لا «حدود» بين «العهد الباسيلي» وهتلر وموسيليني!

جبران باسيل وميشال عون
لفتت لقاءات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع القيادات الدولية أنظار اللبنانيين الا ان موقفه وموقف حلفائه بشأن ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل كان الأكثر غرابة.

عاد السيد جبران باسيل إلى واجهة الأحداث هذه الأيام. فلقاءاته مع القيادات الدوليّة خارج وداخل لبنان، ومداخلاته بشأن حدوده البحرية والبريّة، ولاسيما مع إسرائيل، كانت محور الحدث طوال الأيام القليلة الماضية. ربما لو كان السيد باسيل رمزا سياسيا عاديا لكانت تعليقاته عادية، لكنه في موقع ينقل من خلاله موقف رئاسة الجمهورية، أي أعلى هرم السلطة في البلاد، كما أنه حليف حزب إيران، مالك السلاح والقوّة، والذي يبسط رعبه على كل مفاصل الدولة.

لا أريد في هذه العجالة أن أتناول لقاءات معاليه مع السياسيين الدوليين، وسأتوقف عند الموضوع الأكثر أهمية على الصعيد الوطني. لقاءات باسيل كلام ليل يمحوه النهار. أما موقفه، وموقف حلفائه في “المقاومة”، بشأن ترسيم الحدود، فكلام لن تمحيه الأيام، بل سيسجّل في ذاكرة الوطن إلى الأبد.

إقرأ أيضاً: المفاوضات..«مطرحك يا واقف»!

جبران باسيل وعمه فخامة الرئيس، نسيا أننا من التراب والى التراب نعود، واعتقدا أن التاريخ يتوقّف عند انتخابهما رؤساء للجمهورية. نسيا أن هتلر وموسيليني وحكام طوكيو وصدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي وعمر البشير، وصلوا إلى الحكم في بلدانهم ولكن نسيا اين انتهوا؟ كنا نتأمّل أن يتعلّموا من تجاربهم. هتلر حوّل ألمانيا إلى قوّة كبرى، أكبر بمئات المرّات من إيران. وفجّر حربا عالمية ثانية بعد ان اجتاحت دباباته الدول الأخرى المجاورة. وصل بصواريخه وأسلحته وجبروته إلى مختلف دول العالم. إعتمد على ولاء شعبه الذي قام أولا، على عقيدة لا تقلّ تأثيرا على مواطنيه عن عقيدة ولاية الفقيه لدى بعض الشيعة. ثم ذهب إلى الترهيب وسفك الدماء والقتل المنظّم برعاية الغوستابو الإلماني، لقمع معارضيه، تماما كما تفعل أحزاب إيران المنتشرة في مختلف الدول، برعاية مماثلة من الغوستابو الإيراني. هتلر انتهى أخيرا منتحرا بمفرده في مخبأ لا تصله الشمس، بعد أن حوّل بلاده إلى ركام. أزلامه مثلوا أمام محكمة نيرومبرغ بأيديهم الملوثة بالدماء لينالوا عقوبتهم، ومن هرب منهم صار كالفأر المختبئ في حجر، يخاف ان يخرج منه لكي لا تنقضّ عليه الصقور. وأخيرا صار هتلر النّموذج للمجرم الذي يبعث الرعب والخوف لشبيبة الأجيال الطالعة، مثل دراكولا مصّاص الدماء.

إقترح السيد باسيل إستثمارا للآبار المشتركة في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بواسطة شركة ثالثة. فكثرت التأويلات، ومنها أنه يريد إرضاء الولايات المتحدة الأميركيّة لعلّها ترفع إسمه عن لائحة العقوبات التي تعتمدها ضد لبنانيين. لكن المعلومات أشارت إلى أنّ هذا الإقتراح ليس جديدا. فقد اقترحه السيد باسيل عندما كان وزيرا للطاقة، لكن حلفاءه رفضوه بحجّة أنه ينطوي على تطبيع غير مباشر بين البلدين. وهنا دخل الرئيس نبيه بري على خط التسويات مع إسرائيل، مقترحا الإطار التفاوضي للمفاوضات وتحديدا تفاهم نيسان، والخط الأزرق. بري كان أكثر ذكاء من باسيل. تفاهم نيسان يحوّل آبار النفط إلى قطاع مدني خارج نيران المقاتلين، من دون الدخول في لعبة التطبيع، والخط الأزرق يعطي إسرائيل تلك المساحة الجغرافية من المياه الإقليمية اللبنانيّة التي تطالب بها. الرئيس بري أمكنه الحصول على دعم حزب إيران لأن هذا الأخير هو المعني بتفاهم نيسان لعام 1996، ويلتزم القرار 1701 المبني أصلا ولو أمنيا، على الخط الأزرق. فتفاهم نيسان ترك له ورقة استخدام سلاحه خارج آبار النفط ، كما سمح بحلول لإدخال عائدات إلى المالية اللبنانيّة تحميه من العقوبات الأميركية.

بري كان يرمي السم في دسم السلطة التنفيذية لكي لا يدخل اسمه في تاريخ “الخيانة الوطنية”

ونقلت صفحة حزب القوات اللبنانيّة مقالة لحظ كاتبها فيها أن [الرئيس بري حمّل السلطات التنفيذية مسؤولية التفاوض لتظهير الحدود اللبنانيّة في المنطقة البحرية “من دون أن يحدّد مساحتها”.] تبدو هذه العبارة كأنها تزيل مسؤولية ضياع حقوق لبنان في مياهه الإقليمية، إذا ضاعت، عن كاهل الرئيس بري. هذا ما كان يأمله بري: أن يتغافل الرأي العام عن المفهوم القانوني لإطار التفاوض الذي رسمه، فينقذ نفسه من العقوبات بعد أن يعطي الأميركيين ما يريدون، ويرمي على السلطة التنفيذية مسؤولية المفاوضات. صاحب المقالة نسي بالتأكيد أنّ الإطار التفاوضي الذي وضعه بري هو الذي يؤسّس لضياع الحقوق اللبنانية. بري كان يرمي السم في دسم السلطة التنفيذية لكي لا يدخل اسمه في تاريخ “الخيانة الوطنية”. فالإطار التفاوضي الذي وضعه لم يشر ولو بكلمة، إلى إتفاق الهدنة لعام 1949 ،الذي حدّد بصراحة ووضوح الحدود البريّة بين الجانبين، وهي حدود عام 1920، والتي يفترض ان تكون قاعدة ترسيم الحدود البحرية. هذه الحدود تحوّلت إلى حدود معترف بها دوليا عام 1923 . وقد وقّعت إسرائيل والأمم المتحدة ولبنان هذا الإتفاق الذي صدر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذ نص صراحة على أنه يندرج تحت المادة 40 منه. هذا الإتفاق صار ملزما ولا يجوز الإجتهاد فيه، كما فعل السيد بري حين اعتبر الخط الأزرق قاعدة بريّة لترسيم الحدود البحرية.

رئيس الجمهورية الذي تغاضى عن إنتهاك بري للدستور بسبب قيامه بالتفاوض بشان اتفاقية دولية بدلا من السلطة التنفيذية، أقرّ بالإطار التفاوضي، وأراد إنشاء وفد تفاوضي خاص يقوم هو بتشكيله. إنطلقت حملة واسعة ضدّ الأسماء المقترحة للوفد لآنها سياسية. ووصف عسكريون وقانونيون مشروع الإطار التفاوضي ب”الخيانة الوطنية”. لذلك تراجع الرئيس عون، وتمّ تكليف قيادة الجيش بهذه المهمة. قيادة الجيش أحسنت عندما اصرّت على تنفيذ إتفاق الهدنة. ولذلك لم ينجح بري ولا سلطة عون التنفيذية بتمرير إتفاق مع إسرائيل يمنحها قسما من المياه الإقليمية في لبنان.

مشكلة مقترح باسيل هي أنها تسقط ورقة التوت عن شجرة “المقاومة” وحزب إيران، لأنها تفسح أمام التطبيع غير المباشر بين لبنان وإسرائيل

وقع المحظور وتعرقلت المفاوضات. عاقبت إدارة ترامب الرئيس عون من خلال صهره، فسارع الأخير مجدّدا إلى إثارة مقترحه القديم. وقد دخل رئيس الجمهورية على هذا الخط محاولا سحب التّوكيل من الجيش وإعادة تشكيل الوفد المفاوض. وحاول كما نقلت المعلومات، إقناع بري بفكرته ولكن دون نتيجة. مشكلة مقترح باسيل هي أنها تسقط ورقة التوت عن شجرة “المقاومة” وحزب إيران، لأنها تفسح أمام التطبيع غير المباشر بين لبنان وإسرائيل، وهذا ما لا يناسبه حاليا.

وقد ثارت أيضا مسألة تعديل المرسوم 6433. أخطأ الرئيس عون مجدّدا عندما رفض توقيع طلب تعديل المرسوم، إعتقادا منه أنه سيفسح له الفرصة لتسمية الوفد المفاوض كما كان يشتهي. بري رفض، ورئيس الحكومة أصر على هذا التوقيع مسبقا بحجة ” الإجماع الوطني”، لكي يدعو مجلس الوزراء للإنعقاد بغية إصدار الصيغة النهائية للتعديل. أنتهت المهلة الممنوحة للبنان لتعديل هذا المرسوم من صدور التعديل. فمن المسؤول؟ إنه الرئيس عون وحده.

من جهة أخرى، أشار باسيل إلى أنه سعى كوزير للطاقة، ومن ثم كوزير للخارجية، إلى ترسيم الحدود البحرية مع سوريا على أساس مبدأ “حسن الجوار”، لكن سوريا لم تقبل. وتابع يسأل “السيادين المستجدّين”، أين كنتم؟ وأجاب بنفسه على سؤاله بأنهم كانوا “نائمين ولم يستفيقوا إلا على الرّبح الرّخيص”.

أستاذ جبران سيحاسبكم الشعب أنت وكل من يتنازل عن سننتيمتر واحد من حقوقنا الوطنية، مهما طال الزمن

سيد باسيل، ستنقل مذكراتي كم من المرّات لفتّك إلى قرارات الأمم المتحدة لتستند إليها في مطالبك وتخرج عن الإجتهاد السياسي. لم تقبل. كما لفتّك إلى الآليات القانونية الدولية لتسوية أية خلافات تقنية خلال المفاوضات. لم تقبل. أنت لم تكن يوما سياديّا، بل انت أكثر من باع سيادة لبنان وكرامته بغرض “الربح الرخيص” للسلطة. تعلم كما يعلم السيد بري، وكذلك الحاشية حولكما، وأيضا من يحالفكما أو يعارضكما، أن لبنان يحميه سلاح واحد فقط، ليس سلاح حزب إيران، ولا سلاح سوريا وغيرها، بل سلاح القانون الدولي والقرارات الدولية. رفضكم المطالبة بتنفيذ هذه القرارات بدءا من إتفاقية الهدنة وصولا إلى القرار 1701، لا يشكّل تسليما بانتهاكات إسرائيل وسوريا لمياهنا وأراضينا الوطنية فحسب، بل خيانة وطنية تشابه الخيانة التي تلصقونها بالمتعامل مع إسرائيل. ما الفارق بين المتعامل الصريح معها الذي يبيعها أسرارنا، ومن يتعامل معها بالمفاوضات ويبيعها حقوقنا ؟ أستاذ جبران سيحاسبكم الشعب أنت وكل من يتنازل عن سننتيمتر واحد من حقوقنا الوطنية، مهما طال الزمن.

السابق
خاص «جنوبية»: الملف الحكومي أمام الحسم..الحريري يعتذر أو لا يعتذر؟
التالي
بين «عصا» العقوبات و«جزرة» المساعدات.. طبارة لـ«جنوبية»: لا غلبة لفريق لبناني على آخر