طروحات لإعادة إنتاج صيغة جديدة (1).. مسرّة لـ«جنوبية»: محاولة لحرف الانظار عن وجود دولتين

انطوان مسرة

أفسح التعثر في تشكيلة حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري، في إعادة الحديث من قبل القوى السياسية عن مدى صلاحية النظام اللبناني ، للإستمرار في ظل الازمات المتلاحقة التي تعيشها بلاد الارز منذ تطبيق إتفاق الطائف. لعل أقرب الأدلة على هذه الطروحات ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب إنفجار مرفأ بيروت حول ضرورة أن تكون الخطوة الثانية بعد تشكيل حكومة “المهمة” البحث في صيغة جديدة للنظام اللبناني، في حين أطلق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مؤخرا مبادرته لإنعقاد مؤتمر دولي لحل المشكلة التي يمر بها لبنان، وكان سبق له أن دعا إلى تطبيق مبدأ الحياد الايجابي.

اقرا ايضاً: مبادرة البطريرك الراعي.. إلى أين؟

قبل ماكرون والراعي راودت فكرة البحث في صيغة جديدة للنظام اللبناني كل الافرقاء اللبنانيين تقريبا، وعلى رأسهم “حزب الله” عندما طرح أمينه العام السيد حسن نصر الله (قبل إنتخاب الرئيس ميشال عون) فكرة إنعقاد “مؤتمر تأسيسي” للبحث في الازمة السياسية التي إنفجرت مع الفراغ الرئاسي، بالاضافة إلى طرح رئيس حزب الكتائب سامي الجميل لفكرة تطبيق “الفيدرالية”، وإلى جانبهما كانت مطالبة التيار الوطني الحر بتطبيق “اللامركزية الادارية”.

جميع الاطراف تحمل يقينا داخليا بأن “إتفاق الطائف” قد أدّى قسطه إلى العلى

كل ما سبق يدل على أن جميع الاطراف تحمل يقينا داخليا بأن “إتفاق الطائف” قد أدّى قسطه إلى العلى، وسرعان ما يتم التعبير عن هذا اليقين إلى العلن عند كل تعقيد لتشكيل حكومة أو فراغ في سدة الرئاسة الاولى أو وضع قانون جديد للإنتخابات النيابية. لكن ما يمكن تمييزه في الطروحات الحالية في أنها تتزامن مع تحولات متعددة تجري في الاقليم وتغييرات في إدارة دولة كبرى ومؤثرة على كل ما يجري في لبنان والمنطقة، ألا وهي الولايات المتحدة الاميركية، ناهيك عن حراك يجري بين الدول الكبرى لإنتاج صيغ حكم جديدة في مناطق مشتعلة ومتوترة في المنطقة بدءا من سوريا مرورا بالعراق وليبيا، فهل يكون التوقيت اللبناني بالبحث عن صيغة جديدة للنظام مؤاتيا للظروف الدولية كما حصل قُبيل إنتاج إتفاق الطائف؟

ما يمكن تمييزه في الطروحات الحالية في أنها تتزامن مع تحولات متعددة تجري في الاقليم وتغييرات في إدارة الولايات المتحدة

المشكلة في مكان آخر

يعتبر عضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة، أن “كل ما يُحكى حول الحاجة إلى صيغة جديدة في لبنان ، على غرار ما حصل قبل الطائف، هو تحريف للأنظار عن لُب المشكلة والتي هي في مكان آخر”.

ويشرح ذلك لـ”جنوبية” بالقول:”أكثر الطروحات حول النظام السياسي في لبنان وتعديل الدستور هي هروب من الموضوع الاساسي، لأن أي طروحات جديدة تتطلب أساسا وجود دولة مستقلة، لبنان اليوم يوجد فيه دولتين دولة رسمية ودولة أخرى جانبية مرتبطة بمحور إقليمي إيراني”.

أي طروحات جديدة تتطلب أساسا وجود دولة مستقلة، لبنان اليوم يوجد فيه دولتين دولة رسمية ودولة أخرى مرتبطة بمحور إقليمي إيراني

ويسأل:”ما معنى دولة؟ الدولة تتضمن 4 خصال تسمى ملَكية، أولا أنها تحتكر القوة المنظمة، وهي وحدها تملك الجيش، وثانيا وحدها لها علاقات دبلوماسية، وثالثا هي التي تجبي وتفرض الضرائب،  ورابعا هي التي تدير السياسات العامة”.

ويرى مسرة أنه “يمكن إيراد أربع ملاحظات على الذين يطرحون فكرة إيجاد صيغة حكم جديدة، الملاحظة الاولى هي أن أي تعديل دستوري يتطلب أولا وجود دولة سيدة، وإلا نكون نقوم بتقسيم وفدرالية وحتى تطبيق اللامركزية الادارية  تتطلب أساسا دولة مركزية”.

يضيف:”الملاحظة الثانية هي أن اللبنانيين يفتقرون إلى الذاكرة، لقد أصدرت وثيقة من 600 صفحة إسمها “جذور وثيقة الطائف” مع الوثائق، تُبين أن كل بنود وثيقة الطائف هي إنتاج لبناني أصيل، وكانت ثمرة مداولات ونقاشات وحوارات، وأسفرت عن ما يسمى وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) ما عدا البند المتعلق بإعادة تمركز القوات السورية في لبنان، هذا البند كان مفروضا على الوثيقة وغير قابل للنقاش والذي وضعته اللجنة العربية وهذا ما تثبته الوثائق”، لافتا إلى أن “الملاحظة الثالثة هي أن من يتحدث عن تغيير وتحديث النظام يتناقض بكلامه بين شعار مكافحة الفساد وشعار تغيير النظام، لأنه يفترض  أن المسؤول عن الفساد هو النظام وأن الطبقة الفاسدة ليست مسؤولة، وكأن كل رجل سياسي في لبنان يحمل الدستور والقانون، ولا يقوم بأي عمل إلا إستنادا إلى الدستور وهذا أمر غير صحيح”.

من يتحدث عن تغيير وتحديث النظام يتناقض بكلامه بين شعار مكافحة الفساد وشعار تغيير النظام

يرى مسرة أن “هذه الطروحات تذكّر بمسرحية الرحابنة “يعيش يعيش” حيث أن القاضي الظالم يسند ظهر كرسيه على كتب القانون، ويصدر قوانينه الجائرة مطلقا عبارته الشهيرة “إستنادا إلى القانون”، وبينما القانون هو في الحقيقة سند معياري ومرجع، وبالتالي القول أن المشكلة في النظام اللبناني فهذا يعني تبرئة للفاسدين في لبنان وهذا أمر غير صحيح”.

القول أن المشكلة في النظام اللبناني فهذا يعني تبرئة للفاسدين في لبنان وهذا أمر غير صحيح

في ملاحظته الرابعة يذكّر مسرة أن “دستور لبنان منذ 1926 هو إنتاج عباقرة في العلم الدستوري المقارن منذ ميشال شيحا إلى رياض الصلح ويوسف السودا، ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) هي بعكس ما يُشاع  لم تُدخل تغيرات  جوهرية على الدستور، بل تؤكد على الثوابت اللبنانية (لبنان عربي الهوية والانتماء ونظام برلماني ومناصفة….)”، مشددا على أنه “إختباريا وواقعيا لا يوجد صيغة دستورية أخرى غير ما هو موجود في الدستور وفي وثيقة الطائف، أما الممارسة فهي الاسوأ عالميا، وهذا يتطلب وعي للثقافة الدستورية، لأنه غاب عن كتب التاريخ لدينا تطور النظام الدستوري اللبناني منذ نظام القائمقاميتين، ولم نتعلم ماذا يعني مفهوم الدولة، ولذلك نحن لسنا بحاجة إلى وضع صيغة دستورية جديدة بل إلى تغيير النظرة إلى مفهوم الدولة”.

دستور لبنان منذ 1926 هو إنتاج عباقرة في العلم الدستوري المقارن والطائف هي بعكس ما يُشاع  لم تُدخل تغيرات  جوهرية على الدستور

تحريف للأنظار

ويعتبر أن “السياسيين يحاولون تحريف الانظار عن الموضوع الاساسي والذي هو السيادة اللبنانية، لأنه بدون سيادة لا ينتظم أي قانون ولا أي تعديل دستوري ولا أي إصلاح وهذا ينطبق على كل الدول. الشرط الاساسي للتغيير هو أن تتمتع الدولة بالسيادة وكل تجارب العالم تثبت أن كل دولة تحت الاحتلال لا ينتظم نظامها الدستوري”.

السياسيون يحاولون تحريف الانظار عن الموضوع الاساسي والذي هو السيادة اللبنانية

طرح ماكرون والراعي

ماذا عن طرح الرئيس الفرنسي والبطريرك عن الحياد، أليست محاولة لإيجاد صيغة نظام جديدة؟

يجيب مسرة:”الحياد ليس فكرة جديدة في لبنان بل هو وارد في ميثاق العام 1943 وفي ميثاق الجامعة العربية وإجتماعاتها وفي سياسة لبنان الخارجية الرسمية و في كل القرارات الدولية، والحياد لا تتطلب أي تعديل في النظام الدستوري بل عودة لبنان إلى لبنان”.

الحوار الوطني إنتهى وإستُنفد وبات بلا أفق، وكان يتم اللعب عليه كرياضة موسمية وما نحتاجه هو حوار في السياسات العامة

يضيف: “أما طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فتخلله إلتباس وتم تصحيحه، بأن ما يعنيه هو إنعقاد مؤتمر دولي، وأي مؤتمر دولي سيعقد يجب أن يكون لتحرير لبنان من الاحتلال الخارجي  وعودة لبنان إلى إستقلاله وتطبيق القرارات الدولية، وليس لقيام حوار وطني لأن هذا الامر حسمه مقدمة الدستور بأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه”.

ويختم:”الحوار الوطني إنتهى وإستُنفد وبات بلا أفق، وكان يتم اللعب عليه كرياضة موسمية وما نحتاجه هو حوار في السياسات العامة”.

السابق
«دراما كوين» يصل نتفلكس مطلع آذار مع الأبلة فاهيتا
التالي
متى يشعر الجنين بأمّه ويسمع صوتها؟