حزب الله «يتلصص» على «أهل بيته».. وتوجس من مصير «الداتا»!

اوتستراد هادي نصرالله - الضاحية الجنوبية لبيروت
في العام 2018 صدمت سيارة المواطنة الشيعية نديمة السبلاني (أم فؤاد )، في منطقة الصفير في الضاحية الجنوبية، ما لبثت ان فارقت الحياة، أما السائق فقد توقف قليلا قبل ان يفر بسيارته الى جهة مجهولة، ولم تعرف هويته حتى اليوم.

لم يتوقع أبناء أم فؤاد، ان رحلة البحث عن السائق ستكون مستحيلة ويطول أمدها، ظنا منهم أن الكاميرات الامنية المتطورة التي زرعها “حزب الله”، والتي ترصد بدقة وعناية معظم شوارع الضاحية، ستؤدي حكما وبطييعة الحال الى إكتشاف السائق الجاني، خصوصا مكان الحادث الذي يقع ضمن مربع أمني يضم مجمعات الكاظم والمجتبى والقائم وقناة المنار.

 توقع الأبناء وهم في بلاد الإغتراب، أن “شيعية” أم فؤاد والإنتماء إلى بيئة المقاومة، سيرأفان بهم و بمظلومية الأم المؤمنة وحرمة الموت.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» ينفض غبار «الصواريخ» عن «سرايا المقاومة»..و«غضب» عوني على بري والحريري!

الكشف عن القاتل لم يكن يحتاج سوى لقرار إنساني وكبسة زر، الا أن ذوي الضحية فوجئوا بمماطلة مسؤولي الحزب، وتقاذف المسؤوليات فيما بينهم قبل أن يأتي الجواب بالرفض، من دون أي مبررات منطقية، فيما القوى الامنية الشرعية كانت بحاجة لاذن من الحزب، للدخول الى “منطقة نفوذه” وفتح تحقيق جدي بالحادث. لجأ أبناء الحاجة نديمة الى قيادات شيعية عدة، املا بالمساعدة للكشف عن هذه القضية الانسانية، الا انهم لم يلقوا منهم سوى التهرب المستغرب والصمت، الى ان عاد أبناء الراحلة الى بلاد الاغتراب، تاركين خلفهم خيبة أمل وانقلاب صورة وضريح يئن وجعا.

ما غاية هذه الكاميرات التي تستبيح خصوصيات المواطنين اذا كانت ستتجاهل المجرمين والخارجين عن القانون؟


هذه الجريمة الانسانية، وغيرها من الجرائم والحوادث وأعمال النشل المتنقلة والاشتباكات المسلحة، في شوارع الضاحية، تطرح سؤالا وحيدا، ما غاية هذه الكاميرات التي تستبيح خصوصيات المواطنين، اذا كانت ستتجاهل المجرمين والخارجين عن القانون، خاصة ان زمن الانتحاريين والسيارات المفخخة قد انتهى؟ يبرر احد قياديي الحزب، عدم فتح الكاميرات والكشف عن محتواها عند وقوع جريمة او ما شابه، الى ان هذا “يحدث فتنة وان الكشف عن الجرائم هي من مسؤولية الدولة وليس من مسؤولية الحزب، كلام يبدو منطقياً  بالشكل، وتعود الأسئلة،  لماذا يمنع الحزب القوى الامنية من دخول الضاحية او اي منطقة شيعية، قبل التنسيق مع اللجنة الامنية وطلب اذن بذلك؟ وهل من قانون او شرع يسمح لهذا الحزب، نشر كاميراته الامنية في كل شارع وحي وبناية، واستباحة خصوصية المواطنين المغلوب على أمرهم؟

هل من قانون يسمح لهذا الحزب نشر كاميراته الامنية واستباحة خصوصية المواطنين المغلوب على أمرهم؟


تنتشر كاميرات المراقبة المرئية والسرية التابعة للحزب، التي ترصد حركة السير وتلتقط صورا للسيارات والمشاة، في معظم شوارع وأحياء ومداخل الضاحية، وربما دخلت بيوت الاهالي، الى ان تطور الأمر مؤخرا الى إستخدام كاميرا متنقلة، يتم وضعها عند اقامة الحواجز ومرتبطة بغرفة عمليات، تلتقط صورا لوجوه السائقين ومن معهم وتحولها الى أجهزة حواسيب تابعة لهم.
يقول أحد سكان الضاحية ” أشعر أنني مراقب وحريتي مقيدة، فالأمر بات مزعجا ويمس بحريتي الشخصية”، متسائلا عن عن الجهة التي  تسمح لهؤلاء التقاط صور لي ولعائلتي، او لمن يزورني في منزلي او يرافقني في تنقلاتي، والاحتفاظ بها عندهم، في وقت تشهد الضاحية كل يوم جرائم متنقلة وعمليات سرقة واخلال بالامن دون حسيب او رقيب”؟ و أضاف “من قال أن هذه الداتا التي يتم جمعها، لا تصل الى العدو عبر عملاء مزروعين داخل جسم المقاومة المزدحم بالعملاء لاسرائيل، كما تثبت تحقيقات الحزب واعتقالات قيادات من وقت لآخر”؟

من قال أن هذه الداتا لا تصل الى العدو عبر عملاء مزروعين داخل جسم المقاومة المزدحم بالعملاء لاسرائيل؟


 وفي هذا السياق و تعميما للفائدة، لابد من الإشارة إلى أن  القانون اللبناني يسمح بوضع كاميرات مراقبة، داخل الممتلكات الخاصة فقط والمؤسسات التجارية والمصارف، ويمنع توجيهها الى الشارع العام، أما اليوم من يحاسب هذا الحزب، ويضع حدا لاستباحة حريات المواطنين الشخصية والتعدي عليها، عبر زرعه كاميرات مراقبة متطورة بتقنيات متعددة تحاصر الاهالي في مناطقهم وتتجسس عليهم؟  و ما هو الضامن لحقوق الأفراد وما هي منظومة حماية حياتهم الشخصية، وهل هناك من رادع بأن لا يقوم المراقبون باستغلال أو ابتزاز أفراد معينين في وطن شديد التعقيدات الاجتماعية والسياسية؟

القانون اللبناني يسمح بوضع كاميرات مراقبة داخل الممتلكات الخاصة فقط والمؤسسات التجارية والمصارف ويمنع توجيهها الى الشارع العام


أخيرا.. من يقرأ رواية «1984» للكاتب البريطاني جورج أورويل التي نشرت عام 1949، يظن ان الكاتب كان يراقب تفاصيل الواقع اللبناني، حيث استشرف استبداد الدويلة والدولة الراهن، وتحدث عن نظام شمولي ودولة تراقب مواطنيها بدقة، صوتاً وصورة، وتعمل على ضبط المجتمع ومراقبة سلوك الأفراد فيه، وتتحكم، وتمارس سلطتها ورقابتها على الأفراد، ليس فقط بالعنف والقمع المباشر ضد أي خروج عليها وعلى قيّمها وأخلاقها السائدة؛ ولكن أيضا من خلال عملية إنتاج المعرفة، وإعادة صياغتها دائما،  بما يتوافق مع مصلحتها واستمرار سلطتها، حيث تصبح السيّطرة هنا هي عملية التحكم الكامل بوعي الأفراد وأجسادهم، ووضعهم تحت المراقبة الدائمة، وتوظيفهم كمادة وأدوات لصالح السُلطة.

السابق
هل يصل لبنان قريباً إلى صفر وفيّات بكورونا؟
التالي
حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: نعم للصواريخ.. ولكن!