وإذا «فلسطين» سُألت بأي ذنب قُتلت!

القصف مستمر على غزة
تحل الذكرى الـ 73 للنكبة العربية في فلسطين هذا العام ليس كغيرها من الأعوام السابقة ، حيث كانت بالأمس مناسبة للتذمر والبكاء على الأطلال والشكوى بمرارة من العجز الذي يلف الأمة .

هذا العام تحل ذكرى النكبة بطعم الألم والأمل في نفس الوقت، الألم بطبيعة الحال على حال الشعوب العربية وما وصلت إليه من ذل وهوان وفقر بإسم فلسطين، التي جعلتها الأنظمة العربية” شماعة” تعلق عليها كل فشلها في تنمية مجتمعاتها، وتخلفها عن ركب الحضارة العالمي ثقافيا وعلميا، حتى لا نقل تآمرها على فلسطين نفسها أولاً وعلى شعوبها ثانياً، والأمل بما تشهده فلسطين هذه الأيام من إنتفاضة شعبية واسعة في طول مساحتها وعرضها من البحر إلى النهر، مدعومة برد عسكري غير مسبوق من حيث القوة والأهداف التي وصل إليها بغض النظر عن كل التحليلات السياسية والخلاف على “جنس” المقاومة والشهداء الذي يخوض فيه البعض.

إن ما يجري اليوم في فلسطين من هبة شعبية هو مفاجأة بكل ما للكلمة من معنى

الواقع إن ما يجري اليوم في فلسطين من هبة شعبية هو مفاجأة بكل ما للكلمة من معنى، ليس لأن الشعب الفلسطيني لم ينتفض في السابق، وهو الذي سطر أروع الملاحم في إنتفاضة الحجارة عام 1987، التي إمتدت لأكثر من ثلاث سنوات، ومن ثم في إنتفاضة الأقصى عام 2000 التي توِّجت بإستشهاد الزعيم الرمز ياسر عرفات عام 2004، بل لعدة أسباب من أهمها :

أولاً: هي أنها جاءت من جيل فلسطيني جديد يفصله عن آخر إنتفاضة، وهي إنتفاضة الأقصى، أقل بقليل من 20 عاما ، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى حيوية الشعب الفلسطيني وتعلقه بأرضه جيلاً بعد جيل، وهذا أحد أهم أسباب الصمود ومؤشر على إمكانية الإنتصار في النهاية، مهما طال الزمن بموجب الحتمية التاريخية .

إقرأ أيضاً: ليس بالعاطفة وحدها تُحرر فلسطين!

ثانياً: أنها تأتي رغم كل ما حملته هذه السنوات الفاصلة بين الإنتفاضتين، من إحباطات ومحاولات لإنهاء وجود هذا الشعب في أرضه، من تكثيف الإستيطان إلى الحروب المتكررة التي شنت ضده إلى الإنقسام الداخلي بين فتح وحماس، إلى ضم القدس وأخيراً ما سمي ب” صفقة القرن”، التي بدت في فترة من الفترات وكأنها باتت أمراً واقعاً وقدرا لا فكاك منه، فضلاً عن الإنهيار العربي في دول حزام فلسطين من جهة، والتطبيع العربي من الجهة المقابلة مع إسرائيل، لتأتي هذه الإنتفاضة وتثبت أن نار المقاومة وجذوتها، لم تزل مشتعلة تحت رماد الإحباط واليأس الذي يحاولون فرضه عليه، وأن فلسطين وشعبها ستبقى عصية على التدجين والإلغاء تحت أية مسميات يتلطى وراءها المتخاذلون.

ثالثاً: وهو الأهم، إتساع رقعة الإنتفاضة هذه المرة، لتشمل فلسطين التاريخية بأكملها وبأجزائها الثلاثة – كما قسموها للأسف – وهي فلسطين ال 48 والضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها فلسطينيو ال 48 كما يطلق عليهم في الإعلام، وما أحداث يوم الأرض التي إندلعت يوم 30 آذار من عام 1976، وأسفرت عن شهداء وجرحى وباتت ذكرى يحييها الشعب الفلسطيني كل عام بغائبة عن الأذهان ، إلا أنها المرة الأولى التي يتخذ فيها الحراك هذه الأبعاد الواضحة إرتباطا بالقضية الوطنية وفي قلبها قضية القدس ، وهذه الحدة في المواجهة مع قوات الأمن الصهيونية ما دفع الرئيس الصهيوني للتحذير من وقوع حرب “أهلية” في إسرائيل كما وصفها، فضلا عن أن هذا الحراك داخل أراضي ال 48، أضاف بعداً آخر للصراع بخلاف بعده الوطني، ألا وهو البعد الإنساني بحيث فضح الوجه البشع للكيان الصهيوني، بإعتباره نظام فصل عنصري وتمييزي ضد “مواطنيه” من العرب.

أعادت هذه الإنتفاضة بعض الأمل، بحيث بدت هذه المرة وكأنها ربيع فلسطين ربطاً بالربيع العربي

هذا على المستوى الفلسطيني، أما على المستوى العربي العام، الذي نُكب هو الآخر يوم نكبت فلسطين، جراء تطورات الأحداث في المنطقة منذ ذلك التاريخ ، فقد أعادت هذه الإنتفاضة بعض الأمل، بحيث بدت هذه المرة وكأنها ربيع فلسطين ربطا بالربيع العربي الذي إنطلقت شرارته منذ العام 2011.

فالعالم العربي ومنذ النكبة، وهو يتحمل وزرها ونتائجها على حساب تنميته سواء سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا، وباتت قضية فلسطين هي الذريعة التي يتلطى خلفها تجار السياسة وسماسرة الوطنية، عبر شعارات زائفة وكاذبة كي يعيثوا في الأرض فسادا .
فبإسم فلسطين أطيح بالأنظمة الوطنية ما بعد الإستقلال، التي كانت على علاتها أنظمة دستورية إلى حد ما كما في سوريا ومصر والعراق وحكمها العسكر ولا زالوا .

وبإسم فلسطين صودرت الحريات المدنية من إعلامية وغيرها، وكذلك حقوق الإنسان العربي، عبر فرض حالات الطوارئ بذريعة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة، لتأتي المعارك بعدها بالنكسة تلو النكسة والهزيمة تلو أخرى .

بإسم فلسطين خضنا الحروب الأهلية العربية، من الأردن إلى لبنان وسوريا إلى العراق والكويت واليمن

وبإسم فلسطين و “المجهود الحربي” صودرت الملكيات الفردية، وأممت المصالح الخاصة وسرقت المصالح العامة وعم الفساد أرجاء الوطن العربي.

وبإسم فلسطين خضنا الحروب الأهلية العربية، من الأردن إلى لبنان وسوريا إلى العراق والكويت واليمن وغيرها .

بإسم فلسطين قادوا الثورة المضادة ضد “الربيع العربي”، الذي إتهموه بأنه مؤامرة صهيونية – أمريكية، ليقيموا على أنقاضه “سلام أبراهام” الموعود .

من هنا يصبح من الواضح والمنطقي، بأن ربيع العرب لن يزهر إلا من فلسطين، وعندها سيعلن أوان الورد في كل بقعة من بقاع هذا العالم العربي.

كنا نظن منذ سنين أن فلسطين لن تتحرر، إلا إذا حررت البلاد العربية من الأنظمة الحاكمة لنكتشف اليوم بأن الواقع هو أن البلاد العربية لن تتحرر من أنظمتها الفاسدة إلا إذا تحررت فلسطين من الإحتلال

نعلم تماما أن المعركة طويلة وصعبة ، وأن الأثمان التي دفعت سابقا وتدفع اليوم وستدفع لاحقا هي أثمان غالية جدا، ولكن للأسف يبدو أن لا خيار لنا والمعركة مفروضة علينا، كما نعلم جيدا أن الإنتفاضة الفلسطينية الجديدة المباركة، هي مرحلة من مراحل هذا الصراع ولن تكون نهاية المطاف كي لا يتهمنا البعض بالطوباوية، ولكنها بلا شك مرحلة مفصلية وأن لها ما بعدها، ما دام على هذه الأرض طفل يولد وعلى لسانه كلمة حرية، وفي عقله وعي بقيمة الإنتماء، وفي يده حجر يقاوم به كل ظالم مغتصب محتل، سواء مغتصب أرض أو مغتصب سلطة بإسم الوطن أو الحزب أو الدين أو المذهب .

كنا نظن منذ سنين أن فلسطين لن تتحرر، إلا إذا حررت البلاد العربية من الأنظمة الحاكمة وتبعيتها للخارج، لنكتشف اليوم بأن الواقع هو أن البلاد العربية لن تتحرر من أنظمتها الفاسدة إلا إذا تحررت فلسطين من الإحتلال ، وربما سبقتنا الأنظمة العربية لهذه الخلاصة، وهذا ما يفسر تخاذلها وتواطؤها على مدى السنين، واليوم بات يحدونا أمل هو أقرب إلى اليقين، بأن ربيع فلسطين سيكون هو ربيع كل العرب. وإن غدا لناظره قريب.. و لو بعد حين .

السابق
صدمة تستيقظ عليها كفرصير الجنوبية.. قضى صعقاً من على أعمدة البلدة!
التالي
بعد مقتل ابن صاحب محطة في عكار.. البراكس يرفع الصوت عالياً