جبران باسيل واستغباء أميركا…

خيرالله خيرالله

فاسد أو غير فاسد، ليست تلك المسألة مع جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون الذي فرضت عليه الخزانة الأميركية عقوبات بموجب قانون ماغنتسكي. كلّ ما في الأمر أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” الذي سعى إلى الدفاع عن نفسه، بعد أقل من يومين من الإعلان عن العقوبات، أكّد بطريقة أو بأخرى أنّه أسير التفاهم بين تيّاره و”حزب الله” أكثر من أي وقت. من السهل الدخول في تحالف مع حزب من هذا النوع، لكنّ الصعب، بل المستحيل، الخروج منه في بلد مثل لبنان.

لا حاجة إلى البحث في فساد الابن المدلّل لرئيس الجمهورية الذي حرم اللبنانيين من الكهرباء بعدما كان وزيرا للطاقة أو مشرفا على هذه الوزارة طوال اثني عشر عاما. لم يكتف بذلك، بل زاد الدين العام في لبنان نحو خمسين مليار دولار بسبب تمنّعه عن السير في أي مشروع ذي جدوى للكهرباء، إن عبر الاستعانة بشركة “سيمنز” الألمانية التي جاء رئيسها إلى بيروت برفقة المستشارة أنجيلا ميركل… أو عبر الصناديق العربية، في مقدّمها الصندوق الكويتي. كانت الصناديق مستعدة لتمويل مشاريع الكهرباء في لبنان بفائدة رمزية ولكن بشرط الإشراف على التلزيمات كي تكون بعيدة عن العمولات.

يكفي حرمان اللبنانيين من الكهرباء ورفع الدين العام إلى ما يقارب مئة مليار دولار، كي يستحقّ جبران باسيل، الآتي من الطبقة المسيحية دون المتوسّطة كلّ هذه العقوبات. يكفيه قبل ذلك وصوله إلى ما وصل إليه بفضل سلّم اسمه “حزب الله” رفعه إلى موقع الرئيس الفعلي للجمهورية في لبنان، لا لشيء سوى لأنّه مستعد لأن تلتقط له صورة مع قذيفة مدفع وإلى جانبه أحد المسؤولين في الحزب. إنّه مستعد لأن يكون صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربيّة عندما تولّى موقع وزير الخارجية.

قضت الإدارة الأميركية على المستقبل السياسي لرجل لم يحقّق في حياته كلّها سوى إنجاز واحد. يتمثّل هذا الإنجاز في وثيقة التفاهم بين ميشال عون والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في السادس من شباط – فبراير 2006، وهي الوثيقة التي أوجدت غطاء مسيحيا لسلاح تمتلكه ميليشيا مذهبية تابعة لإيران. أوصلت هذه التغطية ميشال عون إلى قصر بعبدا. لم يستطع القائد السابق للجيش اللبناني أن يصبح رئيسا للجمهورية إلّا بعد تحولّه إلى مرشّح “حزب الله”. لم يكن ليصبح مرشّح “حزب الله” لولا جبران باسيل الذي لم يستوعب في أيّ وقت معنى أن تكون إيران من يقرّر من هو رئيس جمهورية لبنان المسيحي.

في النهاية، يدفع لبنان ثمن وصول باسيل إلى مواقع مهمّة في لبنان جعلت منه قادرا على وضع نفسه في موقع مواز لرئيس مجلس الوزراء من جهة والرئيس الفعلي للجمهورية، في الوقت ذاته، من جهة أخرى.

ما يؤكّد ذلك إصرار رئيس الجمهورية على أن يشكل سعد الحريري حكومته بالتفاهم مع جبران باسيل وليس مع أي شخص آخر. قبل ذلك، اضطر مصطفى أديب، سفير لبنان في برلين، بسبب باسيل، إلى الاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل حكومة استنادا إلى مواصفات واضحة تقوم على مجموعة من القواعد حدّدتها المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون. في طليعة هذه القواعد وجود حكومة اختصاصيين قادرة على تنفيذ إصلاحات محدّدة كي يتمكن لبنان من الحصول على مساعدات خارجية بعدما انهار اقتصاده وتحوّل إلى بلد يتهدّد الجوع شعبه.

في العام 2003، ذهب ميشال عون إلى واشنطن وأدلى بشهادته في الكونغرس تمهيدا لصدور قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، وهو قانون يفرض عقوبات على نظام بشّار الأسد. كانت زيارته إلى واشنطن برعاية أعضاء في الكونغرس يمتلكون خطا سياسيا واضحا معاديا لما يسمّى “محور الممانعة” الذي كان يضمّ سوريا وإيران. أبرز هؤلاء الأعضاء كان إليوت إنغل النائب (عن الحزب الديمقراطي) عن إحدى الدوائر في نيويورك ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

من أجل الوصول إلى قصر بعبدا، انتقل ميشال عون من خندق إلى خندق آخر مختلف كلّيا. الأكيد أن الأميركيين الذين راقبوا صعوده وعودته من منفاه الباريسي، بعد اغتيال رفيق الحريري في بيروت في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، ليسوا بالغباء الذي يظنّه رئيس الجمهورية ولا صهره. انتظر الأميركيون طويلا قبل الذهاب إلى فرض العقوبات والقول لجبران باسيل إن مستقبله السياسي انتهى. انتظروا طويلا قبل أن يقولوا لجبران باسيل إنّهم يعرفون كلّ شيء عنه وإن “حزب الله” لن يتمكن من إيصاله إلى رئاسة الجمهورية يوما.

راهن جبران باسيل على أن إليوت إنغل سيحميه من العقوبات الأميركية. ما حصل قبل أشهر قليلة أن إنغل نفسه لم يستطع الترشّح مجددا للانتخابات في دائرته النيويوركية بعدما هزمه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مدير مدرسة أسود يدعى جمال بومان.

دفع جبران باسيل إلى نهاية عهد ميشال عون وهو “عهد حزب الله” في لبنان. أنهت العقوبات العهد قبل سنتين من انتهاء الولاية رسميا. لا تزال أمام باسيل خدمة وحيدة يستطيع تقديمها إلى لبنان، في حال تخلّى عن عناده واستطاع القيام بعملية نقد للذات. تتمثّل هذه الخدمة في تسهيل تشكيل حكومة لا تضمّ سوى اختصاصيين.

من الصعب تصوّر جبران باسيل يقدم على أي خطوة إيجابية، إلّا في حال أجبر على ذلك. من الصعب تخليه عن رهان أنّ “حزب الله” سيوصله إلى رئاسة الجمهورية. من الصعب، قبل أيّ شيء آخر، منعه من الرهان على وهم جديد اسمه وهم إدارة جو بايدن. هناك موقف واضح من جبران باسيل وآخرين مثله في واشنطن، وذلك بغض النظر عن الإدارة الموجودة.

هذا الموقف لخصه وزير الخارجية مايك بومبيو الذي قال في بيان له إن باسيل شغل “عِدّةَ مناصب رفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية، بما في ذلك منصب وزير الخارجية والمغتربين ووزير الطاقة والمياه ووزير الاتصالات. اشتهر باسيل طوال مسيرته الحكومية بالفساد وارتبط اسمه بشراء النفوذ داخل الوسط السياسي اللبناني. عندما كان وزيرا للطاقة، شارك باسيل في الموافقة على مشاريع عدة كان من شأنها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه من خلال مجموعة من الشركات الوهمية. يجب على القادة السياسيين اللبنانيين أن يدركوا أنه حان الوقت لهم للتخلي عن مصالحهم الشخصية الضيقة والعمل بدلاً من ذلك من أجل شعب لبنان”.

هذا كلام قليل يقول كلّ شيء. أكثر ما يقوله إن أميركا تعرف تماما ماذا يدور في لبنان وتعرف الكثير عن السياسيين اللبنانيين وارتباطاتهم وثرواتهم… وكيف أن السلاح المذهبي يحمي الفساد والفاسدين. أميركا ليست بالغباء الذي يعتقده جبران باسيل!

السابق
كارثة كورونا في لبنان: لن يبقى اطباء لمعالجة المرضى!
التالي
مصادر مصرفية لبنانية تُكذّب الأسد.. اليكم تفاصيل ودائع السوريين في لبنان