رحيل العلاّمة الأمين : هل نحن أمام تصحّر فكري – ديني؟

السيد محمد الأمين
كان العلامة السيد محمد حسن الامين جسر تواصل بين مختلف التيارات الدينية والفكرية والسياسية وخصوصا بين القوميين والإسلاميين وهو ساهم في تأسيس المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي والمنتدى القومي العربي ، كما كان جسر تواصل بين الاتجاهات الدينية والعلمانية وقدّم اطروحات عديدة حول العلمانية المؤمنة ومصالحة الدين مع الدولة المدنية ، وكان يعتبر : ان مسألة الدولة والحكم هي شأن بشري وليست مسألة دينية.

مع رحيل العلاّمة السيد محمد حسن الأمين قبل أيام قليلة ، نفتقد نموذجا للشخصيات الدينية في لبنان والعالم العربي أصبح من النادر وجودها اليوم.

فالعلاّمة الأمين (1946- 2021) لم يكن عالم دين تقليديا إقتصر دوره على الجانب الفقهي او التبليغ الديني او تولّي مهمة القضاء الشرعي في المحاكم الشرعية ، بل جمع في شخصيته صفات عدة ومنها : الشاعر والأديب والمفكّر والمحاور وصاحب الحضور السياسي والإجتماعي والثقافي المميّز، وقدّم مجموعة مبادرات ورؤى فكرية إجتهادية غير تقليدية.

إقرأ أيضاً: «عزاؤنا في استمرار مدرسة الفكر».. بيضون عن العلّامة الأمين: رحل «ابن رشد القرن العشرين»!

فهو من عائلة دينية تقليدية (آل الامين) ، وكان لها دور سياسي وفقهي وديني وإجتماعي مهم في لبنان والعالم العربي ، ومن أبرز رموزها العلاّمة المجتهد الإمام والمصلح السيد محسن الأمين والذي برز في لبنان وسوريا في النصف الأول من القرن العشرين، لكن السيد محمد حسن الأمين تجاوز المهمة الدينية التقليدية ولعب أدوارا مهمة في النضال القومي والعربي والفلسطيني ، وشكّل جسر تواصل مع القوى القومية ومع رموز دينية لبنانية وعربية متنوعة ، وكان حاملا راية الدفاع عن القضية الفلسطينية ولعب دورا تأسيسيا في إطلاق المقاومة اللبنانية .

نحن امام نموذج لشخصيات فكرية ودينية تركت أثارا غير تقليدية في المشهد اللبناني والعربي ووصلت أصداؤها الى العالم

وقد تحول منزله في صيدا (جنوب لبنان) الى مقر للنضال الوطني والقومي والاسلامي حيث كان تعقد اللقاءات الوطنية والاجتماعات اللبنانية – الفلسطينية ، وكان مناصرا ومؤيدا بقوة للقضية الفلسطينية، اضافة الى دوره المميز في حماية الوحدة الوطنية الى جانب علماء صيدا وقادتها الدينيين والسياسيين ، وساهم الى جانب المفتي محمد سليم جلال الدين والمطران سليم غزال في حماية الوحدة الوطنية في صيدا وشرقها .

كما كان له مواقف واضحة في دعم المقاومة الوطنية والاسلامية خلال الإجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 مما دفع قوات الاحتلال الى طرده الى بيروت.

في العام 1997 نُقل إلى المحكمة العليا مستشاراً ، فتوزعت اهتماماته الى كل المناطق اللبنانية ، وكان حاضرا في كل المجالس الثقافية والفكرية ورعى تأسيس ملتقى الثلاثاء الثقافي في الضاحية الجنوبية والذي كان مساحة حوار وطنية وادبية وفكرية متنوعة.

هل نحن أمام تصحر فكري – ديني، أم أن هناك عملية قمع وترهيب لمنع بروز النماذج الفكرية والدينية الجديدة صاحبة الحضور المتمّيز؟

وكان السيد الامين جسر تواصل بين مختلف التيارات الدينية والفكرية والسياسية وخصوصا بين القوميين والإسلاميين وهو ساهم في تأسيس المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي والمنتدى القومي العربي ، كما كان جسر تواصل بين الاتجاهات الدينية والعلمانية وقدّم اطروحات عديدة حول العلمانية المؤمنة ومصالحة الدين مع الدولة المدنية ، وكان يعتبر : ان مسألة الدولة والحكم هي شأن بشري وليست مسألة دينية.

هذا النموذج من علماء الدين والمفكرين كان يتمثّل أيضا خلال العقود الخمسين الماضية في عدد كبير من الشخصيات اللبنانية والعربية والتي برزت في مواقف وأدوار مختلفة خلال المراحل الماضية، ولا يمكن أن نستعرضها جميعا في هذه العجالة ، ولكن نستعرض بعضها كمثال وليس كإحصاء شامل ومنها : الامام السيد عبد الحسين شرف الدين، العلامة الشيخ عبد الله العلايلي ، العلامة الشيخ نديم الجسر، العلاّمة الشيخ صبحي الصالح ، الدكتورة زاهية قدورّة ، الدكتور محمد المجذوب ، الامام موسى الصدر(أعاده الله)، العلامة الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المطران جورج خضر( أطال الله عمره)، الأب غريغوار حداد ، العلامة الشيخ محمد جواد مغنية، العلامة السيد هاشم معروف الحسني ، العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ، الاب يواكيم مبارك ، العلامة السيد هاني فحص ، العلامة الشيخ فيصل المولوي ، المفتي الشيخ حسن خالد ، الدكتور فتحي يكن ، الاستاذ كمال جنبلاط ، أنطوان سعادة ، ميشال شيحا ، موريس الجميل ، مؤسس الندوة اللبنانية ميشال أسمر ، الأب سليم عبّو، البطريرك مار نصر الله صفير ، المطران سليم الغزال ، الدكتور سامي مكارم ………

هذه ظاهرة تستحق التوقف والدراسة لبحث الأسباب وكيفية تجاوز هذا المأزق الخطير

هذه نماذج لشخصيات فكرية ودينية تركت أثارا غير تقليدية في المشهد اللبناني والعربي ، ووصلت أصداؤها الى العالم ، وكان لها مساهمات فكرية ودينية وأدبية وسياسية ، وبعضها تميّز بتنوع إهتماماته الفكرية والأدبية والفنية ولم يكن همه في جانب محدد .

إضافة الى الإهتمام الفكري والديني وتنّوع الإهتمامات ، فقد تميّزت هذه الشخصيات بلعب دور حواري ، سواء على المستوى الوطني او الحوار الإسلامي- المسيحي أو الحوار الإسلامي- الإسلامي ، أو الحوار الديني – العلماني ، أو الحوار القومي – الديني ، كما كانت منفتّحة على الحداثة ولغة العصر ومواكبة المتغيرات والمستجدات .

طبعا هناك اليوم شخصيات لبنانية وعربية تحاول ملء الفراغ وتنشط في مجالات متعددة وإن كان معظمها يأتي من الزمن السابق أو هو نتاج القرن الماضي ، في حين أن الأحزاب والمؤسسات الدينية والفكرية اليوم لم تستطع ان تنتج نماذج من هذا المستوى ، فهل نحن أمام تصحر فكري – ديني ، أم أن هناك عملية قمع وترهيب لمنع بروز النماذج الفكرية والدينية الجديدة صاحبة الحضور المتمّيز .

نحن أمام ظاهرة تستحق التوقف والدراسة لبحث الأسباب وكيفية تجاوز هذا المأزق الخطير .

رحم الله العلاّمة السيد محمد حسن الأمين ، وعلى أمل أن نشهد بروز شخصيات أخرى قادرة على ملء الفراغ الذي تركه وأمثاله لبنانيا وعربيا.

السابق
«المواجهة الشعبوية» أمام العدلية تسقط هيبة القضاء.. لبنان ليس بخير!
التالي
«حزب الله» يقف في وجه القاضية عون: تؤثر على هيبة الدولة