كورونا يتحول إلى «رب العمل» من المنزل.. ويساوي الإيجابيات بالسلبيات!

حجر منزلي

لم تعد ُدجى حيدر مضطرة للنهوض كل يوم عند الساعة السابعة صباحا لتجهيز نفسها والذهاب إلى العمل، فمنذ آذار العام 2019 ومع إنتشار وباء كورونا وبسبب الاحتياطات وقرارات الاقفال العام التي إتخذتها الحكومة لتفادي إنتشار الوباء، إتخذت الشركة التي تعمل بها ُدجى قرارا بأن يقوم موظفوها بواجباتهم من المنزل، ما أفسح المجال أمامها للقيام بمهمتها ساعة تشاء ومن دون التقيد بدوام معين، لكن شروط العمل الجديدة كان لها العديد من الحسنات والسيئات بالنسبة لها، أولى الحسنات هو تخفيف المصروف والذهاب للتسوق بعد دوام العمل وتوفير بدل التنقل لكن السيئات برأي دجى هو عدم توافر الهدوء المطلوب لإنجاز العمل(بسبب تواجد أخوتها في المنزل أيضا وتتوزع مهامهم بين العمل من المنزل والتعلم عن بعد) مما يحوّل البيت إلى خلية نحل دائمة، وثانيها الاعتياد على الكسل وقلة الحركة وعدم القدرة على التواصل مع المسؤولين عنها في العمل بالشكل المطلوب”.

عند ميساء سبيتي إيجابيات العمل من المنزل( معلمة في مدرسة خاصة) كثيرة، أولها عدم الاستيقاظ باكرا لتجهيز إبنتها للذهاب إلى المدرسة ومن ثم الاسراع في تجهيز نفسها للإلتحاق بمدرستها وقضاء نحو ساعة تقريبا على الطرقات للوصول إلى عملها، لكنها تقر بأن العمل من المنزل أفقدها متعة التفاعل الانساني مع أصدقائها وباتت تشعر بأن أيامها شبيهة ببعضها ولا مكان للإستمتاع.

تجربة جديدة ستستمر 

تجربة كل من ُدجى وميساء تشبه تجربة العديد من اللبنانيين الذين يقومون بواجباتهم الوظيفية من المنزل، لأن طبيعة عملهم تسمح لهم بذلك بعكس وظائف أخرى التي تتطلب حضورا في أماكن العمل، ولعل الخلاصات الاولى التي يمكن إستنتاجها من هذه التجربة القصيرة نسبيا (نحو سنة) والتي شملت كل دول العالم، هي أن جائحة كورونا أرست قواعد جديدة للعمل لا بد من أن تُأخذ بعين الاعتبار في المرحلة اللاحقة عند الشركات وأصحاب العمل كونها كانت تجربة ناجحة إلى حد كبير، وهذا ما يوافق عليه الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة الذي يشير لـ”جنوبية” أن “العمل عبر شبكة الانترنت مع البقاء في المنزل أمر جيد وإنتاجية الموظفين سجلت إرتفاعا ولا سيما الامهات منهن لأنه سمح لهن بإتمام واجباتهن الوظيفية مع  الشعور بالأمان كونهن إلى جانب أولادهن في المنازل، وتكفل بحل مشكلة التنقل في ظل نظام “المفرد والمجوز” للسيارات، ولم أسمع لا في داخل لبنان ولا خارجه أي تقارير إحتجاجية بالعكس تماما”. 

حبيقة لـ”جنوبية”: الشركات ستكمل على نفس “الوتيرة الكورونية”

يضيف:”هذه التجربة أسست إلى نوع جديد من العمل، والعديد من الشركات التي يعمل موظفيها من منازلهم ستكمل على نفس الوتيرة لأن وسائل العمل من المنازل تحسنت وحلت مشكلة أساسية عند العائلات وكمية الانتاج هي نفسها مع توفير تكاليف التنقل وهدر الوقت”، معتبرا أن “أرباب العمل راضيين لأن شغلهم مستمر، وأهمية العمل من المنازل هي إمكانية توفير كلفة التنقل والضرر على البيئة من التلوث وهذا النمط من العمل سيستمر حتى بعد الكورونا”. 

لويس حبيقة
حبيقة

التكيف مع الواقع 

لكن مقابل الايجابيات التي ولّدها إتمام المهام الوظيفية من المنزل، ثمة خطوات يمكننا القيام بها للإبقاء على حالة الحماسة للقيام بأعمالنا من دون الوقوع في فخ الملل، وفي هذا الاطار يشير الخبير الاجتماعي الدكتور مأمون طربيه لـ”جنوبية” أن “كثيرين إعتقدوا عند إنتشار وباء كورونا أن الامر هو مسألة أيام ويزول كأي موجة أنفلونزا أخرى، ولكن مع تواصل  تداعيات هذا المرض المؤثرة على الصحة بدأت الناس تقلق وتأخذ إحتياطاتها من إنعكاساته”، لافتا إلى أن “العامل الاخطر الذي حمله هذا الوباء هو عدواه السريعة والخبيثة مما حتم على الناس الانعزال وعدم التخالط، هذا الواقع الذي فرضه الوباء جعل الناس تعيد ترتيب يومياتها وصيرورة حياتها من الدراسة إلى الوظيفة إلى التزاور إلى التسوق إلى حتى المناسبات الاجتماعية  لم تعد تسير بالوتيرة التي كانت عليها”.

يضيف:”في مجال الاعمال هناك مؤسات كثيرة كان لديها عدد كبير من العمال والموظفين  إستدعى منها مسارات عمل غير مسبوقة أي العمل من المنزل، وهذا النوع الجديد من أنماط العمل قد يبقى بالرغم من التحديات التي تواجه المدارس والشركات طالما الواقع المأزوم مستمر، قد يكون المرض اليوم وقد يكون نتيجة كوارث طبيعية او حروب، إذا طالما هناك أزمة  طالما هناك عمل عن بعد بالنسبة لمقتضيات بعض المؤسسات”.

السؤال الذي يطرح نفسه هل العمل المنزلي يعطي المرء الشعور بالاكتفاء النفسي والاجتماعي الذي يعطيه  الخروج؟ 

يجيب طربيه:” بالتأكيد لا لأن العمل بحد ذاته هو طقس يومي يمارسه أحدنا كمصدر للرضا والإمتاع، ويعود الانسان العامل إلى المنزل بإنفعالات إيجابية لأنه يشعر بأنه قادر على الانتاج والتواصل والتفاعل وعلى تحمل المسؤولية وهذا يعطيه نوع من الغبطة والامتاع”، شارحا أن “هذا الطقس كان يتم خارج المنزل وبدوامة زمنية معينة، وحينما تعطلت هذه الدوامة لسبب ما (الوباء أو الكوارث أو الحروب) نشعر بنوع من الاستياء والإنزعاج لأن ثمة شيء توقف وإقتحم حياته وأقحمه في بدائل قد لا تكون بالنسبة له ُمسرة”، و يشدد على أن “العمل ليس فقط مهارات إدارة إنما هو تواصل وتفاعل وإجتماعات ومهام وصيرورة حياة يفترض عيشها، أما عندما تتعطل هذه الصيرورة بالتأكيد ستترك تداعيات نفسية  والإجتماعية”.

طربيه لـ”جنوبية”: للتكيف مع الوضع الاستثنائي.. والمهم الاستمرارية 

إذا ما العمل لتجنب هذه التداعيات؟ يجيب طربيه: “أولا تقبل الوضع الاستثنائي الجديد من دون تأفف ولا يأس، بل التكيف مع واقع الازمة بحدها الادنى، لأن الوباء لم يوقف الحياة بل عطلها وربما عثّرها وعندها يمكن التحايل على ذلك بطرق أخرى لكي نشعر بأننا ما زلنا نقدر على العمل والمتابعة ولو تطلب الامر تعلم تقنيات التواصل عن بعد وتغيير في نظام العمل فلا بأس بذلك لأن المهم هو الاستمرارية”. 

يضيف: “النقطة الثانية هو أن العمل من المنزل قد يترك الكثير من حالة الإستياء لأن كثيرون  غير معتادون على العزلة أو البقاء في المنزل لفترة طويلة أو ليس لديهم مساحة منزلية تمكنهم من العمل بهدوء ولذلك علينا إيجاد هذه العناصر وأن يشعر نفسه في مكان العمل. ويمكننا ممارسة نفس الطقوس السابقة قبل الذهاب للعمل أي الاستيقاظ باكرا وتغيير الملابس وتهيئة  النفس للدخول في أجواء العمل من  البيت”.

 ويتابع :”النقطة الثالثة هي المحافظة على التوازن القائم بين حياتنا وعملنا، فكما كنا نعيش قبل  الفيروس روتينا معينا أي نقسم وقتنا بين الاسرة والعمل والرياضة والاستمتاع ولو بحدود معينة لأنها تبقينا على نوع من الحماس والرغبة في الحياة والعطاء وكأن شيئا لم يتغير في حياتنا، وعلينا أن لا نعمل في أيام العطل والاجازات الرسمية لنشعر أننا خرجنا عن الروتين اليومي”.

الخبير الاجتماعي الدكتور مأمون طربيه
طربيه
السابق
بعد وفاة المعلّم.. الأسد يُصدر تعيينات جديدة!
التالي
إطلاق نار على فان في الهرمل.. وسقوط 3 جرحى!