كي لا يتحوّل انتصار «حماس» هزيمة فلسطينية..

هل يمكن لـ”حماس” الخروج ببرنامج سياسي واضح يستند إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة بدل الشعارات الطنانة الفارغة من أيّ مضمون؟ هذا هو التحدي الذي يواجه الفلسطينيين من جهة ومصر من جهة أخرى.

بعد ما يزيد على عشرة أيّام على وقف إطلاق النار في غزة، يمكن الكلام  عن أن ثمة ثلاثة معطيات جديدة – قديمة على الصعيدين العربي والفلسطيني. هناك قبل كلّ شيء انتصار كبير لـ”حماس” التي أثبتت أنّها أصبحت المحاور الفلسطيني الذي ليس في الإمكان تجاوزه. عمليا انتصرت “حماس”، التي خطفت انتفاضة القدس وحيّ الشيخ جرّاح بفضل صواريخها، على السلطة الوطنيّة الفلسطينية. كذلك، انتصرت على أهل غزّة الذين تبيّن أنّ خيارهم الوحيد هو البقاء رهائن لدى الحركة والحصار المفروض على القطاع بتفاهم إسرائيلي – حمساوي. لا يتقن مثل هذا النوع من التفاهمات سوى تنظيم الإخوان الذي لا تستطيع “حماس”، مهما نفت ذلك، سوى أن تكون جزءا لا يتجزّأ منه.

المعطى الثاني هو مصر ودور مصر في غزّة. كان لمصر، باعتراف كلّ الأطراف المعنيّة، بمن في ذلك الإدارة الأميركية، دورها في التوصّل إلى وقف إطلاق النار في غزّة بعد أحد عشر يوما من القصف الإسرائيلي وإطلاق “حماس” لصواريخها التي طاولت تل أبيب. ليس معروفا بعد كيف ستتابع مصر تأكيد دورها في غزّة وتكريسه لمصلحة أهل القطاع الذي كان تحت إدارتها حتّى العام 1967، عندما سقط في مثل هذه الأيّام من تلك السنة تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي استمرّ حتّى آب – أغسطس 2005.

اقرأ أيضاً: «المقاومة» حرّرت جنوب لبنان و«احتلّت» الدولة

المعطى الثالث هو الأردن وموقفه الذي عبّر عنه في السنوات العشرين الأخيرة الملك عبدالله الثاني. تظلّ الخطوط العريضة للسياسات الفلسطينية للعاهل الأردني، منذ خلف والده في العام 1999، امتدادا لتلك التي اتبعها الملك حسين. ما فعله عبدالله الثاني، على الرغم من كلّ الأحداث الكبيرة في المنطقة، كان التأكيد أردنيا المرّة تلو الأخرى على وجود حاجة إلى تسوية في فلسطين على أساس خيار الدولتين على أن تكون القدس الشرقيّة عاصمة الدولة الفلسطينية. كلّف هذا الموقف، الذي ذهب العاهل الأردني في إحدى المرّات إلى الكونغرس بمجلسيه للتعبير عنه، الكثير. كلّفه مواقف سلبيّة أميركية من الأردن في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي طرح “صفقة العصر” بديلا من خيار الدولتين. كلّفه أيضا عداء، اتخذ في أحيان كثيرة الطابع الشخصي، مع بنيامين نتنياهو المتخصّص في الإساءة إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة ودورها الإيجابي إقليميا.

يمكن أن تكون للمعطيات الجديدة – القديمة نتائج إيجابيّة في حال توافر شروط معيّنة في مقدّمها الرغبة الأميركية في الذهاب بعيدا في خيار الدولتين. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه، هل يمكن لـ”حماس” الخروج ببرنامج سياسي واضح يستند إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة بدل الشعارات الطنانة الفارغة من أيّ مضمون؟ هذا هو التحدي الذي يواجه الفلسطينيين من جهة ومصر من جهة أخرى. لا يمكن بالطبع تجاهل الدور الخليجي في هذا المجال، كذلك الدور الأردني. كانت لافتة الزيارة الأخيرة التي قام بها لعمّان الشيخ محمّد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي ومحادثاته مع الملك عبدالله الثاني من أجل المزيد من التنسيق بين البلدين.

في كل الأحوال، ما سيطرح في نهاية المطاف هل في الإمكان انتزاع “حماس” من إيران أم لا؟ كيف العمل من أجل توقُّف استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في الحرب التي تخوضها “الجمهوريّة الإسلاميّة” من أجل إثبات أن مشروعها التوسّعي قابل للحياة؟

كشفت الحرب الأخيرة في غزّة إفلاس السياسة التي اتبعها بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي عموما، وهي سياسة قائمة على فرض أمر واقع على الفلسطينيين. أثبت الفلسطينيون أنّهم شعب واحد موحّد وأن الظلم الذي يشعر به كلّ من في غزّة والضفة الغربيّة والقدس، يشعر به أيضا الفلسطيني الذي يحمل الجنسيّة الإسرائيلية الذي يقيم في حيفا وعكّا واللد.

من هنا، تظهر الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى موقف عربي موحّد يستهدف استعادة “حماس” من الإيراني وذلك عن طريق الاستعانة بالموقف الأميركي الإيجابي من خيار الدولتين.

مرّة أخرى، ثمّة ضرورة إلى خروج “حماس” ببرنامج سياسي واضح يؤكّد أنّ لدى الحركة همّا آخر غير خدمة إيران وأن الدمّ الفلسطيني غال. لعبت صواريخ “حماس” دورها السلبي في خدمة إسرائيل وفي إلحاق مزيد من الدمار بغزّة وأهلها، فضلا عن جعل العالم يتغاضى عن الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة.

لا شكّ أن لمصر دورا مهمّا، بل محوريا، تلعبه في تحديد مستقبل غزّة وجعل “حماس” تستعيد رشدها بدل الاعتقاد أنّ في استطاعة صواريخها تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو من النهر إلى البحر، لا فارق. استطاعت هذه الصواريخ خطف ثورة أهل القدس، واستطاعت كشف عجز السلطة الوطنيّة الفلسطينية المقيمة في رام الله، واستطاعت تكريس “حماس” كمحاور باسم الشعب الفلسطيني على حساب سلطة رام الله. هذا واقع لا يمكن تجاوزه، اللهمّ إلّا إذا أثبتت السلطة الوطنيّة أنّ لديها ما تقوم به غير العمل من أجل استمرار الوضع الراهن الذي يسيطر عليه الجمود. إنّه جمود على كلّ صعيد وفي كلّ مجال. كان أفضل تعبير عنه تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية إلى أجل غير مسمّى بحجة أن إسرائيل ترفض مشاركة أهل القدس في هذه الانتخابات. معنى ذلك أن لا حاجة إلى انتخابات رئاسيّة وأن محمود عبّاس (أبومازن) سيبقى رئيسا مدى الحياة للسلطة الوطنيّة.

هل في الإمكان استثمار ما تعتبره “حماس” انتصارا في خدمة الشعب الفلسطيني أم يظلّ الدوران الفلسطيني في حلقة مقفلة، أقلّه منذ صيف العام 2005، تاريخ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة؟ بدل لعب دور في جعل قطاع غزّة نموذجا لما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية مسالمة ومزدهرة، لجأت “حماس” إلى الترويج لفوضى السلاح وصولا إلى إقامة إمارتها الإسلاميّة ابتداء من منتصف العام 2007 وطرد “فتح” بكلّ ما ترمز إليه من غزّة.

ما الذي ستفعله “حماس” بانتصارها؟ سيعتمد الكثير على وجود جهة عربيّة تنتشلها من براثن إيران وذلك كي لا يتحوّل الانتصار الحمساوي هزيمة فلسطينية أخرى.

السابق
الحريري غادر عين التينة من دون الادلاء بتصريح.. هذا ما كشفته أوساط بري؟
التالي
إلى الأسر الأكثر فقراً.. تعميمٌ هام من وزارة الشؤون الإجتماعية