفارقة الثانية، وهذا ما يعرفه الكثيرون، ان المال العام اي مال الدولة كان مصدرا اساسيا في هذه المعونات، سواء من الدعم الذي يوفره مصرف لبنان للغذاء والدواء، او من خلال المساعدات من البنك الدولي عبر وزارة الصحة، او “اليونيسف” او المساعدات الدولية للدولة اللبنانية، والتي ينال الحزب ومؤسساته جزء منها، انطلاقا من كون مؤسساته هي جمعيات وله نفوذ في معظم الوزارات والمؤسسات العامة، التي تتوفر من خلالها فرص الاستفادة اكثر من سواه، من الدعم الرسمي الداخلي والخارجي.

الانهيار لن يعفي حزب الله من تداعياته، بل سيكون الأكثر تضررا

وبعيدا عن الإستغراق في تفاصيل معروفة عن آلية استفادة “حزب الله” ومؤسساته من المال العام بشكل مشروع وغير مشروع، لا بد من التركيز على ان الانهيار لن يعفي حزب الله من تداعياته، بل سيكون الأكثر تضررا، بسبب كونه الأكثر حضورا والاكثر استفادة من موارد الدولة على صعد مختلفة.

“حزب الله” هو حزب، بل هو اقرب للجهاز الأمني والعسكري من اي شيء آخر، قد يستطيع ان يعيل محازبيه بتوفير المال لبعضهم، لكنه اعجز من ان يوفر خدمات عامة تعتبر من وظائف الدولة، ميزة الحزب في الأمن والسلاح والقتال، اما الاقتصاد والتنمية والتجارة والنفط والقضاء والكهرباء، والخدمات المتصلة بمسؤوليات الحكومة، فهي اكبر من ان يتحمل مسؤولياتها ولو على مستوى جغرافي وديمغرافي ضيق، لأنها ليست من اهتماماته كحزب ولا من خبراته، خبرته في حيّز آخر، لذا فالانهيار الذي يطال لبنان سيصيب الجميع، والقول من مؤيدين ومعادين ل”حزب الله” ان لديه القدرة على النجاة من تداعياته، وحماية مناطق نفوذه اجتماعيا ومعيشيا، هي مقولة تتكشف هشاشتها امام صفوف الباحثين عن الدواء والبنزين والمازوت في الجنوب والبقاع، وتتكشف هشاشتها في كل القرى والبلدات في هذه المناطق، بعدم قدرته على تلبية المحتاجين من الموالين له للمساعدة، الا من كان ذو حظ وحظوة.

سيكتشف اللبنانيون او بعضهم، كم ان الدولة ولو كانت ظالمة، هي افضل من الاحزاب والميليشيات ولو كانت عادلة، فكيف اذا كان العدل عندها مفتقد ومنتهك، على قاعدة “ظلم في السوية عدل في الرعية”!

السابق
ضوء في النفق الأسود.. فرنسا تُدرج لبنان على «القائمة الخضراء»!
التالي
مستشارة دياب وتصريحات «غير مهنية» حول لقاح كورونا: كلّنا رح نموت!