حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: رئاسة الجمهورية رمز للدولة أم حاجز جعالة؟!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد اندلاع ثورة ١٧ تشرين باثنتي عشر يوماً، قدّم سعد الحريري استقالة حكومته، وبدا رئيس الجمهورية غاضباً من الاستقالة، عاتباً على رئيس الحكومة، لرضوخه لصرخات الساحات، التي طالبت بحكومة كفاءات مستقلة، ميزتها أنّها لا تدين بأي ولاء أو انتماء لأحزاب السلطة القائمة.

 تصرف عون كقائد لواء مدفعية، تركه أحد قادة كتائبه في وسط معركة،  المفارقة الكارثية في هذا الموقف، أنّ سعد الحريري لا يعمل جندياً بقيادة عون، وأنّ استقالته كانت رضوخاً لرغبة شعب لبناني خرج بمئات الالاف يطالبه بترحيل الحكومة، ولم يكن هروباً من معركة امام عدوّ في حرب.

ثلاث مخالفات دستورية

 اعتبر الجنرال أن من واجبات رئيس الوزراء ان يأخذ إذناً وموافقة منه ليستطيع الاستقالة، فغضب وقرّر ان ينتقم فتمهل وناور، بمخالفة دستورية أولى، بعدم تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة، على مدى خمسين يوماً فصلت بين استقالة الحريري وتكليف د. حسان دياب، وعلى مدى خمسة وعشرين يوما ، فصلت بين اعتذار مصطفى أديب وتكليف الحريري ثانية،  وشكّل ذلك سابقة لم تسجل في تاريخ تأليف الوزارات في لبنان وفي تسمية رئيس حكومة جديدة، لا قبل اتفاق الطائف ولا بعده، فالإستشارات النيابية الزامية إجراءً وتوقيتاً و نتيجةً.

الميثاقية المزعومة والذرائعية أنتجت حقًّا دون وجه حق لممارسة فيتو من أحزاب الطوائف في مجلس الوزراء!

ثم خالف الدستور ثانية، حين حاول تأليف حكومات متتالية؛ واحدة مع محمد الصفدي وأخرى مع بهيج طبارة وثالثة مع سمير الخطيب قبل تكليفهم، فالتأليف أمر ليس من صلاحياته، بل مهمة رئيس الحكومة المكلف.

إقرأ أيضاً: العاصفة تشتد ليلاً..إستعدوا لـ4 أيام من الزمهرير والأمطار والثلوج!

  وأما التشاور مع رئيس الحكومة بشأن التركيبة الوزارية فيجري بعد الاستشارات والتكليف وليس قبلهما، وما جرى من مناقشات مع رؤساء الحكومة المحتملين غير المكلفين كان أقرب الى ابتزاز أو قيود توضع في معصمي رئيس الحكومة قبل تكليفه، وهو بممارسته هذه، يتجاوز أصول نظام الديموقراطية البرلمانية ( التشاركية) ؛ حيث الأكثرية النيابية هي من تعطي الشرعية، و هي من تقرر، من يسمى رئيسا للحكومة ويكلف تشكيلها، ثم بعد ذلك تولي الحكومة الثقة او تحجبها فتسقط الحكومة. 

سقوط ذريعة الميثاقية

بعد طول انتظار، وإضاعة وقت ثمين ضروري لوقف تداعيات الأزمة، ولصياغة حلول تحدّ من تفاقمها، في سلوك لا يعكس أي مسؤولية وطنية أو احتكام لضمير نزيه، تم تسمية د. حسان دياب لتشكيل حكومة، وهو تكليف تجاوز مقولة “الميثاقية” التي تم تبنيها وتحكمت بالحياة السياسية وعمليات اعادة تكوين السلطة منذ 2006 وحتى تاريخه.

هذه الميثاقية المزعومة والذرائعية، أنتجت فيما أنتجت، حقًّا دون وجه حق، لممارسة فيتو من أحزاب الطوائف في مجلس الوزراء، وحق الترشيح الحصري في مناصب الرؤساء الثلاثة، للأقوى في طائفته، ووسمت قانون الإنتخابات الأخير بميسمها، وقيّدت تشكيل الحكومات بمنطوقها، وأفسدت الديموقراطية البرلمانية التشاركية التقليدية القائمة على أساس الميثاق الوطني، وشجّعت تنامي ثقافة عنصرية أقلوية، وظيفتها تبرير الخروج عن الدستور وانتهاك أصول اللعبة الديموقراطية.

رئيس الحكومة هو من يجري الإستشارات مع الكتل لتشكيل الحكومة ورئيس الجمهورية ليس طرفا باستشارات التشكيل وليس له دور فيه!

واليوم وبعد مراوحة المبادرة الفرنسية في مكانها، وبعد استفحال الأزمة وانسداد ابواب انتاج حكومة جديدة، يستمر النقاش والسجالات خارج اي منطق قانوني، يستند الى موجبات حياتنا الديموقراطية واصول النظام البرلماني،  فهل رئيسي الجمهورية والحكومة في موضوع تشكيل الحكومة هما شريكان على قدم المساواة، تتشابه ادوارهما وتتماثل صلاحياتهما!؟

 ولذلك لا بد من توضيح النقاط التالية :

  • إنّ رئيس الحكومة هو من يجري الإستشارات مع الكتل لتشكيل الحكومة، رئيس الجمهورية ليس طرفا باستشارات التشكيل لذلك ليس له دور في التشكيل.
  • لا يحقّ لرئيس الجمهورية، تقديم تشكيلة بديلة، لأنه وإن كان يشارك في اجتماعات الحكومة، ويترأس جلساتها اذا حضر ، لكن لا قرار له في مجلس الوزراء ولا يحق له التصويت داخل الحكومة. واذا غاب رئيس الجمهورية، عن جلسات الحكومة تبقى جلساتها قانونية وقراراتها نافذة، اما اذا غاب رئيس الوزراء فلا تعقد جلسة للحكومة في غيابه.
  • مسؤولية التشكيلة الحكومية لا تقع على رئيس الجمهورية بل على رئيس الحكومة منفردا، لأن رئيس الحكومة سيمثل امام مجلس النواب لنيل الثقة فاذا كانت التشكيلة لا ترضي الأكثرية النيابية ستسقط الحكومة ويذهب رئيسها الى منزله. أما رئيس الجمهورية فسيبقى في موقعه، فكيف يمكن تنحية رئيس حكومة تشكيلتها لم تنل ثقة البرلمان، اذا كان من شكّلها ليس هو، بل رئيس الجمهورية، والقاعدة القانونية تقول أن المرء  مسؤول عما قام به من فعل أو خيار،  ولا يصح تحميله مسؤولية خيار وأفعال غيره.
  • الاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة، ليست مشاورات بل هي في جوهرها آلية انتخاب، يجري فيها تعداد أصوات النواب لتسمية رئيس الحكومة، ويُطلع رئيس مجلس النواب عليها (أي من سمّت كل كتلة نيابية لرئاسة الحكومة، ويستطيع التحقق منها) ولذلك هي استحقاق دستوري وانتخابي لا يمكن، لا التلاعب به لا توقيتا ولا اجراءاً ولا نتيجة ولذلك قيل انها ( ملزمة) 
  • في “الوثيقة الدستورية” وفي “الاتفاق الثلاثي” وهي صيغ اتفاقات مهدت لاتفاق الطائف ودمجت في متنه، كانت آلية تسمية رئيس الحكومة “عملية انتخابية صافية”.
  • المشرّع الدستوري افترض عندما صاغ نصوصه، تمتع رجال الدولة بنوايا حسنة، ولذلك لم يعط رئيس الجمهورية صلاحيات تعطيلية في أي امر اجرائي، هو يوقّع مراسيم مجلس الوزراء، وقوانين مجلس النواب وقرارات مؤسسات أخرى؛ في كل مستويات الأوراق التي تصدر بتوقيعه، يناقش، قد يعترض، يبدي رأيا و يطلب اعادة بحثها، لكنه لا يستطيع ان يمنع سريان تنفيذها اذا أصرّت المؤسسات صاحبة الصلاحية على إقرارها.
  • في القوانين التي يقرها مجلس النواب، يحق له أن يردّها لدراستها مرة اخرى، فاذا اصرّ مجلس النواب تصدر حكما.
  • اذا رأى رئيس الجمهورية،  كمكلّف بالسهر على احترام الدستور ان قانوناً ما، صدر عن المجلس النيابي، هو قانون يخالف الدستور لا يحق له وقفه من ذاته، بل عليه الطعن به لدى المجلس الدستوري، الذي يقرر دستورية القوانين او عدمها.
  • في المراسيم يمكن له أن يطلب اعادة بحثها في مجلس الوزراء، فاذا أصرّ مجلس الوزراء عليها، ثم تمنع رئيس الجمهورية عن توقيعها، تصدر حكما دون توقيعه.
  • لا سلطة له بالامتناع عن اصدار مرسوم تسمية رئيس الحكومة، طبقا للاكثرية النيابية التي سمته، ويفعل ذلك برقابة رئيس المجلس.
  • التشكيلات القضائية حين تصدر عن مجلس القضاء الأعلى بأغلبية تتعدى عدد  ٧ الى ١٠  أو بالإجماع، تصبح ملزمة لجميع أصحاب التواقيع، أي يتوجب على وزير العدل ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، أن يبصموا ” بصماً ” على التشكيلات دون نقاش او تعديل. الرئيس ميشال عون بتجميده التشكيلات الدستورية يرتكب مخالفة دستورية.
  • الجنرال عون عيّنه الرئيس امين الجميل رئيس حكومة عسكرية من ستة وزراء (١٩٨٨)، استقال نصفها ٣ وزراء مسلمين، بقي على رأس وزارة مع مسيحيين ٢ غيره، لم تمثل حكومته أمام مجلس النواب وطبعا لم تنل الثقة لتتسلم مهامها، رغم ذلك خاض حربين ؛ “الالغاء” و”التحرير” واصدر قراراً بحل مجلس النواب بدل ان يطلب ثقته.
  • ما ورد في مقدمة الدستور و “الطائف” ؛ من ان “لا شرعية لاي سلطة تخالف ميثاق العيش المشترك”  مقصود به حكومة عون العسكرية التي تسلمت السلطة سنة ١٩٨٨ وقد وضعت بسبب ما ابتدعه الجنرال عون من ممارسات خطيرة. 

عجائب لبنان

من المؤسف انتخاب رجل لا يأبه للدستور في موقعٍ، مهمته السهر على احترام الدستور، ومن عجائب لبنان ان تتحول رئاسة جمهورية لبنان من موقع دستوري ورمز للدولة، الى حاجز يفرض جعالة اكراهية لينال مناصب وزارية.

السابق
العاصفة تشتد ليلاً..إستعدوا لـ4 أيام من الزمهرير والأمطار والثلوج!
التالي
جدل لقاح كورونا مستمر.. وسام بريدي يدافع عن أخذه في دبي