اذا كان رب البيت «السياسي» بالطبل ضارباً.. عون نموذجاً!

عند كل إنسداد في الافق السياسي يتنامى الإنفلات في لغة التخاطب بين المسؤولين اللبنانيين، والأمثلة على ذلك كثيرة لعلّ آخرها الفيديو المسرب لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والذي يصف فيه الرئيس المكلف سعد الحريري بال"كاذب".

ليست المرة الاولى التي يصل فيها حدود التجريح الشخصي بين المسؤولين السياسيين إلى هذا الحد، فبالاضافة إلى “إصبع” السيد حسن نصر الله الذي كان يرفعه حين كان يتوعد خصومه معطوفا على بعض الصفات الجارحة، غالبا ما حفلت جلسات مجلس النواب العلنية بتبادل الشتائم بين النواب (المشادات بين النواب علي عمار ونواف الموسوي من جهة ونديم الجميل ومعين المرعبي والرئيس فؤاد السنيورة من جهة أخرى، وبين الرئيس إميل لحود والوزير أحمد فتفت في مجلس الوزراء)، إلى أن وصلت هذه المرة إلى إطلاق إتهامات خارجة عن الأدبيات السياسية ( الكذب) من أعلى الهرم السياسي الى رئيس السلطة الثالثة، وهي سابقة لم تحصل منذ توقيع إتفاق الطائف، إذ كان الاختلاف بين الرؤساء غالبا ما كان يجيّر إلى مؤيديهم من النواب والوزراء ، فيتبادلون الشتائم والسباب على المنابر، أو عبر بيانات مكتوبة أو توكل إلى الجيوش الالكتروني مهمة التراشق بالسباب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي .

إقرأ أيضاً: بالفيديو:«الجديد» ترصد «نميمة» عون ودياب عن الحريري: عم يكذّب وتأليف ما في!

كلام الرئيس عون (بغض النظر إذا كان مجتزأً أم لا) سجّل سابقة في تاريخ الجمهورية الثانية، وظهّر إشكالية لغة التخاطب بين المسؤولين اللبنانيين بعد الحرب الاهلية وإستخداماتها العامة والخاصة، في بناء هويتهم الذاتية والوطنية، والتي أصيبت بضرر عميق نتيجة تغير المعايير التي على أساسها أصبح هؤلاء المسؤولين قادة لأحزابهم وجماعاتهم المذهبية والطائفية، في حين أن هذه المعايير كانت مختلفة في عهد الجمهورية الاولى، والتي كانت تترجم في كيفية إدارة الشأن العام والتعاطي مع الاخصام السياسيين، والشواهد في هذا المجال كثيرة، فإلى يومنا هذا لا يزال يذكر اللبنانيون حدة المواقف السياسية بين كمال بيك جنبلاط والرئيس كميل شمعون، لكنها لم تكن تفسد لغة التخاطب بينهما، رغم حساسية وخصوصية المعارك الإنتخابية في منطقة الشوف، كما يذكر كثيرون اللغة اللاذعة التي كان يستعملها العميد ريمون إده ضد خصومه(الحاج حسين العويني والرئيس سليمان فرنجية بحيث أطلق على عهده لقب “كول وشكور”)، بالاضافة إلى التراشق بقواعد اللغة العربية بين الرئيسين صائب سلام ورشيد كرامي .

بعد الطائف صار التراشق الكلامي أقرب إلى “السوقية”، من لا يذكر وصف النائب طلال ارسلان للرئيس رفيق الحريري بـ”بركيل قريطم” وصولا الى النائب جبران باسيل لرئيس مجلس النواب نبيه بري بـ”البلطجي” و لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية بـ”الغليظ”، وغيرها كثير من المواجهات الشخصية بين المسؤولين والتي كانت تؤدي إلى حرب شعواء بين المناصرين على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، ما يدل على أنه بات هناك خلط واسع، بين مفهوم الحريات العامة التي هي من السمات الأساسية للنظام اللبناني، وبين التفلت الذي يصل إلى حد التشهير والتجريح وسوق الاتهامات بألفاظ مشينة.

عتريسي لـ”جنوبية”: المواجهات بالسلاح تحولت بعد الطائف إلى تراشق سياسي بالشتائم 

ويفسر الباحث الاجتماعي والسياسي الدكتور طلال عتريسي هذه الظاهرة بأنها جزء من سلوك وأداء السياسيين، ويقول لـ”جنوبية”:”لأن إدارة هؤلاء المسؤولين للبلد يشوبها الفساد والمحاصصة، يتحول خطابهم إلى خطاب متفلت من أي ضوابط أدبية أو أخلاقية، بمعنى أن خطابهم السياسي السيء ليس سببا في سوء إدارتهم للبلد، بل على العكس تماما فهم سيئون في إدارة مصالح الناس ولا حساب ولا رقيب عليهم، ولذلك نجدهم متفلتين في خطابهم السياسي لأنهم يعرفون أن أحدا لن يحاسبهم”، مشددا على أن “لا حرج لدى المسؤولين السياسيين ولا سقف فهم نهبوا وأفلسوا البلد ولم يحاسبهم أحد عندها يصبح الكلام النابي لا يحرجهم”.

يضيف:”هذا الخطاب يخلق ثقافة سيئة جدا للناس بشكل عام ولجمهور هؤلاء السياسيين بشكل خاص، لأن أي رئيس أو نائب أو وزير هي شخصية عامة يشاهدها كل الناس وحين يتلفظ بالشتائم فكأنه يبيح إستخدامها من الناس ويعممها”، مشددا على أنه “عندها لا يجب أن نستغرب إذا تخاطب الناس بالشتيمة والكلام النابي ، ويتحول المسؤول السياسي الذي يكيل السباب لخصمه إلى بطل أمام جمهوره لأنه تمكن من أخذ حقه بيده وبلغة عنيفة، وهذا الجمهور لا يحاسب زعيمه ولا يستبدله”.

يلفت عتريسي إلى أنه “قبل الطائف كانت هناك خصومة راقية، وبعد ذلك تسلمت الميليشيات الحكم على أساس ان تتأثر بتقاليد المؤسسات وتنضبط ضمن أطرها، وهذا ما لم يحصل بل نقلت ثقافتها الميليشياوية إلى مؤسسات الدولة، فالتراشق بالسلاح بين الميليشيات في الحرب الاهلية تحول بعد الطائف إلى تراشق سياسي بالشتائم وباتت كل القوى السياسية تتكلم لغة الميليشيات” .

طلال عتريسي
طلال عتريسي
السابق
بالصورة.. تصعيد أميركي كبير بوجه إيران: نظام متطرّف يردد شعار «الموت لأميركا»!
التالي
إيران تغمز من السعودية للرد على أميركا: إرهابيو 11 أيلول لم يأتو من إيران!