لبنان ليس «قطعة سما» فوق أرض «العم سام»!

جو بايدن
لبنان معزول عن العالم، وهذه المرة بقرار استراتيجي إتخذته قوى محلية لها نفوذ تحكم مؤسساته وتتحكم بإداراته ولها سطوة على المرافىء والحدود، تأتمر بالخارج الذي يعتبرها جزء لا يتجزأ منه، أمرها بيده ومهمتها الذود عن مصالحه، فعلها محصور في كونها وسيلة هجوم، يُعمل بعدما طرأت بعض المتغيرات على مسار الأحداث على تمكينها من القيام بمهام المناورة والدفاع.

“غنج” التيار الوطني الحر ما كان ليكون، لو لا تغاضي القابض الحقيقي على الجمهورية عن أفعاله، وعلى مايبدو هذا “المُدلِع”يخدم توجهات “المُدَلع” ويعفيه من مهمة المواجهة المباشرة مع من يتهمونه بالتعطيل، تجربة حكومة دياب التي تعتبر 100%  موالية له لم تكن مشجعة، لكنها بحسب ما يرى قادرة على لعب دور تصريف الأعمال الموكلة بالغصب إليها. 

جولة الرئيس المكلف ليست تفصيلا، لقاءاته بعدد من قادة الدول المعنية بالملف اللبناني، أفضت إلى الإعلان ومن على باب قصر بعبدا أن لا تراجع عن خيار تشكيل حكومة إختصاصيين، مستقلين عن الأحزاب وغير خاضعين لإملاءاتهم وليس فيها “الثلث المعطل” لأي كان. 

لقاءات الحريري بعدد من قادة الدول المعنية بالملف اللبناني أفضت إلى الإعلان ومن على باب قصر بعبدا أن لا تراجع عن خيار تشكيل حكومة إختصاصيين

الموقف الامريكي من تشكيل الحكومة عبر الوساطة الفرنسية غير واضح ، هي أي الإدارة الأمريكية ليست في وارد تظهير ذلك على أنه بداية تسوية أو تواصل مع إيران، بالنسبة إليها إن أي إتصال من الممكن أن ينشأ بينهم، يجب أن ينطلق من الملف النووي والإتفاقيات الموقعة بهذا الخصوص، أو عبر السعي  إلى تطبيق خطة حظر أو الحد من إنتشار الصواريخ الباليستية، القادرة على زعزعة الاستقرار وتشكيل خطر على أمنها وأمن حلفائها في المنطقة.

على الرئيس الذي تعطلت الجمهورية 29 شهراً لأجل انتخابه، أن يبوح بما يريد أو بما أوكل إليه خصوصاً، وأن عهده شهد العديد من الخضات الدبلوماسية المدمرة لعلاقة لبنان مع الدولة الصديقة والشقيقة، وطغى عليه الشقاق في الداخل بين الأفرقاء، وسقطت الدولة بالكامل في مستنقع الفساد  بشكل لم تشهده الجمهورية  منذ إعلان الإستقلال.

جائحة كورونا هي الأخرى كان لها ما كان للحرب التي خاضها حلفاء العهد خارج الحدود، تفجير الرابع من آب الذي أودى بحياة المئات وشرد الألاف كان هو الآخر بمثابة المطرقة التي هشمت رأس الوطن وقصمت ظهر اللبنانيين دون استثناء. كل هذا الخراب مضاف إليه ايام التعطيل التي فرضها العناد السياسي لكلهم يحتم التعقل وإلا كان ما هو أسوء بكثير مما هو قائم الآن .

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: هكذا «تبخرت» صفقة الفيول العراقي!

إدارة بايدن ليست كإدارة ترامب، هي لا تبحث عن خصوم بقدر ما هي تريد أن تعطل نشاطهم، معركتها الأساس تكمن في استعادة موقعها المتقدم في التجارة والإقتصاد، الأمن والأمان تستعيده متى ما حققت الهدوء في المنطقة وأرست قواعد الإستقرار، جلب إيران وأمثالها إلى مجلس الأمن هو ما تريد تحقيقه في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي سيحتم عليها تغير سلوك الرفض المسبق للتفاوض معها.

 الغاية عندها تبرر الوسيلة، المرحلة القادمة من دون أدنى شك ستدفعها بإتجاه إستعادة الثقة مع الأوروبيين، لأجل تمكين حوكمتها على أجزاء كبيرة من الأرض، هي ستعمل مجدداً على تغليب المبادىء والقيم الأمريكية التي تدعي أنها أول من ارسى قواعدها وقضت عليها شخصانية ترامب.

 ستسعى الولايات المتحدة إلى إستيلاد ما يعرف بالإئتلاف، الذي يضم أغلب الأطراف الإقليميين على قاعدة اساسها إيديولوجيا الوسط، أي إستقطاب من هم على شاطىء اليمين المتطرف ومن هم قاب قوسين أو أدنى من الإلتحاق باليسار الملتصق بالماضي ويسعى فقط للإنتقام. 

الوصول إلى اتفاقيات ثنائية وثلاثية ورباعية ولربما إلى أكثر بين دول المنطقة في مجال السياحة والإقتصاد والبيئة وقضايا أخرى، سيقلل من وجهة نظرها من الصدام ومن العداوة، ومن مطلب الفصل والإنفصال والتوسع في الجغرافيا، ويحد من السعي والمطالبة بالحكم الذاتي ويجعل من مسألة ترسيم الحدود بالجدران الأسمنتية بين الكيانات أمر ليس بذات أهمية ولا هو أولوية. 

 إدارة قاعدة إنطلاقها، كما يشي بذلك حضور طيف أوباما، ترتكز على الحوار لأجل معرفة ما هو قابل للتحقق، وإكتشاف ما هو ممكن الحدوث، ومن ثم الذهاب إلى خيار الترتيبات العملية، التي من خلالها تستطيع الوصول إلى أهدافها وتحرز تقدم على مستوى إستعادة قيادتها للعالم.

 التطبيع الشرق أوسطي مسار بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة سيبنى عليه، نزعة الرفض التي من الممكن ان يلجأ إليها البعض في هذا الخصوص بالنسبة إليها، ما عادت تجدي نفعا في منطقة تريد المضي قدماً، خصوصاً وأن كثير من دولها بدا لها تأخرها، وبات همها حماية وجودها و إستعادة توازنها عبر تحقيق المكاسب من الروابط التجارية والإقتصادية والمالية، التي من الممكن أن تبرمها بين بعضها البعض.

 ستسعى الولايات المتحدة إلى إستيلاد ما يعرف بالإئتلاف الذي يضم أغلب الأطراف الإقليميين على قاعدة اساسها إيديولوجيا الوسط

 في النهاية لدى إدارة بايدن الفائزة بغتة و نكاية بترامب، قناعة مستجدة مفادها أن التشدد لا يخدم إلا التشدد، و وجود كيانات متقوقعة على نفسها، ينذر بأنها تتحين الفرصة للإنقضاض على غيرها، وتالياً سيقابلها ممن هم على نقيضها، وتسعى هي الأخرى لما تسعى إليه، في حين أن وجود كيانات متقدمة متطورة ومستقرة، سيدفع باتجاه ولادة أخرى تنافسها يمكن لها من خلال تكافء الفرص ان تقوي بإيجابية كياناتها.

 صنع المستقبل أفضل بكثير من تغيير الإتجاه، لكن الضمانة الوحيد الممكنة لتحقق ذلك تكمن في حدوث الإستقرار ، المدعم بالشراكة بين الأنظمة المستند على التنمية المتوازنة المستدامة، المترافقة مع الإبداع والمعرفة والتكنولوجيا المصممة على تسريع تقدم أولئك الذين  ما زالوا في الخلف.

السابق
بلقيس من الغناء الخليجي إلى اللبناني.. «حالة جديدة» حقاً
التالي
توقف مسلسل «ابنة السفير» بشكل مفاجئ يصدم الجمهور