لبنان في مرمى «الخطة ب» لفرنسا..«هروباً» إلى الانتخابات!

لودريان

… «فجّر غَضَبَه» ومشى، ليبقى ما بعد زيارته كما قبْلها، بل مع إشاراتٍ إلى ارتفاع «منسوب السواد» في أفقِ الأزمةِ اللبنانيةِ المستعصية حتى الساعة على أيّ حلولٍ من خارج مظلّة إقليمية – دولية مكتملة النصاب.

هذه الخلاصة خيّمتْ أمس على بيروت غداة حزْمِ وزير الخارجية الفرنسي جان ايف – لودريان حقائبه وإنهاء زيارته التي بدا أنها «نعت» المبادرة التي كان أطْلقها الرئيس ايمانويل ماكرون قبل نحو 9 أشهر، عبر «حركةِ هروبٍ إلى الأمام» اعتُبرت تمويهاً عن إفشال المسعى الباريسي بضرباتٍ تَكاتَفَ عليها الداخل والخارج المؤثّر في الواقع اللبناني، وحملتْ عنوانَ التركيز على ما يشبه «الخطة ب» المتمثّلة في «الانتخابات النيابية في موعدها» (بين 7 مارس و7 مايو 2022) كمدخلٍ للتغيير المنشود و«لتجديد الممارسة السياسية والدستورية».

لبناني على الانتخابات النيابية بموعدها وأطراف داخلية تعتبرها «حماية لرئاسية 2022»

مع تحذيرٍ من أن «أيّ محاولة لتأجيل الاستحقاق الديموقراطي ستواجَه بإجراءت مناسبة من باريس والمجتمع الدولي»، وتعويلٍ على «قوى التغيير» وركيزتها المجتمع المدني لتحقيق هذه الغاية ووقف «الانتحار الجَماعي» الذي تقود الطبقة السياسية الحالية البلادَ إليه.

وإذ حاول لودريان إعطاء هذا التحذير قوة دفْع دولية بالتلميح إلى أن هذا الموقف تتشارك فيه باريس مع واشنطن وبأن بلاده ستواكبه من خلال ترؤسها مجلس الأمن الدولي بعد أسابيع، بالتوازي مع إشاراتٍ نافرة بحق مختلف أطراف الطبقة السياسية عبّر عنها حرصه على إجراء «لقاءات الضرورة البروتوكولية» فقط مع الرؤساء الثلاثة (ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري) وتوجيهه ضمناً رسالة «اكتفينا منكم»، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن «فتْح معركة» انتخابات 2022 فرنسياً باعتبارها «مفتاح الخلاص» يعكس واقعياً أمريْن:

  • الأول تسليم باريس بانتهاء مبادرتها التي ترتكز على تأليف حكومة الاختصاصيين الذين وللمفارقة أسقط لودريان بوضوح في كلامه قبل مغادرته بيروت صفة المستقلين عنهم وفق ما كانت وردت حرفياً في المبادرة «الأصلية»، في ما بدا محاولة لتخفيفِ «التراجع» الفرنسي الذي طرأ في هذا الإطار.

ولم يكن أدلّ تعبيراً على هذه الخلاصة من ختْم فرنسا «الخطة ألف» من مبادرتها بشمع العقوبات «التقييدية» التي سمّاها لودريان «إجراءات مشدّدة تجاه شخصيات مسؤولة عن التعطيل والفساد، وليس الأمر سوى البداية، وهناك أدوات ضغط مطروحة من ضمن الاتحاد الأوروبي وبدأنا التداول بأفكار متصلة مع شركائنا»، فيما كانت الخارجية الفرنسية تؤكد في بيان رسمي من باريس انه «تتم بالفعل اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني بهدف منع دخول الأراضي الفرنسية للشخصيات اللبنانية المتورطة في العرقلة السياسية والفساد.

ونحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير إضافية إذا استمر التعطيل.

وقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول التدابير المتاحة للاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط من أجل الخروج من الأزمة».

  • والثاني، تكريس التعاطي مع الطبقة السياسية برمّتها على أنها «مارقة» وتشكّل خطراً على الوطن الصغير وشعبه، وهو الأمر الذي تَسَبَّب بإبداء أطراف عدة استياءها، وإن بقي مكتوماً، من «شمولها» باتهامات تعطيل الملف الحكومي والنكث بتعهداتها في ما خص المبادرة الفرنسية ومساواتها في ذلك مع فريق عون (مثل الرئيس المكلف سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط) أو بإخراجها من دائرة قوى التغيير (القوات اللبنانية) وقصْر ذلك على حزب «الكتائب» وحركة «الاستقلال» اللذين كان رئيساهما سامي الجميل وميشال معوض في عداد مَن التقاهم لودريان في قصر الصنوبر.

وبأي حال تعتبر الأوساط المطلعة أن وقْع زيارة لودريان الذي بدا بمهمة أقرب الى «البرقية العاجلة» أكثر منها محاولة لاستنقاذ المبادرة الفرنسية، لن يساعد في المدى القريب أقله في دفْع الأطراف المعنية لبنانياً لتبديل سلوكها.

وقْع زيارة لودريان الذي بدا بمهمة أقرب الى «البرقية العاجلة» أكثر منها محاولة لاستنقاذ المبادرة الفرنسية

وتشير هذه الأوساط إلى أن تظهير «هشاشة» المبادرة الماكرونية و«ربْط النزاع» الذي قام به الوزير الفرنسي مع الانتخابات النيابية، ناهيك عما سبق زيارته من وضْع الحريري اعتذاره عن المضي بالتكليف على الطاولة، سيشجّع خصوصاً فريق عون على الإمعان في لعبة «عضّ الأصابع» لاسيما بعدما «ارتاح» إلى إشارات مساواة لودريان زعيم «المستقبل» في المسؤولية عن استمرار المأزق الحكومي ولو من باب عدم الدفع نحو بلورة مَخارج مقبولة من الجميع.

إقرأ أيضاً: بالفيديو: الغذاء المدعوم المحتكر في صور «يظهر» على سعر السوق السوداء!

وفي المقابل يبدو من الصعب، وفق الأوساط عيْنها، تَصَوُّر أن يقبل الرئيس المكلّف في هذه المرحلة بما رفضه طوال الفترة الماضية من الرضوخ لشروط الثلث المعطّل وتكريس محاصصة سياسية وحزبية فاقعة في الحكومة العتيدة، هو الذي سحب اعتذاره من التداول مرحلياً ما يجْعله يُمسك بورقةِ إبقاء العهد بلا حكومة حتى نهايته، او أقله حتى فرْض إجراء الانتخابات النيابية بموعدها وإلا «استقالة جماعية من البرلمان» على قاعدة «حماية الاستحقاق الرئاسي» (خريف 2022) باعتبار أن أيّ تمديد للبرلمان يتم التعاطي معه على أنه خطوة سبّاقة للتمديد لعون.

وفي حين يشي هذا المناخ بأن ما يجري التداول به عن حركة اتصالات يُنتظر أن تبدأ مطلع الأسبوع ويشكّل محورها رئيس البرلمان نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لن يكون محكوماً إلّا بمزيد من تقطيع الوقت، استوقف الأوساط المطلعة غياب الملف الحكومي بالكامل عن كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يوم الجمعة، ما اعتُبر مؤشراً إلى أن هذا العنوان «يحتمل الانتظار» ربْطاً بمجريات الاقليم.

وفي هذا الوقت ترتفع المخاوف من دخول لبنان وعلى طريقة «الأمر الواقع» بمرحلة رفْع الدعم عن سلع أساسية يوفّر البنك المركزي استيرادها بدولار وفق السعر الرسمي (1510 ليرات) أو سعر المنصة الالكترونية (3900 ليرة) وذلك قبل اكتمال عناصر السير ببطاقة تمويلية يبدو أنها علقت في شِباك السياسة وعدم تأمين التمويل الذي يرفض «المركزي» أن يكون من الاحتياطي الإلزامي بلا غطاءٍ قانوني من مجلس النواب، يريده أيضاً لصرف أيّ دولار على استمرار الدعم (بعد أن تنفد الأموال القابلة للاستخدام والتي يقول خبراء إنها انتهت أو أوشكت).

اللبنانيون «نفضوا الغبار» عن الآلات الحاسبة لتفكيك أسعار ما بعد رفْع الدعم

في حين يلوح شبح العتمة الشاملة بقوّة في ظل صعوبات تمويل شراء الفيول ويغرق اللبنانيون في يومياتهم بأخبار متضاربة حول ارتفاعاتٍ جنونية بدأت أو هي على الطريق لأسعار مواد رئيسية مثل الدواجن واللحوم، وسط استعادة «الآلات الحاسبة» دورها في محاولة لتفكيك «حزورة» أسعار ما بعد رفع الدعم أو ترشيده خصوصاً الدواء.

السابق
لماذا أعلن «حزب الله» الاستنفار العام في لبنان؟
التالي
أموال قرض البنك الدولي «مؤجّلة»..الأسر اللبنانية الأكثر فقراً تنتظر المساعدة!