حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: تمثال سليماني..«مكروه» في إيران و«مستحب» في بيروت!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا اعتقد ان حزب الله قد يشغل نفسه  بالتوقف عند الجدل، الذي اثير حول قرار اقامة نصب تذكاري نصفي لقائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني على احد مداخل الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وتسمية الشارع الذي يربط بين شارع الامام الخميني ( المطار القديم) واوتوستراد حافظ الاسد باسم سليماني. فالحزب لا يعنيه هذا الجدل، ولن يعنيه ما يصدر من مواقف صدرت من جهات معارضة له لا تخفي حرصها على استغلال اي فرصة واقتناصها، لتأكيد رؤيتها او قراءتها حول تجاوز الحزب لولائه الوطني لصالح الولاء لمنظومة ولاية الفقيه وولي الفقيه في ايران، في اطار نفي او اعتبار اي عمل يقوم به على الساحة اللبنانية او الاقليمية بانه يصب في سياق مصالح المحور الايراني الذي ينتمي له.

كل هذا الجدل لم يستوقفني ولن يستوقفني، لان الحزب من جهته، اطلق العنان لادواته الاعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، بتذكير المعترضين او الرافضين لما قامت به بلدية الغبيري باحداث واعمال مشابهة،  قامت بها هذه الجهات لتكريم شخصيات غير لبنانية، ترى فيها جانبا ايجابيا في خدمة لبنان من منظورها، كما هو حال حزب الله مع سليماني. الا ان ما استوقفني تغريدة  لنائب الرئيس الايراني الاسبق السيد محمد علي ابطحي اعاد نشرها على صفحته في منصة فيسبوك، تعليقا على الحملة الاعلامية غير المسبوقة التي شهدتها العاصمة الايرانية طهران عشية الذكرى السنوية الاولى لاغتيال سليماني، وحجم الصورة واللوحات المنتشرة في كل زاوية من العاصمة في ظاهرة غير طبيعية.

تمثال سليماني الغبيري
تمثال سليماني في الغبيري

يقول ابطحي في تغريدته انه ” لا اعرف ما هو الحال في المدن والنواحي، الا ان هذا الحجم الكبير من اللوحات والدعايات في الشوراع للشهيد قاسم سليماني في طهران، وفي الوضع الاقتصادي الحالي للجمتمع، اذا لم يكن من عمل جهات عميلة، فهي من عمل اصدقاء لا يتقنون عملهم”.

اهمية تعليق السيد ابطحي، كونه من اكثر الشخصيات السياسية الايرانية التي عملت في مجال الاعلام مبكرا، فهو واكب التغطية الاعلامية الشعبية والرسمية للحرب العراقية الايرانية من موقعه في وزارة الارشاد (الاعلام)، الى جانب وزيرها آنذاك السيد محمد خاتمي كمساعد له للشؤون الاعلامية، فضلا عن توليه مسؤولية ادارة المكتب الاقليمي لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون الايراني في بيروت، وكان من اوائل الايرانيين على المستويين المدني والرسمي، الذي استخدم الانترنت لايصال مواقفه التي كان من الصعب ان تمر عبر الصحف الايرانية، خاصة في المرحلة التي تعرضت بها هذه الصحف، لحملة اغلاق وتعطيل من قبل مؤسسة القضاء وبالتنسيق مع الاجهزة الامنية، فهو من اوائل “المدونين” السياسيين الايرانيين، فضلا عن كونه من اكثر الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي مبكرا.

ما يبدو مستغربا في ايران ليس من باب الاعتراض على تكريم هذا القائد العسكري، بل من باب رفض المبالغة في التكاليف

ما يبدو مستغربا لدى ابطحي، ولدى كثير من المسؤولين الاخرين في ايران، ليس من باب الاعتراض على تكريم هذا القائد العسكري، بل من باب رفض المبالغة في التكاليف في ظل اوضاع اقتصادية صعبة اصابت شرائح واسعة وكبيرة من الايرانيين نتيجة العقوبات والحصار الاقتصادي.  الا ان المتابع للشأن الايراني لن يكون من العسير عليه ان يجد المسوغ لهذه الحملة الواسعة وتكاليفها المالية العالية لاحياء ذكرى اغتيال سليماني الاولى، اذ ان اجماعا قل نظيره لدى مختلف الطبقات الايرانية في التعاطي مع هذه الشخصية باعتبارها شخصية “قومية”، وحتى المرشد الاعلى للنظام لم يستطع تجاوز هذه الحيثية في تأبين سليماني على الرغم من موقعه الديني كـ”ولي امر المسلمين”، بل اكد عليها واضاف الى هذه الصفة ووصفه بانه “بطل قومي والامة الاسلامية”. في محاولة للتوفيق بين الخطابين الوطني والاسلامي الشمولي.

المبالغة في الاحتفالية الايرانية، ومعها احزاب ودول المحور الايراني، قد تكون مسوغة ايضا في ظل الاجواء التي تأخذ عليهم عدم تنفيذ الوعود التي قطعوها بالرد على عملية اغتيال سليماني والمهندس، وقد يكون لهذا التأخير – اذا ما اتى لاحقا – اسبابه التي تدخل في الحسابات الاستراتيجية – العسكرية والامنية- ومبني على المخرج الذي قدمه سفير طهران في العاصمة العراقية الجنرال ايرج مسجدي، الذي اعلن بشكل شبه قطعي بان الرد ليس بالضرورة ان يكون عسكريا، بل سياسيا. من هنا يمكن تفسير هذه الاحتفاليات التي عمت ايران والعراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة واليمن وغيرها من الاجناد.

تمثال سليماني
تمثال سليماني

وقد يكون من حق حزب الله في لبنان وكل من تعاطى مع سليماني ان يذهب الى هذه الاحتفاليات والمبالغة فيها، الا ان خطوة بلدية الغربية المحسوبة والمقربة من حزب الله تعتبر نوعا من “المزايدة” على الاحتفائية الايرانية، التي لم تذهب في الذكرى السنوية الاولى لاقامة نصب تذكاري لشخص سليماني في اي من ميادين العاصمة طهران. فضلا عن ان هذا العمل يتعارض مع الفتوى الدينية لدى العديد من المراجع الشيعية بحرمة بناء مجسمات لشخصيات بشرية وتحتاط كثيرا في مجسمات الحيوانات بما هي من ذوات الارواح.

خطوة بلدية الغربية المحسوبة والمقربة من حزب الله تعتبر نوعا من “المزايدة” على الاحتفائية الايرانية

اقامة نصب لسليماني في احد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، يستدعي التوقف عند المشهد الايراني في التعامل مع هذه الظاهرة، فعلى الرغم من كثرة الانصاب والتماثيل التي تزين العديد من ميادين العاصمة طهران، الا انها تقتصر على شخصيات مؤثرة في التراث والتاريخ الايراني القومي والادبي والعلمي، مثل فرودوسي والخيام وحافظ شيرازي وغيرهم، وهي اقيمت وشيدت في العهد الملكي قبل الثورة، ولم يخرج عن السياق الثقافي لهذا الفن سوى ما تم تركيبه من تماثيل وانصاب للشاه محمد رضا بهلوي، والتي تم تدميرها مع انتصار الثورة في كل مدن ايران خاصة في العاصمة طهران. ثم تعطلت هذه المسيرة الفنية مع انتصار الثورة انطلاقا من كونها تتعارض مع المبادئ الفقية والشرعية، حتى ان القسم المتخصص بفنون النحت في الجامعات الايرانية تم تعطيله للاسباب نفسها، ما نتج عنه تراجعا واضحا في المستوى الفني والعلمي لهذا التخصص الجامعي، ولم يتم تعويض هذا التراجع حتى بعد قرار احياء هذا الاختصاص الجامعي بعد عام 1991، ما انعكس تراجعا واضحا في مستوى الاعمال التي تمت في هذا الاطار، والمحصورة فقط في مجال الوجوه الثقافية التي تعرض حصرا في متحف الفنون المعاصرة في العاصمة وليس في الميادين العامة.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق بين «الجموح» الإيراني و«الطموح» الإسرائيلي!

وعلى الرغم من رمزية المؤسس الامام الخميني، فان الجهات الرسمية وحتى الفنية الايرانية لم تذهب لاعتماد بناء تماثيل تكريما لهذا الزعيم، وبقيت محكومة بالبعد الفقهي والشرعي في مثل هذه الاعمال، باستثناء بعض المحاولات التي جرت في بعض المدن البعيدة عن العاصمة، فيما خلت شوارع وميادين الاخيرة من اي تمثال كامل او نصفي للمؤسس. فيما عمدت الادارة المحلية في بعض مدن الاطراف خلال السنة الماضية، الى ازالة الانصاب التي شيدت في عدد من ساحاتها لتكريم سليماني، لجهة انها تفتقر الى البعد الفني الذي شوه صورة هذا القائد نتيجة لغياب الجدية العلمية في التعامل مع هذا الفن الدقيق. فضلا عن غياب الاذن الشرعي لمثل هذه الخطوة وهذه الاعمال.

ما هو المسوغ الشرعي الذي وفر الغطاء الفقهي لخطوة حزب الله في لبنان، في حين ان الطرف الايراني المعني مباشرة ببطله القومي قد لا يذهب اليها؟!

ليس من باب الجدل مع حزب الله، في حقه بتكريم شخصية كان لها الدور الابرز والمحوري في صيرورته السياسية والعسكرية والاقليمية في اطار المشروع الذي يعتقد به، بل من باب التساؤل حول المسوغ او المناط الشرعي الذي وفر الغطاء الفقهي لمثل هذه الخطوة في لبنان، في حين ان الطرف الايراني المعني مباشرة ببطله القومي قد لا يذهب اليها. وهل ما لا يجوز في ايران يجوز في لبنان، وهل يقتصر الامر فقط على المجال الفني، وهل الثابت في طهران متحول في بيروت، خاصة وان تأملا سريعا في التمثال النصفي لسليماني بالقرب من طريق المطار يشي بحرفية عالية في العمل تكاد تتطابق مع الشخصية الطبيعية للرجل؟!

السابق
الفاتيكان يتحرك عبر بكركي.. وعون يدرس «عرض» الراعي!
التالي
جنبلاط في تصريح ناري: ليعتذر الحريري.. لقد أصبحنا منصّة صواريخ!