وبالرغم من بناء الدولة اللبنانية في الحقبة الماضية عدداً لا بأس به من المستشفيات الحكومية في مختلف المناطق اللبنانية – والتي هي غير كافية بطبيعة الحال – إلا أن أكثر هذه المستشفيات كانت وما زالت تعاني نقصاً كبيراً في تجهيزاتها الطبية وفي أعداد كوادرها من الأطباء والممرضين والمخبريين المتخصصين، فالتقشف كان السمة البارزة في إنفاقات الحكومات المتتالية على القطاع الطبي الحكومي في لبنان قبل الأزمات الراهنة، و لم يكن بمستوى الحاجات والتحديات في كل المراحل السابقة عندما كانت الدولة اللبنانية ميسورة الحال نوعاً ما، فكيف ستكون هذه الإنفاقات في زمن الفقر والعوز وقلة الموارد ؟
إقرأ أيضاً: صدام «الثنائي» يَحرم الجنوبيين من المستشفى القطري..والقرارات العشوائية تُلهب عدّاد «الكورونا»!
وقد فسح كل ذلك المجال أمام القطاع الطبي اللبناني الخاص للتحكم بمصير المرضى والمتاجرة بهم ، فالطبابة في بعض المستشفيات الخاصة في لبنان هي الأغلى في العالم، ولا نريد ذكر أسماء البعض منها، وفي عقيدتنا أنها معروفة عند الجمهور .
وكما ساهم إهمال القطاع الطبي العام في لبنان من قبل السلطة في تحكم القطاع الطبي الخاص بالمرضى واحتكاره الخدمات الاستشفائية النوعية ، ساهم ذلك أيضاً في تطور قطاع الاستشفاء الخاص على حساب تراجع الخدمات الطبية في القطاع العام، وقد ساهمت أزمة تفشي جائحة كورونا في كشف هذه المعادلة بوضوح في الأشهر الأخيرة !
تقصير وزارة الصحة
ولطالما تمت المطالبة بتولية وزارة الصحة اللبنانية للأكفأ والأعلم قبل استحقاقات تشكيل الحكومات سابقاً وحاضراً ، وهؤلاء الأكفاء والأكثر علماً هم كُثُر في لبنان، ولكن الحسابات السياسية الضيقة للسلطة الفاسدة والقوى المتحكمة بمصير البلاد والعباد أوقعت في المحذور !
وفي هذه الأيام يقول بعض المراقبين: إذا كانت استعدادات الدولة اللبنانية لمواجهة تفشي كورونا على شاكلة استعدادات وزير الصحة اللبناني الحالي ، فستكون النتيجة الحتمية، كما هو في الوضع الراهن، آلآف الإصابات اليومية و قلة مبالاة أكثر المواطنين بالإجراءات الوقائية !
وتأتي تجربة الإغلاق التام اليوم وحالة الطوارئ المعلنة لمدة عشرة أيام كفرصة أخيرة لالتقاط أنفاس الجسم الطبي، بعدما أعلن استسلامه للواقع المرير الذي لم توافر فيه الإصابات وزير الصحة اللبناني بالرغم من التحذيرات الإعلامية والشعبية العديدة التي وُجِّهت لصاحب المعالي في الأشهر القليلة الماضية، وذلك ليتوقف عن المشاركة في الاحتفالات واللقاءات الاستعراضية والتجمعات غير الضرورية في الأسواق والساحات وغيرها والتي لا تعتمد پروتوكولات الوقاية الصحية ، ولكنه أصر على منهج الحضور في الموائد والاحتفالات المفتوحة في بعلبك والهرمل وغيرها حتى وقعت الواقعة ، وأصيب الجسم الطبي بالصميم بسقوطه ضحية الوباء القاتل!
فكيف ستكون نسبة التزام المواطنين اللبنانيين بالإجراءات الوقائية بعد أن أصيب المسؤول عنها بإصابة بالغة هذه الأيام أدَّت هذه الإصابة إلى دخوله المستشفى على الفور دونما حجر منزلي ؟
والسؤال الخطير الذي يطرح نفسه هذه الأيام هو لماذا تأخَّر لشهر ونصف إعلان ظهور السلالة الجديدة لڤايروس كورونا عبر إعلام “حزب الله” الذي كان السبَّاق لحصرية هذا الإعلان بالتزامن مع إصابة وزير الصحة بالڤايروس، فهل هي الحسابات السياسية على حساب صحة الناس وتحذيرهم من مخاطر سرعة تفشي السلالة الجديدة، مما ساعد على التزايد الجنوني لمعدل الإصابات في الشهر والنصف الأخيرين، وذلك بما يضاف إلى سجل إخفاقات لبنان الصحية؟.