بأي ذنب قُتل لقمان «الحكيم»؟!

علي الامين

عندما يخون “الذكاء” القاتل وتسيطر عليه “العنجهية الرعناء”، سرعان ما يصدر حكماً بإعدام لقمان سليم. من قرر وخطط وحرض على اغتيال لقمان “الحكيم”، لم يعِ للحظة بأن دمه وروحه وثقافته ومكانته ستلاحقه أكثر فأكثر، وستلعنه لمدة أطول وأطول، وما لم يُقدّر له ان يراه على الأرض، بفعل استعجال القاتل، من انجازات سياسية وطنية أرسى لبنتها على عدد دقائق حياته، سيأتي ذلك الغد القريب، وينظره لقمان من عليائه ويصفق له.

بأي ذنب قُتل لقمان؟! سؤال موجع ومحيّر في آن. صحيح ان لقمان كما كل رفاقه الشرفاء من طينته الوطنية العابرة للطوائف والأحزاب، يتوقعون الموت في أي لحظة قدرية او مدبرة لأسباب وأسباب، أما ان يكون الموت متربصاً بهم فقط، لأنهم غلّبوا لغة الحوار والعلم والثقافة والدماثة وادخلوها في أدبيات السياسة، فتلك هي الجريمة!

حين ابلغتني شقيقة لقمان سليم بعد منتصف ليل الاربعاء – الخميس (4 شباط) عن اختفائه وعن شعورها بأن خطراً قد طاله، وعن محاولتها الاتصال وزوجته مونيكا به هاتفياً منذ ساعات من دون أن يرد، حاولت استبعاد فكرة انه تعرض لشرٍّ ما، وتشبثت بفكرة انه نائم أو لا يريد الرد على هاتفه، وربما اضاعه.

ساعات قليلة من الاتصالات المكثفة مع الاصدقاء المشتركين كانت كفيلة لتتكشف عن هول ما حدث. لقمان تعرض لعملية قتل فضحت جبن القاتل الذي لم يستطع ان ينظر في عينيه حين أرداه، بل افرغ الرصاصات الست من الخلف.

من يعرف لقمان يعلم مدى التصاقه وتردده الى الجنوب، ومدى الصداقات التي يمتلكها فيه، صداقات متنوعة لا يحكمها التناغم السياسي، بقدر ما كانت صداقات تقوم على ما هو اعمق من ذلك بكثير، هي صداقات ممتدة في الزمن، راسخة في مساحات الفكر والثقافة والحياة على امتداد ما تحمله من تنوع وغنى، ذلك ان لقمان يصعب ان يختصر بصورة واحدة يحكمها اللون الواحد، ولا يمكن ألا تجد له أثراً من صداقة او نشاط بحثي او حقوقي او اجتماعي على امتداد المناطق اللبنانية، كان في حركة دائمة لا تهدأ ولم تمنعه التهديدات ولا التحريض، من ان يبقى على هذا المنوال من الحركة والتواصل والاتصال والانتقال من منطقة الى أخرى من الشمال الى البقاع ومعظم المناطق اللبنانية.

النموذج الذي مثّله لقمان كما يعرفه الجميع من اصدقائه ومتابعيه من محبين وخصوم، هو هذا المقدار من الوضوح والجرأة في الرأي والموقف، لا اعتقد ان رجلاً في لبنان تعرّض للتحريض المباشر والاتهامات والتشويه كلقمان سليم. كان بيته في حارة حريك عبارة عن جزيرة محاطة بكاميرات المراقبة، بتهويل وتهديد مباشر شبه يومي منذ اكثر من عشر سنوات، كان يستطيع لقمان سليم ان ينتقل الى مكان آخر اكثر أماناً في لبنان او خارج لبنان، لكنه اصرّ على البقاء في بيته وبيت ابيه ومقر عمله في “جمعية أمم للأبحاث والتوثيق”، اي في المكان الذي ولد فيه ونشأ، على رغم كل العدوانية التي قوبل بها في سبيل ترهيبه واخراجه نحو مكان آخر.

حيوية لقمان ونشاطاته جعلت منه نموذجاً فريداً، فهو الى جانب حرصه على التواصل المباشر مع الجميع والتنقل بشكل فردي وظاهر ومعلن، كان يقول دائماً ان التعبير الحر عن قناعاته هو مصدر حمايته، وانه رجل ليس مستعداً ان يخفي قناعاته، ولا نشاطه او طموحاته. وهو الى ذلك كان متميزاً في قدرته على التواصل مع كل المؤسسات الدولية والمسؤولين في دول العالم، كان يمتلك رصيداً كبيراً من العلاقات الخارجية، تظهر مدى قدرته على فهم هذا المجال الغني والمهم والذي يكاد يكون متفرداً في حضوره على هذا المستوى، في حجم العلاقات في فهم هذا العالم وسبل التواصل معه، وهو على هــذا الصعيد كان ثروة خسرها لبنان وخسرها حتى خصومه. وخسرته الطائفة الشيعية التي كان يشكل فيها احد ابرز ملامح التنوع والاختلاف، بل الاجتهاد الذي لطالما اتسمت به على رغم الاحادية والانغلاق الذي يحاصرها من داخلها ومن خارجها ايضاً الى حدّ الاختناق.

القاتل اغتال لقمان وتقصّده، ليختبر من خلاله قدرته على الترهيب والقمع النفسي في نفوس اللبنانيين عموماً والمعارضين على وجه الخصوص، لكنه أمر لا ينفع مع لقمان سليم، فهو كان يضع في حساباته القتل ولكن كان يدرك ان الموت هو تفصيل طالما انه قدر، وكيفما لاقاه قتلاً او بسبب آخر، لذا كان يعتبر ان الموت الحقيقي بالنسبة اليه هو ان يقمع ذاته وينكر على نفسه حقوقه، وان الحياة لديه هي حريته وارادته الحرة وسواهما هو الموت ولو بقي على قيد الحياة الجسمانية.

من قتل لقمان سليم سيكتشف كم كان مخطئاً وكم كان لا يدرك حجم ما بذره لقمان سليم في ارض الوطن، وان دم لقمان كفيل بأن يضاعفه على امتداد لبنان.

ثمة حملات تشويه استمرت لسنوات في شيطنة لقمان سليم، لكن ما سيباغت القاتل ويفاجأ به، هو وجه لقمان وجعبته الممتلئة بالحب والعلم والأخلاق والرقيّ والثقافة والغنى الانساني، وهذا لا يموت بل يحيا. لذا لقمان حيّ كما تقول شقيقته وصديقته رشا، لأنها تدرك في اعماقها ان ما لم يحققه لقمان من احلام في حياته ستزهر بعد موته وهذا قدر الأحرار الذي كان لقمان ولا يزال النموذج والمثال.

ويظل لقمان مضرجاً بحريته… ودمه يزهر حلم وطن لا اشرار فيه، يحمل شعلته كل من أحبه وآمن به، ولاحقاً سيكتشف من ناصبوه العداء انهم خسروا خصماً شريفاً… وأي منقلب سينقلبون!

السابق
قيس الشيخ نجيب يسدّد «هجمة مرتدة» في الدراما المصرية
التالي
حلم الإمارات في الوصول إلى المريخ يتحقق والنجوم يهنئون