بوجه التعصّب والتطرف.. الثقافة خط الدفاع الأخير للتعبير عن الهوّية

عبد الحسين شعبان

تحت عنوان : “تحديات الثقافة والمثقف ومستقبل دورهما البنيوي والتربوي في العالم العربي بعد جائحة كورونا”، افتتح مؤتمر القمة الثقافي العربي الثاني أعماله، يوم الخميس الفائت، في ميسان العراقية بمركز مدينة العمارة، بحضور رسمي وثقافي.

اقرأ أيضاً: تحديات الثقافة والمثقف العربي في مؤتمر القمة الثقافي العربي الثاني

أكد د. عبد الحسين شعبان، في كلمته على ان الثقافة هي خط الدفاع الأخير للتعبير عن الهوّية بما تملكه هذه الأخيرة من مشتركات للمثقفين العرب على امتداد الوطن العربي وخارجه طالما تكون الثقافة جامعة وموحّدة، باللسان والتعبير والجمال بوجه التعصب، ووليده التطرّف، وهذا الأخير إذا ما تحوّل من التفكير إلى التنفيذ وصار سلوكاً سيغدو عنفاً، والعنف إذا ضرب عشوائياً يتحوّل إلى إرهاب، والإرهاب إذا استهدف إضعاف ثقة الدولة بنفسها، أو إضعاف ثقة المجتمع والفرد بالدولة وكان عابراً للحدود وسيصبح إرهاباً دولياً.

وشدد على ان الإرهاب نقيض الثقافة، لأن الثقافة تقوم على المعرفة، والمعرفة قوة وسلطة حسب الفيلسوف فرانسيس بيكون، ولكن ليس كل معرفة أو سلطة ثقافة، فالثقافة سلوك، وهي مثل الحياة شأن متطوّر ومتغيّر، وسلطة المثقف هي معرفته ووسيلته الإبداعية، ولذلك كان غوبلز وزير الإعلام النازي في عهد هتلر يردّد: “كلّما تناهى إلى سمعي كلمة ثقافة تحسّست مسدسي”، لأن المثقف وهذا ما يفترض، هو مَن يشيّع قِيَم الحرية والجمال والتسامح والسلام، وليس كل مَن امتلك معلومات، أصبح مثقفاً، لأن الثقافة سلوك وطريقة حياة وعيش، وهذه مثل الحب لا تأتي مرّة واحدة، بل بالتدرج والتراكم والتطوّر والاختبار لتأسيس أسمى العلاقات الإنسانية خارج دوائر الكراهية والحقد والقبح. وعلى المثقف الحقيقي أن ينأى بنفسه من الانخراط في ذلك متمسكاً بقيمه الثقافية، والعنف ليس بالعنف، والقتل ليس بالقتل، والدم ليس بالدم، فرذيلتان لا تنجبان فضيلة، وجريمتان لا تنتجان عدالة، وحربان لا يوفران سلاماً. والثقافة هي السلاح الأمضى في مواجهة التسلط والاستبداد واللاّمساواة.

وتابع :لقد كلّفني ثلّة من زملائي من المثقفين العرب، التحدث باسمهم في هذا المؤتمر الثقافي الثاني، الذي هو فعل حضور وتحدّ في تعزيز التنمية الثقافية، وقد خصّصت مؤسسة ثقافية عربية كبرى من العام 2008  إلى اليوم أحد عشر تقريراً سنوياً لمناقشة التنمية الثقافية، خصصتها للتعليم العالي والبحث العلمي، وللمعلوماتية واقتصاد المعرفة وتصدّعات الهوّية وقضايا الثقافة والتكامل الثقافي والإبداع الثقافي وجاءت على تضاريس التنمية الثقافية العربية، وأعتقد أننا بحاجة إلى إعادة قراءة الواقع بكل طوباغرافياته الثقافية ووعورة جغرافيته أحياناً، بهدف مواجهة التحديات الراهنة والارتقاء بدور الثقافة لتصبح فعل مقاومة ثقافية حقيقية، وهو الأمر الذي يليق بالمثقّف الحقيقي”.

واضاف “لقد اضطلع الأديب محمد رشيد بمهمة الإعداد لمؤتمر المثقفين العرب، وهذه تجربته النوعية وهي مسؤولية أكبر من فرد أو حتى مؤسسة، فما بالك حين يكون بإمكانات شحيحة وظروف معقدة وأوضاع قاسية، لكن ما يحسب له هو الحلم وروح المغامرة، ففي كل عمل تأسيسي نحتاج إلى الحلم والمغامرة، أفلسنا نغامر حين نبحث عن الحقيقة؟”.

واشار الى انه “أستطيع القول أنه ذهب أبعد من ذلك ليصبح “مثقفاً إنتحارياً”، إلاّ أن شفيعه هو محبة كوكبة من المثقفين العراقيين والعرب الداعمين لمشروعه، الذي أصبح مشروعهم حين وضعهم أمام الأمر الواقع وهدفه إعلاء شأن الثقافة واستقلالية المثقف، لذلك دعمت نخبة من المثقفين برامجه ورفدته بالمقترحات والآراء محاولة تشذيب بعض الآمال الكبيرة والطموحات العظيمة لتكون أقرب إلى الواقع، بل لتصبح ممكنة التطبيق، وبتواضع أقول كان لي منذ البداية شرف الإشراف والمساهمة في هذا المشروع الثقافي – الإنساني، الحضاري، المدني السلمي، استناداً إلى معرفتي الشخصية به والتي تمتد إلى سبعة عشرعاماً وفي مجالات مخلتفة وأطر متعددة، حيث كان مثالاً بإخلاصه للثقافة وحرصه على تكريم المثقفين العرب بمبادرات حيوية، ابتداءً من جائزة العنقاء ومروراً ببرلمان الطفل ووصولاً إلى المؤتمر الثقافي العربي.

وتابع “أملنا كمثقفين عراقيين وعرب أن يستمر هذا المشروع وأن يتطوّر ويحظى بالدعم المطلوب والمساندة اللازمة من كل مَن يعتبر الثقافة طوق النجاة الأخير لوحدة مجتمعاتنا وهوّيتنا الموحّدة وإسهامنا في الثقافة العالمية، لا سيّما الإقرار بالتنوّع والتعدّدية واحترام الحق في الاختلاف، والأساس في ذلك تعزيز التنمية الثقافية بفروعها المختلفة وموزاييكها الملوّن خارج الدوائر التقليدية الضيّقة. ولعل المشاريع والمبادرات مهما بدت صغيرة ومتواضعة فإنها لو اجتمعت وتلاقحت مع بعضها فإنها يمكن أن تُنشأ حالة ثقافية تجديدية، خصوصاً إذا ما توفّرت الإرادة الطيبة والمستلزمات المادية الضرورية”.

السابق
تذاكر السفر بالـ «فريش» دولار ابتداء من الأسبوع المقبل.. كيف ستكون الأسعار؟
التالي
وضع نصر الله الصحي تابع.. هذا ما كشفه وئام وهاب!