«طرابلس مدينتنا» ترفع الصوت: معا لمواجهة التهميش والاستباحة

طرابلس

على وقع ما شهدته مدينة طرابلس من احتجاجات دامية قبل أيام، صدر عن حراك “طرابلس مدينتنا” بيانا جاء فيه: نحن الموقعين على هذا البيان من أبناء طرابلس الحبيبة وأهلها المقيمين والمغتربين والعاملين فيها، نعتبر أنفسنا خارج الأجندات السياسية لأطراف السلطة وصراعاتهم وخارج تجاذبات الأجهزة المتعددة، وبعيدون كل البعد عن نظريات المؤامرة التبسيطية التي لا تريد الاعتراف بعمق الأزمة وطابعها المزمن والخطير.

اقرا ايضاً: بلدية طرابلس..البكاء على عُمر لا الحجَر!

 إنَّ ما شهدته المدينة من أحداثٍ في الأيام الأخيرة أدى للأسف إلى فاجعة سقوط شهيدين وجرح المئات من شباب المدينة المطالبين بالحد الأدنى لحقوقهم الإنسانية، كما أدى الى إحراق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية والاعتداء على الممتلكات الخاصة، ودفع الأمور نحو مواجهة خبيثة بين بعض المواطنين والمؤسسات العسكرية والأمنية…الخ، وهو نتيجة صارخة لهذا الواقع.

نحن ندرك تماماً أن مدينتنا ليست وحدها وقد شاهدنا تضامن اللبنانيين الصادق مع ما تعانيه. كما ندرك أننا لسنا وحدنا من يعاني من الأزمة الإقتصادية والإجتماعية، ولا من الأزمة الصحية؛ فالإنهيار الكامل للدولة وغيابها وفشل وعقم كل الخطط والخطوات التي قامت بها السلطات على الأقل منذ 17 تشرين، يطال كل اللبنانيين وكل المناطق بضرره.

فنحن لن ننسى أن هذا الفشل والفساد والإجرام فجر بيروت في الرابع من آب؛ ولن ننسى أن البقاع يكاد يكون خارج الشرعية وخارج القانون سواء على الحدود المفتوحة أو في التفلّت الأمني قتلا وسرقة على الطرقات دون أي اجراء للحد منه؛ ولن ننسى الفشل المرعب في إدارة ملف الحدود البحرية حيث حدود لبنان نفسها تحولت الى مجال لتسجيل النقاط السياسية بين أطراف السلطة نفسها، هذا عدا عن الفشل في معالجة الأزمة الإقتصادية والاجتماعية والبيئية والتربوية وجائحة كورونا مع كل تداعياتها.

أما طرابلس مدينتنا التي أعلنت في حراكها الأخير الخروج من تحت عباءة الزعامات التقليدية؛ هذه المدينة، التي إنتفضت سلمياً ولا تزال وكانت محط أنظار العالم، تجد نفسها مستباحة اليوم على أكثر من صعيد بعد تهميشها سياسيا وإقتصادياً وإجتماعياَ وبيئياَ وتربوياَ على امتداد عقود، الى أن تحولت الى مدينة فقيرة بمعظم سكانها وإلى حدوث خللٍ طبقيٍ عميق و إلى إضمحلال الطبقة الوسطى فيها. والفقر لا يعيب أهلها الطيبين بل هو وصمة عار على جبين السلطات المتعاقبة وسياساتها الفاشلة الفاسدة، التي لا ترى القدرات الكبيرة الكامنة في هذه المدينة وفي الشمال كفرصةٍ لاستعادة النمو والتنمية في لبنان الذي دخل اقتصاده في نفق أسود منذ سنوات. أكثر من ذلك، فإن هذه المدنية المحرومة والمقهورة بفعل هذه السياسات المتعمدة، تجد نفسها دون أي وجود فاعل للسلطة والدولة المركزية يراعي مصالح سكانها بأمانة، لا بل نجد إمعاناً في التهميش والقمع وتعطيل الانماء، كأنها “مدينة سائبة” لا أهل لها ولا من يدافع عنها.

إنَّ ما حصل في طرابلس في الأيام الماضية هو انفجار إجتماعي غاضب إزاء هذا الفشل المزمن والغياب الرسمي، لا يحفزه الفقر والحرمان وحدهما، بل أيضاَ الشعور العام والمزمن بالإهانة والإذلال المتعمد للمدينة وأبنائها، وترك عناصر الإنفجار المجتمعي دون أي معالجة: فلا تُفعّل مرافقها، ولا تؤهّل بناها التحية، ولا ينشّط اقتصادها، ولا حل لجبال النفايات فيها، و لا عمل على تخفيف البطالة و التسرب المدرسي لأولادها، ولا يعمل على إيجاد حلول للظلم الذي يلحق بالعشرات من العائلات و أبنائهم الموقوفين دون محاكمات عادلة منذ سنوات، من أجل استخدامهم للمقايضة السياسية في عفوٍ شامل لمن يستحق ومن لا يستحق. أضف إلى كل ذلك تجريد المدينة من كل المؤسسات المركزية أو السلطات المحلية أو النقابية التي يمكن ان تشكل مناعتها أو تنطق بإسمها.

 لقد فشلت السلطة المركزية وأدواتها المحلية ممثلة بالدرجة الأولى بالمحافظ الذي عجز عن القيام بدروه في تفعيل الدوائر الإقليمية للوزارات والعاجز عن القيام بأي مبادرةٍ أو حوار، بالإضافة إلى دوره في تعطيل شبه كامل لبلديات الفيحاء واتحادها. يضاف إلى ذلك الفشل الجماعي في إعتماد سياسات أمنية وقضائية شفافة تخاطب الناس بدل تخويفهم؛ ومصادرة شبه معممة للنقابات والهيئات الاقتصادية والاجتماعية واستتباعها للتيارات السياسية بما أفقدها دورها المستقل وقدرتها على الرقابة وتعويض غياب الدولة وقصور مؤسساتها.

انَّ الوضع في المدينة سوف يذهب إلى المزيد من التدهور ما لم يسارع أبناؤها الى الدفاع عنها ورفع الصوت عالياً لمنع تحويلها إلى ساحة مفتوحة لحسابات تتجاوز حدودها وأهلها. كما تنتظرنا أوضاع أكثر سوءاً ما لم نبدع مخارج وحلول فورية لمعالجة الأزمة التي هي في أساسها ازمة غياب الدولة وتهميشها للمدينة، من خلال خارطة طريق جريئة لا بد منها.

وعليه، نحن الموقعين على هذا البيان، نرفع الصوت عاليا لنعكس ألم مدينتنا وأهلها ولنطالب كخطوة أولى بما يلي:

  • أولاً: اقالة المحافظ الحالي فوراً، وتكليف شخصية مستقلة وكفؤة تحظى بثقة أبناء المدينة للقيام بمهام المحافظ في تنسيق عمل إدارات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وفتح حوار صادق مع أبناء المدينة والإستجابة لصرخات الناس وتخفيف معاناتهم.
  • ثانياَ: المطالبة بفتح تحقيق فوري وشفاف بالأحداث الأخيرة، وتحديد المسؤوليات عن التقصير في حماية البلدية والسراي وغيرها من مؤسسات المدينة، وكذلك تحديد المسؤوليات في إستخدام الرصاص الحي و العنف المفرط في التصدي للمتظاهرين، وإتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل المقصرين و المسؤولين عن ذلك وضمان عدم تكراره، سواء كانوا مسؤولين سياسيين او إداريين او أمنيين في العاصمة او مسؤولين محليين، وكذلك كشف هوية المحرضين الحقيقيين على إحراق البلدية، وإعلان ذلك على الرأي العام خلال أيام وعدم البحث عن كبش محرقة لحجب الحقائق.
  • ثالثاً: إنشاء خلية أزمة فعالة تجمع المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية من دوائر حكومية وبلديات، بالتعاون مع النقابات والهيئات الإقتصادية والهيئات الدولية العاملة في طرابلس، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني وشخصيات المدينة المستقلة من كل الفئات والأحياء، المغتربين والمقيمين، من أجل وضع خطة عمل فورية لمعالجة الأزمة المعيشية أولاً، ولإستعادة الحوار المجتمعي ومع المؤسسات والسلطات المحلية.
  • رابعا: العمل على إيجاد آليات متابعة شعبية ومدنية ونقابية لمسار الأوضاع، من أجل ضمان التوجه نحو إستقرار في الأوضاع في المدينة ومعالجة مشاكلها، والتفاعل الصحي مع مطالب الإصلاح في كل لبنان، ومن أجل إستعادة دور طرابلس السياسي والاقتصادي. 
السابق
عدّاد وفيات كورونا ما زال مرتفعاً.. ماذا عن الاصابات؟
التالي
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: لبنان بلد الموت الصامت