تعددت الأسباب و«القتل» واحد.. «الحشاشون» أول فرقة اغتيال سياسي في الاسلام!

اطلاق نار في الهواء
يعاني المجتمع الاسلامي حاليا من ظاهرة العنف والاغتيالات السياسية، التي تنفذها فصائل اسلامية سنية وشيعية ضد خصومها في مجمل العالم العربي والاسلامي، من افغانستان وباكستان الى العراق وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان. وبالعودة الى الجذور، يظهر جليا ان أول حركة عنفية دموية اعتمدت الاغتيال السياسي كانت فرقة الحشاشين الاسماعيلية، الذين كانوا يسمون انفسهم بأصحاب الدعوة الجديدة.

ظهر الحشاشون أواخر القرن الحادي عشر، تحديدًا عام 1094 ميلادي، كنتيجة لانقسام الطائفة الإسماعيلية الشيعية الفاطمية إلى جماعتين، واحدة تتبع لنزار بن المستنصر، تسمى النزارية، وأخرى تتبع للمستعلي بالله بن المستنصر، تسمى المستعلية. وكانت طائفة الحشاشين تتبع للإسماعيلية النزارية. 

إقرأ أيضاً: نصرالله «يُنكر» لقمان سليم..و«يقفز» فوق القاتل!

وأخذت تلك الطائفة تشن حروبًا عسكرية ودعوية ضد السنة من العباسيين والسلاجقة والأيوبيين، وكذلك ضد المحتلين الصليبيين في بلاد الشام، واستمرّ نشاطها حوالي 150 عاما، قبل ان يقضي عليها المغول في بلاد فارس، ثم المماليك في بلاد الشام عام 1256.

قلعة ألموت "وكر العقاب" بالفارسية، بناها حسن الصباح لتكون حُصناً منيعاً لفرقة الحشاشين.
قلعة ألموت “وكر العقاب” بالفارسية، بناها حسن الصباح لتكون حُصناً منيعاً لفرقة الحشاشين.

حسن بن الصباح مخترع العمليات الانتحارية 

أسس حركة الحشاشين الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة” الألموت” في فارس مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته، ومن القلعة الحصينة، بدأ بن الصباح نشر فكرة جماعته في المناطق المجاورة، جنبًا إلى جنب مع شن عمليات قتل في صفوف السلاجقة والعباسيين. وكانوا يعتمدون على الاغتيالات التي يقوم بها عناصر يطلقون على أنفسهم “الفدائيين”، وكان هدفهم إلقاء أكبر قدر من الرعب في قلوب الحكام والأمراء المعادين لهم. 

بمجرد أن سيطر بن الصباح على قلعة ألموت بدأ بنشر دعاته، في جميع أرجاء إيران السنية التي كان سكانها يتذمرون من الحكم السلجوقي للبلاد.  

ويذكر المؤرخ الجويني بأن بن الصباح لم يكن معه في قلعة الموت أكثر من ستين أو سبعين شخصاً في ذلك الوقت، ولكنهم نجحوا في صدّ مُحاصريهم، وفي إحدى ليالي سبتمبر من نفس السنة هاجم سكان رود بار بشكل مفاجئ الجيش السلجوقي؛ مما أدّى إلى انسحاب الجيش وانتهاء الحصار عن ألموت، ثم ارتفع الحصار في كوهستان عندما وصلت أخبار وفاة السلطان السلجوقي في نوفمبر 1092م\485 هـ ولم يحقق السلاجقة أيّاً من أهدافهم. 

الحشاشون أول اغتيال سياسي كبير، وكان ضحيتهم الوزير السلجوقي نظام الملك الذي كان ذا سلطة عالية في البلاط

وفي تلك الأثناء نفذ الحشاشون أول اغتيال سياسي كبير، وكان ضحيتهم الوزير السلجوقي نظام الملك الذي كان ذا سلطة عالية في البلاط السلجوقي؛ ومن أشد المحرّضين على الهجوم على الإسماعيليين، ففي 12 رمضان 485 هـ (16 ديسمبر 1092م) تقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين، وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو محفة الوزير الذي كان محمولاً ومتجهاً إلى خيام حريمه، فهاجم الوزير وطعنه فمات الوزير وقُتِل المهاجم. 

ومن أشهر الاغتيالات التي نفذها الحشاشون، وفقاً لكتاب “الأحداث المهمة في تأريخ الأمة” للآلوسي، اغتيال الوزير نظام الملك الطوسي، وهي العملية التي كانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين، منهم كونراد الأول ملك القدس، ومودود بن التونتكين أمير الموصل، وأحمد بن إبراهيم الكردي، وقاضي أصفهان الشرعي عبيد الله الخطيب، والخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، الذي أسقطوه من فرسه وطعنوه عدة طعنات، كذلك اغتيال الخليفة العباسي المُسترشد. 

ووفقاً لكتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام” لبرنارد لويس، فقد كانت الاستراتيجية التي يتبعها بن الصبّاح وأتباعه في الاغتيالات مختلفة وذكية، حيث إنه كان يتجنب المواجهات المُباشرة التي يروح ضحيتها قتلى من الطرفين، واعتمد على الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الأعداء. 

اسطورة الحشيش و Assasins 

وتبقى الحقيقة أنه لا النصوص الإسماعيلية التي تمت استعادتها حتى الآن؛ ولا أيّاً من النصوص الإسلامية غير الإسماعيلية المعاصرة التي كانت معادية للنزاريين تشهد بالاستعمال الفعلي لعشبة الحشيش المخدرة، غير ان جمهور المسلمين المصدومين بدموية هذه الفرقة، اصروا على وصمهم بها لانهم لا يجدون تفسيرا لاقدام افرادهم، على التضحية بانفسهم بهذه السهولة اثناء تنفيذ عملياتهم الفدائية القاتلة الا تناولهم للعشبة المخدرة، وذلك بسبب عدم فهمهم لعمق الولاء الديني المزروع فيهم، والذي يماثل غسيل ادمغة العقائديين في الاحزاب الاسلامية الجهادية في عصرنا الحالي. 

أما (Assasins) أي القتلة أو الاغتياليون، فهي لفظة كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الفدائية الإسماعيلية، الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم؛ فخافوهم ولقبوهم “الأساسان”. 

كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش

ومع بداية النصف الثاني من القرن الثاني عشر ، بدأت التحويرات العربية لمصطلح الحشاشين تلتقط محلياً في سورية، وتصل إلى مسامع الصليبيين ليتكرس مصطلح”Assassin” والتي صار ينعت فيها الإسماعيلييون النزاريون في سورية، الأمر الذي أدّى لظهور اسم جديد دخل إلى اللغات الغربية وهو “Assassin” وأصبح يعني “القاتل”، وقد كانت المخيلة الأوربية خصبة في وصف هؤلاء الحشاشين، وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم، فنجد قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو التي باتت تعرف بـ”أسطورة الفردوس” والذي نقرأ في كتابه في وصف قلعة ألموت ما يلي: 

«بأنه كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: “من الجنة”، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة! » 

السابق
البطريرك العبسي يحلّ «المجلس الأعلى».. ويُعلن استقالته!
التالي
تأكيد قطري على استمرار دعم لبنان.. اليكم مُحصلة جولة الحريري!