حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: شتائم ومازوت بديلا لنقاش الخيارات

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بدأ الصحافي قاسم قصير مداخلته على شاشة الـ”NBN” بالقول: لا يمكن لحزب الله ان يتابع سياساته على النحو الذي جرى في العشر سنوات الماضية، لا يمكن له أن يستمر بالقول انه تابع للولي الفقيه يأتمر بأمره… وان يبقى مقاومة شيعية خارج اي استراتيجية دفاعية لبنانية وطنية…. وعليه العودة من سورية ودول الاقليم لان في وثيقة الحزب التأسيسية، هناك نص الزم نفسه به حزب الله، وهو مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية”…

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: رئاسة الجمهورية رمز للدولة أم حاجز جعالة؟!

وهذا النص على حد قوله استفاد من التجارب السلبية لحركات المقاومة والمنظمات الفلسطينية كفتح والجبهة الشعبية، التي تعرضت للضرب والحروب عندما تدخلت بشؤون الدول العربية، ثم انتقل من نقاش حزب الله كتنظيم يقود الطائفة الشيعية، برضاها او رغما عنها، ويحدد خياراتها، الى دعوة الشيعة كجماعة لان تمارس النقد الذاتي وان تتواضع في مشاريعها وخياراتها، لتحافظ على صلاتها ببقية الطوائف اللبنانية، وأن لا تسعى لتحقيق غلبة عليها، بل ان يكون خيار الشيعة هو الاندماج في اوطانهم ومجتمعاتهم، مستذكرا دعوة الامام الراحل محمد مهدي شمس الدين الى هذا الخيار… ثم أضاف مناقشا فعاليات تكريم الجنرال قاسم سليماني التي زادت، برأيه عن حدها، فأحدثت ضررا، بدل ان تحدث تعبئة وترص صفوف الموالين والاتباع حولها، ولم يفته، وهذ أمر لافت، أن يعزوا سبب المبالغة تلك، بتكريم قائد فيلق القدس، والقائد الفعلي الذي اشعل حرب تموز ٢٠٠٦ وقادها معاركها على مدى ٣٣ يوما، أن يعزوا تلك المبالغة الى محاولة لسد العجز والتغطية عن عدم قدرة ايران ومحورها عن الرد والثأر لمقتله….

 قاسم قصير كان يمكن ان يكون قائدا في حزب الله

والصحافي المثقف المقاوم قاسم قصير، ليس طارئا او متطفلا، على تجربة حزب الله، لا تأطيرا، ولا ثقافة، فخياراته السياسية على مدى أكثر من أربعين عاما كانت الى جانب خيار المقاومة الاسلامية يدافع عنها، ينظر لممارساتها، ويفتح منتديات النقاش والحوار لتبرير افعالها ولكسب تأييد الناس لها، وهو ليس طارئا على الانتماء الفكري لها، كونه وكونها، جزءا من ما يسمى ” بالإسلام الحركي الشيعي” الذي انطلق مع قيام حزب الدعوة في العراق على يد السيد  محمد باقر الصدر، ثم ذهب الى ولاية الفقيه مع الامام الخميني وخليفته الخامنئي، وهو ليس خارج اطار حلقة ضيقة من رجالات الشيعة في لبنان، الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة بإيران وقيادة فيلق القدس، ومسؤولي الخارجية الايرانية وسفارتها في لبنان.

ما كان ينقص الحاج قاسم قصير ومازال ينقصه، ليكون احد قادة حزب الله أمرين:

  •   الاول ان يكون جزءا من هيكلية امنية تمارس جمع المعلومات وتنفذ التعليمات، أو من بنية عسكرية تتجهز للقتال وتمارسه، حيث تتطلب رغبة ايران، وتضع الافكار والخيارات جانبا وخارج التداول. والهيكلية والبنية هذه تجعلان جسم حزب الله جسما مندمجا بفيلق القدس والحرس الثوري الايراني.
  •  الأمر الثاني أن يؤمن بما قاله نصرالله يوما : انه طالما أن ايران بخير فان حزب الله بخير، وأن يستنتج انه عندما يكون حزب الله بخير، سيكون كل شيعة لبنان بخير، وليس مهما عندها ان كان لبنان بخير او بقية جماعاته بخير أيضا.

لذلك فأن التسليم بالأمرين المذكورين سيعني ان حزب الله هو فرقة حرس ثوري ايراني ترابط في لبنان وتستعمله كساحة صراع لمصلحة ايران، وأن شيعة لبنان سيتحولون الى “جالية ايرانية” على أرض لبنان يصيبهم ما يصيب وليهم الفقيه وجمهوريته الاسلامية، يفقرون بفقرها، يغتنون بغناها، يحاربون ب حربها، ويصالحون ويسلمون بسلامها.

والامران أعلاه يشكلان مفصلا وحدودا تميز بين خياران وطبيعتان لدور شيعة لبنان ومستقبل ابنائهم، ولذلك لم يكن كلام قاسم قصير ذلة لسان توَجّب الاعتذار عنها، ولا تنكرا لتاريخه وثقافته وخياراته، ولا استدراكا متأخرا لحقائق سياسية غابت عن وعي قصير وأزف موعد الاعتراف بها.

 قصير حاول التمييز بين ما هو لبناني وما هو ايراني في حزب الله

إن موقف قصير ودعوته، هي في جوهرها محاولة للتمييز بين ما هو بقية مكون لبناني في حزب الله، وما هو مكون ايراني صرف، على الرغم من انتماء المكون الاخير الى الهوية اللبنانية شكلا، وهو محاولة لرفض ان تتحول الطائفة الشيعية اللبنانية الى جالية ايرانية، تفقد تواصلها وعلاقات عيشها المشترك مع بقية جماعات لبنان، ويتحول كل ابنائها المنتشرين في انحاء العالم العربي والغربي الى فئة ملاحقة من المشبوهين العاملين في خدمة فيلق القدس.

ولعل ما شجع قاسم قصير على اعلان موقفه واشهار انشقاقه هو معرفته العميقة بالمجتمع الايراني وتوازنات قواه السياسية وفئاته الاجتماعية، وهي معرفة تظهر انه لا اجماع على خيارات الحرس الثوري الايراني في ايران نفسها، وان المجتمع الايراني بأغلبيته الساحقة لا يريد لأمواله ان تذهب دعما لتشكيلات فيلق القدس وميليشياته في العراق ولبنان وغزة، كما يدرك ان السيد نصرالله الذي مازال يحتفظ بجمهور وشعبية نسبية في لبنان، ليس مرغوبا به لان يكون خطيب صلاة جمعة في أي مدينة ايرانية.

إن معرفة قصير بإيران تؤهله لان يدرك أن ايران التي ستخرج من العقوبات وتعود دولة طبيعية وغنية، هي مختلفة عن ايران الحرس الثوري وتنظيماته، المولجة بزعزعة استقرار الدول المحيطة، وهو في اسلامه وتشيعه ولبنانيته يفتح نقاشا داخل حزب الله وداخل الطائفة الشيعية، لخيارات قد تجعل من العلاقة الشيعية الايرانية تتضمن خيارات تتكيف وتقبل المتغيرات المحتملة داخل ايران وخارجها.

  مصالح “امة حزب الله” تختلف تماما عن مصالح عموم الشيعة في لبنان

لم يخرج قاسم قصير عن مسلمات حزب الله الشيعية التي تسوغ اقامة علاقة مميزة وناشطة بين “أمة حزب الله” والحرس الثوري في ايران، بل كل ما فعله هو انه لفت النظر، الى ايران أخرى في طور النشوء خارج خيارات الحرس الثوري، ولابأس أن يقيم حزب الله علاقة مع ايران الاخرى أيضا، والى أن مصالح “امة حزب الله” تختلف تماما عن مصالح عموم الشيعة في لبنان، وان الجماعة الشيعية محكومة بعيش مشترك له موجباته وشروطه عليها، تجاه ابنائها وتجاه دولة وطنها.

انه نقاش مفتوح حول الخيارات يمتد من طهران الى بغداد وبيروت، ولا يستطيع اي جهاز امني او عسكري ان يمنعه لا همسا ولا علنا، فلا شتائم الجيوش الالكترونية نجحت في أن  تقتل الافكار أو ان تشل وعي الناس لمصالحهم، ولا أن تطمئنهم على حاضرهم ومستقبلهم، ولا توزيع الاعاشات والمساعدات استطاع معالجة انهيار مالي واقتصادي شامل، واما شحنات المازوت الموزع تهدئة لصرخات المقهورين في قرى بعلبك والبقاع فسيذهب مفعولها مع اول حريق لها في مدافئ الشتاء.

 الشتائم والمازوت لا تحل معضلة الخيارات. قد يتهمني الحاج قاسم قصير بتحميل كلامه ابعد مما عناه، لكنه فتح بابا لنقاش لن يقفل بسهولة حتى يأخذ مداه.


د. حارث سليمان

كاتب ومحلل سياسي وعضو اللجنة التنفيذية لحركة التجدد الديمقراطي

السابق
التيار الحر يتوجه لاصحاب الأفعال الحاقدة: زمن الوصاية الخارجية انتهى
التالي
الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية(٢٧): «المفتش» ممنوع من التفتيش!