حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: نعم للصواريخ.. ولكن!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

هدأ القصف في ربوع فلسطين وانجلى غبار المعارك والقذائف والصواريخ فيها، عن آثار وحقائق جديده، أول النتائج التي صدرت كانت اعلان الأطراف جميعا، كل بذاته، انتصارَه في المواجهة، فبنيامين نتنياهو الذي قامر بهندسة هذه الحرب واستدراج نيرانها، أعلن انه انتصر علي حركه حماس و دمر بنيتها التحتية و انفاقها، وأنه قام بإعادتها الى الوراء سنوات عديدة، من ناحية اخرى اعلنت حركه حماس انها انتصرت على اسرائيل، وانها هزت امن الكيان الصهيوني بعد أن قصفت مدن كيانه الرئيسية، وأظهرت قدرتها العسكرية علي ان تطال قلب التجمع السكاني اليهودي.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: كانت تسمى فلسطين.. صارت تسمى فلسطين!

طبعا نستطيع ان نضيف الى لائحة المنتصرين في هذه المعركة الحكومة المصرية بقياده الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تولت هندسة وقف اطلاق النار وعملية الوصول الى تهدئة، تعيد الأمن الى كل المدن الفلسطينية، كما نستطيع ان نضم الى لائحة المنتصرين ايران، كونها قد نالت ثناءً وشكرا من السيد اسماعيل هنيه، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لأنها زودته بالمال والصواريخ، من اجل ان يقاتل بها، كما يتبدى من هذه القراءة المتسرعة لانسياب الاحداث وظواهر مجرياتها، ازمة السلطة الفلسطينية وقيادة ابو مازن وفشل رهاناتها للوصول لتسوية مع اسرائيل، كما يمكن استنتاج فشل صفقة القرن، واتفاقيات “سلام ابراهيم” الذي اودى لعلاقات تطبيع عربية مع دولة الكيان، قامت بها دول الامارات والبحرين والسودان وغيرها.

أول النتائج التي صدرت كانت اعلان الأطراف جميعا، كل بذاته، انتصارَه في المواجهة

ولعل هذه القراءة تعكس سطح الاحداث وتعليقات الخبراء على مجريات الوقائع اليومية، وتشكل مصدرا لتغذية العواطف الشعبية ولتصاعد التعبئة المعنوية، وصولا الى مواقف ومعان رمزية ترضي وجدان الجماعة، بدل تغيير الواقع وتعديل موازين القوى .

على هذا المنوال تتعالى الاصوات لتعلن انتصار خط المقاومة، واقتراب موعد الصلاة في المسجد الاقصى، وانكشاف ضعف الكيان الاسرائيلي وهشاشة بنيانه ! ويترافق هذا الجو الانتصاري مع حملة تخوينية تدين عجز الانظمة العربية، وتواطئها وضعفها امام اسرائيل، وخضوعها لأميركا وسياساتها المنحازة للعدو.

تتعالى الاصوات لتعلن انتصار خط المقاومة واقتراب موعد الصلاة في المسجد الاقصى وانكشاف ضعف الكيان الاسرائيلي

حسنا، ماذا يعني انتصار خط المقاومة في فلسطين ؛ غير سيادة برنامج حركة حماس ومعها حركة الجهاد الاسلامي! وماهي بنود هذا البرنامج واستراتيجيته في المشروع الوطني الفلسطيني!؟

وهل يندرج مشروع حماس والجهاد في المشروع التاريخي، من اجل ان ينال شعب فلسطين حقوقه غير القابلة للتصرف، في العودة وتحرير الارض والاستقلال الوطني واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، او في ازالة الطابع العنصري للكيان الصهيوني، وتفكيك نظام الابارتيد الذي يتم بناؤه بعد التشريع القانوني لتكون اسرائيل دولة يهودية!؟ وهل الطبيعة الدينية الاسلامية للحركتين، تساعد في مواجهة مشروع الدولة اليهودية أم تشكل تبريرا لها!؟.

قد يقول قائل ان مساهمة حماس في المعارك العسكرية، ضد جيش الكيان وتطوير ادواتها العسكرية، قد شكل اداة وعاملا لتعزيز الموقف الفلسطيني، وصناعة صموده النضالي وكفاءته الكفاحية… هذ ا صحيح لكن صحته هذه تشي بحقيقة مؤلمة، وهي ان دور حركتي حماس والجهاد يكون ايجابيا، بقدر ما يكون جزئيا ومضافا على البرنامج الوطني الفلسطيني، أما عندما تتحول الحركتان الى قيادة كلية وفعلية، برنامجا وعقيدة، للعمل الوطني الفلسطيني، فان نتائج سلبية ومدمرة قد تلحق بالقضية وتحالفاتها، بحيث تضيق دائرة مؤيدي القضية وانصارها، فيما تتوسع دائرة الاعداء وتزداد اعداد منتسبيها، ويظهر ذلك من حجم العداء العربي والدولي لمنظومة الاسلام السياسي وتفريعاته المختلفة، وصولا الى شبه الاجماع الدولي على محاربة الاسلام الجهادي.

دور حركتي حماس والجهاد يكون ايجابيا بقدر ما يكون جزئيا ومضافا على البرنامج الوطني الفلسطيني

قد تكون صواريخ حماس والجهاد مفيدة في استنهاض همم الفلسطينيين، وكسر غطرسة جنرالات اسرائيل، لكن انتصار فلسطين لا يتحدد بكفاءة الصواريخ، ولا بعددها ولا بطول مداها، ولا بجعل القضية الفلسطينية صراعا بين الاسلام وايمانه في مواجهة الغرب وكفره، ولا بإقامة نموذج لدولة اسلامية في غزة تفرض الشريعة الاسلامية وحدودها، بديلا لدولة ديموقراطية علمانية طالبت بها الحركة الوطنية الفلسطينية منذ منتصف القرن الماضي، وفي مواجهة مشروع صهيوني شكل اول اصولية دينية، استغلت النصوص التوراتية لتقيم مستعمرات استيطانية وتطرد شعبا من وطنه.

ان البرنامج الذي يؤمن تقدم وانتصار القضية الفلسطينية، هو البرنامج الذي يضعها في سياقها التاريخي الصحيح، كقضية تحرر وطني لشعب احتلت ارضه من قبل احتلال استيطاني اجلائي، ومورست بحقه عمليات ابادة وتطهير عرقي، كما حولت مناطق الضفة الغربية وغزة، الى معازل مدنية، مقطعة الاوصال بعضها عن بعض، تشبه سجون جماعية تطوقها اما مستعمرات استيطانيه، واما جدران فصل عنصري او حواجز عسكرية، اما من بقي من السكان الاصليين في حدود ال ٤٨، فيخضعون لنظام ابارتيد وفصل عنصري، يترسخ تباعا بعد إعلان يهودية الدولة في الكيان.

انتصار فلسطين لا يتحدد بكفاءة الصواريخ ولا بجعل القضية الفلسطينية صراعا بين الاسلام وايمانه في مواجهة الغرب

ان وضع قضية فلسطين على لوحة حق الشعوب، في تقرير مصيرها وفي الاستقلال الوطني ودحر الاحتلال، وعلى ميزان حقوق الانسان في الحرية السياسية وحرية التجمع والتعبير والنشر، واحقاق العدالة، وحماية الملكية والانصاف بالمساواة، كما الحق بالسكن والتنقل والتعليم والعمل والصحة والهوية الوطنية، وحماية الطفولة والامومة، هي شروط شارطة لتكون هذه القضية في ضمير احرار العالم وعلى جدول قضاياهم المدعومة…. ولذلك فأن اسلمة الصراع والدفع باتجاه أن يكون البعد الديني وجها غالبا ووحيدا للقضية، سيكون صبا للماء في طاحونة العدو ورواياته التلمودية.

اسلمة الصراع سيكون صبا للماء في طاحونة العدو ورواياته التلمودية

إن قراءة موضوعية للتطورات العميقة التي ينبغي البناء عليها، وتطوير اشكال كفاحية وقيادات بديلة لاستثمارها، تتركز بثلاثة امور بالغة الأهمية:

  • اولا: التحرك العارم لعرب المناطق المحتلة داخل الخط الاخضر، الذين انتفضوا في كل البلدات والقرى العربية والمختلطة، واداروا مواجهات جماهيرية شاملة، بعضها وصل الى حد العنف المسلح داخل المدن المختلطة في عمق الكيان الاسرائيلي، والذي شكل ظاهره جديده، غير مسبوقة، في الصراع الفلسطيني _الاسرائيلي، والذي وضع علي جدول الاعمال الدولي والعربي والاسرائيلي، انه هناك حوالي ربع سكان الكيان الاسرائيلي من العرب حاملي الجنسية الإسرائيلية، يواجهون معضله التمييز العنصري في نظام فصل عنصري معلن، بعد ان تم تشريع قانون في الكنيست الصهيوني، يقول بان اسرائيل هي دوله يهودية، بما يجعل من الأقلية العربية جالية من الدرجة الثانية، وبما يحرمها من حقوق المساواة والمواطنة داخل الكيان.

ان تطوير نضالات هؤلاء وتأطيرهم سياسيا، تحت شعار المساوة في الحقوق ومواجهة العنصرية وسياسات الاقصاء والتمييز، باشكال نضال سلمية جماهيرية تتجنب الانزلاق الى العنف او التهديد به، وتتفاعل مع قوى يهودية معتدلة وتوسع فعاليتهم السياسية والثقافية والاقتصادية داخل الكيان، سيكون محورا اساسيا في انتصار القضية والعدالة.

نعم لصواريخ حماس تشد ازر النضال الفلسطيني لا لبرنامج حماس ولا لأجندتها الاقليمية، ولا لرؤيتها الدينية للقضية

  • ثانيا : انهيار جدار الرواية الاسرائيلية في دول الغرب واميركا، وسيادة منطق جديد في الاعلام ومؤسسات الرأي والسياسة، حول الحقوق الانسانية المتساوية للفلسطينيين كما للاسرائيليين، والاستنتاج الاميركي والاوروبي ان المعالجة الحقيقية لازمة انفجار العنف، هو بإنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. ان جهدا منسقا لدول عربية واسلامية مع الدول الكبرى في العالم، يمكن ان يلجم سياسات اليمين الاسرائيلي في متابعة توسيع الاستيطان والاستيلاء على أراض جديدة.
  • ثالثا: رفع الحصار عن غزة واعادة اعمارها بمساعدة دولية وبإشراف مصري. ان الحرص على انجاز هذا الامر وتسهيل حدوثه باقصى سرعة ممكنة، سيجعل من القطاع قلعة اشد قوة وأكثر صلابة، وقاعدة تحمي الخيارات الفلسطينية، وتمد نضال الشعب الفلسطيني باسباب الصمود والمثابرة.

بكلمة مختصرة، نعم لصواريخ حماس تشد ازر النضال الفلسطيني، وتردع ما أمكن ممارسات اسرائيل وجرائمها، لا لبرنامج حماس ولا لأجندتها الاقليمية، ولا لرؤيتها الدينية للقضية ولا لسقفها السياسي، خاصة في ما خص نضال عرب فلسطين داخل الخط الاخضر. ونعم لوحدة نضال الشعب الفلسطيني في كل مواقعه، وان اختلفت وتعددت اشكال ووسائل هذا النضال.

السابق
حزب الله «يتلصص» على «أهل بيته».. وتوجس من مصير «الداتا»!
التالي
3 مبادرات حكومية.. بري يدفع باتجاه التهدئة: فرصة اخيرة سقفها الاعلى اسبوعان