«حزب الله».. صواريخ غير «دقيقة» تُحصن «قواعد الإشتباك» مع «حبة مسك»!

علي الأمين
ربما أصاب أحد الظرفاء بتشبيهه عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة من لبنان بإتجاه فلسطين المحتلة ب "الصورخة"، في إشارة إلى معناها الشعبي السلبي، المرتبط بقذف الأكاذيب والمبالغات المتطيرة، والتي أُريد لها أيضاً ان تكون "لقيطة"، بالنظر الى التخلي عنها و"تسييبها" وعدم إعتراف اي طرف بأبوتها أو "حسبها ونسبها".

لعل “ظُرف” التشبيه “الصواريخي” يتناسب تماما مع ظرف الصواريخ وتوقيتها وخلفيتها وملابساتها و”إلتباساتها”، فهي تشي بكثير من الجدية، الى إنتقال “حزب الله”، بوحي من “الأخ الإيراني الأكبر”، من المواجهة العسكرية مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية، الى مرحلة “الصراع المدوزن”، على قاعدة “لا يموت الذيب و لا يفنى الغنم”، ما يقتضي تحصين “قواعد الإشتباك” مع “حبة مسك”، الأمر الذي عكسته بوضوح “الحفلة الصاروخية” غير “الدقيقة” عسكرياً.. لكنها تصيب الهدف السياسي بدقة!

إقرأ أيضاً: من فلسطين إلى لبنان.. يذهب الشعب ويبقى الحزب!

فعلى رغم اطلاق دفعتي صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه اسرائيل خلال الايام القليلة الماضية، فان التوقعات بانفجار المواجهة بين “حزب الله” واسرائيل، بسبب التطورات في الساحة الفلسطينية مستبعدة.

إنتقل “حزب الله” بوحي من ايران من المواجهة العسكرية مع إسرائيل الى مرحلة الصراع المدوزن

فمنذ انفجار المواجهة العسكرية بين الجيش الاسرائيلي والفصائل الفلسطينية بقيادة حركة حماس مطلع الاسبوع المنصرم، اتجهت انظار بعض المتابعين الى “حزب الله”، انطلاقا من كونه الطرف الممسك بالحدود اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل، وبالتالي قد يهب لنجدة الفلسطينيين من خلال اشعال الجبهة مع اسرائيل.

التوقعات بانفجار المواجهة بين “حزب الله” واسرائيل مستبعدة

 قبل ايام أٌطلقت من جنوب لبنان ومن منطقة صور الساحلية، ثلاثة صواريخ سقطت في البحر، من دون ان يتضح ان كانت سقطت في المياه الاقليمية اللبنانية او الاسرائيلية، لكن الثابت ان اسرائيل لم تقم بأي رد، فيما لم يعلن اي طرف مسؤوليته عن اطلاقها ، علما انه كان سبق ذلك اطلاق صواريخ من الأراضي السورية باتجاه الجولان، ولم تشر المعلومات عن مكان سقوطهما او اي اضرار ، لا من الجانب الاسرائيلي او الجهات المقابلة.

الصواريخ التي اطلقت كانت قريبة من مخيم الرشيدية للايحاء ان من قام باطلاقها هم فلسطينيون

مساء امس (الاثنين) سقط صاروخان يمكن وصفهما ب”الدقيقين”، لأن مطلقهما على الأرجح اراد لهما ان يسقطا في منطقة ملتبسة بين الأراضي اللبنانية والأراضي الاسرائيلية، فيما اشارت مصادر لبنانية رسمية الى انهما سقطا في وادي هونين، وهي البلدة الفلسطينية_اللبنانية المحتلة من قبل اسرائيل عام ١٩٤٨، ولكن بعض اراضيها يقع في لبنان، فيما معظم ابنائها نالوا الجنسية اللبنانية ويعتبرونها اراض لبنانية، على رغم ان الامم المتحدة تعتبرها من الأراضي الاسرائيلية.

الدفعة الثانية من الصواريخ انطلقت من خراج بلدة كفرشوبا ذات الغالبية السنية


وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة جملة مؤشرات واستنتاجات ايضا، تتصل بعملية اطلاق الصواريخ من لبنان:اولا، الدفعة التي اطلقت من الساحل الجنوبي، كانت قريبة من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، بغاية الايحاء ان من قام باطلاقها هم فلسطينيون، وفي حين جرى تسريب تبني فلسطيني للعملية، الا ان ذلك لم يدم طويلا بحيث لم يصدر اي بيان يظهر هذه المسؤولية، ولا برزت مواقف لبنانية تتهم جهات فلسطينية.ثانيا، الدفعة الثانية من الصواريخ التي سقطت في وادي هونين في اراض تتبع لبلدية عديسة في قضاء مرجعيون، انطلقت من خراج بلدة كفرشوبا اي منطقة العرقوب التي تعتبر المنطقة الجنوبية ذات الغالبية السنية، وقد قام الجيش الاسرائيلي اثر باطلاق قذائف عدة على مركز اطلاق الصاروخين.


دفعتا الصواريخ هاتان كانت دقيقة من الناحية السياسية، وان ظهرت انها غير دقيقة من الناحية العسكرية، دقيقة سياسيا لأنها تتيح للبنان ومن ورائه “حزب الله” ان يقولا، ان لا ضربات طالت اسرائيل من لبنان، ومن الناحية الاعلامية والمعنوية توفر هذه الصواريخ نوعا من اعلان التضامن الميداني مع غزة ولو رمزيا. وهي دقيقة سياسيا ايضا من خلال موقع اطلاق الصاروخين، والذي يراد من خلاله ابعاد شبهة اطلاق الصواريخ عن “حزب الله”، بالايحاء الى ان الفلسطينيين في صور و سُنة العرقوب، هما الحاضنتان لمطلقي الصواريخ.

دفعتا الصواريخ دقيقة سياسيا من خلال موقع اطلاقها والذي يراد من خلاله ابعاد الشبهة عن “حزب الله”

الدقة السياسية لهذه الصواريخ، تكمن ايضا في المحافظة على الاستقرار والهدوء على الحدود مع اسرائيل، ولكن مع قليل من القنابل الصوتية التي لاتخل بقاعدة الاستقرار، وهذا ما يبدو ان اسرائيل تريد المحافظة عليه، فضلا عن الامم المتحدة والدول الاوروبية، وهي بمثابة العمود الفقري لقوات “اليونيفل” المتواجدة في جنوب لبنان. 

الدقة السياسية لهذه الصواريخ تكمن في المحافظة على الاستقرار والهدوء على الحدود مع اسرائيل

ولا يعني ذلك بالطبع ان “حزب الله” قد لا يقوم مستقبلا بالمبادرة الى المواجهة العسكرية، بل لن يتردد في ذلك اذا اقتضت الاستراتيجية الايرانية ذلك، وهو امر مستبعد في المدى القريب بحسب مسار الأحداث، وبحسب  تصريحات بعض القريبين من “حزب الله”، التي تشير الى ان اسرائيل هي التي تعاني اليوم، والفصائل الفلسطينية في غزة لم تطلب من “حزب الله” حتى الآن الانخراط العسكري المباشر لدعمها ضد اسرائيل.وفي معزل عن طلب الفلسطينيين ذلك او عدمه، فان الاستراتيجية الايرانية سواء في لبنان او في سوريا، لا تضع في اولوياتها اليوم قتال اسرائيل مباشرة، بل الأولوية الامساك او تعزيز النفوذ في سوريا وفي القرار السوري وكذلك بالقرار اللبناني. 

لا يبدو ان ايران مضطرة ان تنخرط في مواجهة عسكرية عبر “حزب الله” طالما ان لا خطر يتهدد مصالحها ونفوذها

وفي ظل المواجهة الجارية في فلسطين، لا يبدو ان ايران مضطرة ان تنخرط في مواجهة عسكرية عبر “حزب الله”، طالما ان لا خطر يتهدد مصالحها ونفوذها، او يهدد دور “حزب الله” ونفوذه، بل ان طهران تبدو مطمئنة الى مسار المواجهة داخل فلسطين، وتحصد مكاسب سياسية ومعنوية اقليميا، لذا يمكن فهم وتفسير عدم قيام “حزب الله” بأي رد و لا التلويح به، بعد قتل الجيش الاسرائيلي أحد عناصره قرب الشريط في كفركلا  قبل أيام، في مناورة سياسية فاقعة تكشف الكثير من المستور والنوايا. لعل يكون سوء الظن هذه المرة أيضا من حسن الفطن! 

السابق
رفع أعلام «حزب الله» وجرحى وحالات إغماء.. ماذا يجري على الحدود الجنوبية؟
التالي
الأمير هاري في سلسلة وثائقية مع أوبرا حول الصحة العقلية