«مئوية» تركيا الحديثة.. الرحلة الشيقة والشاقة!

تركيا

يستعرض الباحث اللبناني المتخصّص – ومنذ زمن بعيد – في الشؤون التركية ، الدكتور محمد نور الدين، “السيرة السياسية والاجتماعية” للدولة التركية الحديثة، من خلال التغطية البحثيّة الشاملة لقرن كامل من تاريخها، وهي التغطية التي يضمها كتابه الجديد الصادر حديثا، تحت عنوان: “مئة عام من تاريخ تركيا الحديث (سيرة سياسية واجتماعية (1920 – 2020))”.

 وهذا الكتاب الذي هو مجلّد ضخم تربو صفحاته على ال500 صفحة من القطع الكبير، هو من منشورات “شركة المطبوعات” في بيروت وفي طبعة أولى 2020.

اقرأ أيضاً: ووهان لم تكن مدينة أشباح!

هذا الكتاب

اذاً هذا الكتاب الذي هو كتاب تاريخ تركيا الحديث في مائة عام، يتناول الشؤون التركية بعامّة، منذ ما بعد انهيار الدولة العثمانية الى اليوم.

يشكل هذا الكتاب مرجعا دقيقا وموثوقا للباحثين والسياسيين المهتمين بتاريخيّ تركيا الحديث ومحيطها

اذ انّه بعد انهيار الدولة العثمانية في نهاية العام 1918، دخل المجتمع التركي مرحلة جديدة من التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حاولت الانتقال به من دائرة “الأمة” الى دائرة الدولة القومية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وقد أسّس اعلان الجمهورية في العام 1923 البداية الفعلية لحقبة زاخرة بالتجارب والتحديات.

وقد رافقت هذه الحقبة ظواهر غير مسبوقة في السياسات الداخلية وفي العلاقات الخارجية. وكان اعتماد العلمنة في الدستور بعد اعلان الجمهورية، ومن ثم التعددية الحزبية بعد الحرب العالمية الثانية العنوانين الأبرزين في السياسات الداخلية. وبعد حياد نسبيّ في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، كان الانخراط في سياسة الأحلاف بعد الحرب العالمية الثانية كجزء من حلف شمال الأطلسي ومن مسار الاندماج الحضاري مع المجموعة الأوروبية، عنوان تلك الحقبة في السياسات الخارجية.

مرجع دقيق وموثوق

وهذا الكتاب يحاول  أن يرسم ملامح وخصائص المتغيرات العامة في المسارين الداخلي والخارجي على امتداد مئة عام متتبّعا، في تحقيب زمنيّ، أبرز محطات الصراع بين القوى المختلفة. ولم يُحصر التناول، داخليا، في التجاذبات السياسية مثل المسألة الكردية والصراع العلماني – الاسلامي والتناقضات الطبقية ودور المؤسسة العسكرية، بل أضاء على ظواهر تأسيسية اجتماعية وثقافية وفنية كانت تجليّاً للمسارات الأساسية ومؤثرة فيها وتمنح تناول الوقائع حيوية اضافية. وتتبّع الكتاب مآلات السياسات الخارجية على امتداد هذه الفترة سواء في ثباتها كجزء من المنظومة الغربية أو في محاولة اضفاء أبعاد جديدة عليها في أكثر من محطة.

وعليه يشكّل هذا الكتاب، بمصادره التركية ومقاربته الشاملة والخبرة الأكاديمية الطويلة لمؤلفه في الشأن التركي، مرجعاً دقيقاً وموثوقاً لكل باحث ومشتغل بالسياسة، مهتم بتاريخ تركيا الحديث وتاريخ المنطقة المحيطة بها، على أمل أن يكون اضافة مميزة للمكتبة التاريخية العربية.

أسّس اعلان الجمهورية الأتاتوركية في العام 1923 البداية الفعلية لحقبة زاخرة بالتجارب والتحديات

محتويات الكتاب

ولقد جاءت محتويات هذا الكتاب مؤلفة من: نص تقديميّ، وعشرة فصول، وخاتمة، وملاحق عدة.

والفصل الأول: هو “مدخل.. “ويتناول الشأن التركي” من السلطنة الى الجمهورية (1920 – 1922 )”. والفصل الثاني: يتناول: “الجمهورية الأتاتوركية (1923 – 1938). والفصل الثالث: يتمحور حول: “حقبة عصمت اينونو (1938 – 1950). والفصل الرابع: يتحدث عن: “مرحلة الحزب الديمقراطي: (1950 – 1960). والفصل الخامس: يعرض وقائع: “الانقلاب العسكري الأول وما بعده (1960 – 1970). والفصل السادس: يتمحور حول: “سنوات الفوضى والعنف” (في تركيا): 1971 – 1980). والفصل السابع: هو مدار: “نظام 12 أيلول/ سبتمبر (التركي): (1980 -1991). والفصل الثامن: يؤطّر: “مرحلة التوترات واللااستقرار (1991 – 2002). والفصلان: التاسع والعاشر والأخير: جاءا مختصَين بالحقبة المعروفة بتسمية: “حقبة العدالة والتنمية” (في الدولة التركية)، اذ يتمحور حولها هذان الفصلان: بالتناول منذ العام (2002) الى العام (2020).

فلسفة هذا الكتاب

ومن مسوّغات نص التقديم، نورد هنا التوضيحات التالية، التي يسوقها المؤلّف في سياق هذا النص:

1- تقوم فلسفة هذا الكتاب على تتبّع الأحداث وفق تعاقبها الزمني افقيا، على الصعيدين الداخلي والخارجي، مع خرق عمودي فيما لو تطلّب حدث ما ذلك، فيما كان توزيع الفصول وفقا لمعيار التطورات الداخلية. ولا تقتصر المتابعة على الأحداث التاريخية، بل توقفنا كذلك عند مظاهر تأسيسية في مجالات أخرى، ثقافية أو فنية أو عامة…

التاريخ السياسي وناظم حكمت وأول ملكة جمال لتركيا  

يعكس الكتاب بصورة أساسية التاريخ السياسي لتركيا وعلاقاتها الخارجية. لكنه يتحول، مع التوقف عند محطات مهمة من التواريخ الثقافية والاجتماعية، الى ما يشبه “سيرة ذاتية” لتركيا. على سبيل المثال، لم تشكل الاشارة الى الخرق الشعريّ الكبير لناظم حكمت لبنية القصيدة التركية الحديثة عام 1929، وانتخاب أول ملكة جمال لتركيا في العام نفسه، نشازاً مع حدث تغيير الأبجدية من العربية الى اللاتينية قبل ذلك بعام واحد، بل شكلت كلها محطات ثلاثا في مخاض واحد، هو التغيير والانقلاب على السائد والتقليدي.

أهمية هذا الكتاب أنه من المصادر التركية بلغتها الأمّ ومن العلاقة العريقة لمؤلّفه مع الشأن التركي الحديث بمختلف “لاعبيه” المعاصرين

مصادر الكتاب

3- اعتمدنا في مصادرنا لهذا الكتاب، وبنسبة تفوق تسعين في المئة، على تلك التي كتبها مؤرخون وكتاّب ومثقفون أتراك باللغة التركية… ولقد حرصنا على العودة الى المصادر الأصلية من وثائق او محاضر مجلس نواب او النصوص الأصلية للشعراء والروائيين. حتى اننا عدنا احيانا الى أفلام وثائقية واسطوانات غنائية.

اقرأ أيضاً: ووهان.. أبعد من مسقط رأس كورونا!

4 – ولا شك في اننا استفدنا كثيرا من تجربتنا الشخصية ، على امتداد ناهز حتى الآن الأربعين عاما، في العلاقة مع الشأن التركي و”لاعبيه” (بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية والمذهبية والسياسية وانشغالاتهم الثقافية والفنية او سوى ذلك)، ذلك أن الكثير من المعلومات الشخصية التي بحوزتنا كانت هي نفسها مصدرا مباشرا ومهمّا وغنيا للاحاطة بأحداث كثيرة، ولا سيما في مرحلة ما بعد العام 1980 سواء على الصعيد السياسي او الثقافي او العام.

السابق
قرارات متناقضة تُخرج أصحاب الملاهي والمطاعم الى الشارع: لغضّ النظر!
التالي
عائلة ريشار واكيم تردّ على نقابتيّ «الأطباء» و«المستشفيات»: ماذا يحصل في اروقة علاج مرضى كورونا؟