.. في إنتظار «ثورات» من نوع آخر!

الثورة اللبنانية

ملايين من الناس “نزلوا عالأرض”، وعبّروا عن رفضهم للطبقة السياسية ولأدائها الكارثي الفاسد، في لبنان وفي الاغتراب. إنها الثورة الشعبية “المسالمة”، وما رفْض البعض لتعبير “الثورة” إلا لكونها لم تتخذ من العنف طريقاً للتغيير. ولكن الثورة الشعبية، التي أصابها الكورونا أكثر مما أصاب السلطة، لم تصل الى مؤسسات ما تزال أسيرة تحالف السلطة والمال، وتحالف الطبقة السياسية (كلن يعني كلن) مع القطاع المصرفي.

إقرأ أيضاً: حبل «العهد».. قصير!

ثورة القضاء

فالقضاء يحتاج الى ثورة بنيوية ذاتية لبلوغ استقلال لا ينوي السياسيون تقديمه في قانون واضح يحمي العدالة. ولذلك، فإن الثورة على الذات القضائية تكون في أداء قضائي، يتخطى الزعيم الذي عيّن القاضي في مركزه ليحقق العدالة. وهذا الأداء يحتاج الى شجاعة، تصل الى حد عدم الخوف من الاستشهاد! الأمثلة العالمية كثيرة. وأبرزها عملية الأيدي النظيفة في إيطاليا.

ثورة القوى الأمنية والعسكرية

يحتاج الجيش والقوى الأمنية في لبنان الى ثورة ثقافية تجعلهم في خدمة الشعب وليس في خدمة النظام، وعند المفاضلة، يكونوا الى جانب الشعب في وجه النظام. هذه العقيدة الوطنية لم تصل الى ذهنية المؤسسات العسكرية التي ما تزال تخضع للمحاصصة وللمذهبية في مراكزها الأساسية، وجعلت من بعض الأجهزة والمراكز محميات خاصة للزعماء والطوائف.. في وجه الوطن!

ثورة الإعلام

الاعلام أيضاً، وبخاصة المرئي منه، يحتاج الى ثورة على الذات للتحرر من الضغوط السياسية، والضغوط المالية (وهي الأصعب) ومن ضغوط الاثارة التي تحكم البرامج السياسية! فضيوف الإعلام، يحتاجون، بمعظمهم، الى المحاكمة بدلاً من فرص لتلميع صورهم، وخاصة أنهم يظهرون بمونولوجات مطوّلة من دون أي نقاش أو حوار مع الخصوم أو مع الرافضين لأدائهم. إن مسايرة هذه البرامج لأحد أو بعض الرؤساء والزعماء والمصرفيين كارثي على إمكانية الخروج من “جهنم”. إن تفضيل “الأزعر” على “الآدمي” إعلامياً هو خطيئة مميتة. والكل في الإعلام يستطيع التمييز بينهما: “من ثمارهم تعرفونهم”! الثورة الإعلامية هي الأسهل بين الثورات المرجوة. وهي يجب أن تنقل “الإجر يللي بالبور” لتضعها الى جانب الأخرى “بالفلاحه”. وهذه مسؤولية وطنية أساسية على الاعلام. لا شك أن الاعلام قدم ويقدم الكثير. ولكن ما قدمه ليس كافياً. وهو يجب أن يرتقي الى مرحلة إخراج لبنان من :جهنم”!

ثورة الطبقة السياسية على نفسها

لا يصل بنا الرجاء في لبنان الى ثورة للطبقة السياسية على نفسها لإلغاء ذاتها وإلغاء محمياتها المالية والإعتراف بأخطائها وجرائمها. فأنصاف الآلهة معصومون عن الخطأ! ولا رجاء بثورة للمجلس النيابي على نفسه، مع تقدير كبير لكل من تجرأ واستقال منه! وجريمة الشعب تبدأ من ترك ولو بصيص نور لدور من أذلهم وأهانهم وقهرهم على مدى سنوات طويلة.

لم تأتِ الثورة في لبنان من مجموعة واحدة، أو من حزب واحد. ولم تأتِ نتيجة انقلاب عسكري أو تسلح مجموعة من الناس. والتحركات منذ سنة ونصف السنة تقريباً لم تؤدِ الى النتائج المرجوة. ولا شك أن محاولات التوحيد في الثورة عانت وتعاني من خلاف في الخلفية السياسية من جهة، ومن عدم القدرة على تخطي آفة التخوين والتشكيك بين الثوار من جهة أخرى. ولكن الثورة مستمرة.

“كلن يعني كلن”

ويبقى أن المواجهة الأصعب للثورة للتغيير، في إطار “كلن يعني كلن” هي مع حزب الله، الذي يشارك في الحكم مع منظومة الفساد ويدعمها ويمنع سقوطها. الحزب الذي استعمل قواه وجمهوره لمواجهة الثورة وتفكيكها وقمعها، يتواجد في محور إقليمي، يتخطى لبنان ومصلحة شعبه لتحقيق مصالح محوره. فالثورة على المحور للعودة الى الوطن، والتي هي أكثر من ضرورية، تبدو غير واردة!

السابق
جمهور «أمل» يردّ على طلب التمديد لعون: بس يفيق مددلو!
التالي
«بيوتات» النبطية التقليدية.. نبض ذاكرة تنتظر إعادة الحياة إلى قلبها!